Tuesday, March 29, 2011

معايير عدالة الأجور بين يدى شرف ورضوان

هذا المقال الذى يحمل أفكار القراء موجه لرئيس الوزراء ووزير المالية، ذلك أنه كلما ظننت أن وضع معايير عدالة الأجور فى الحكومة وما فى حكمها من مؤسسات مملوكة للشعب، قد اكتمل وتبلور، طالبنى القراء الأعزاء بمواصلة الكتابة فى الموضوع باعتباره واحداً من أهم الموضوعات الكاشفة للفساد السياسى والإدارى والمالى، الذى يمثل علاجه تلبية لمطالب الثورة. فى المقال المنشور الثلاثاء الماضى أخذنا مثالاً واحداً وهو أجر رئيسى الأهرام الحالى والسابق، لقد كشف هذا المثال عن أوجه الخلل التالية:

أولاً: خلل قانونى يتيح لرئيس مجلس الإدارة والأعضاء تحديد أجورهم وأجور الآخرين حسبما يحبون، فلقد نصت المادة رقم ٦٣ من قانون تنظيم الصحافة رقم ٩٦ لسنة ١٩٩٦ على أن يقوم مجلس إدارة الصحيفة القومية بوضع لوائح الأجور وغيرها، وأن تعتمد الجمعية العمومية للمؤسسة هذه اللوائح، لقد سألت فى هذا الشأن الخبير الكبير الدكتور عبدالفتاح الجبالى، عضو اللجنة التى شكلها وزير المالية المحترم د.سمير رضوان، لوضع هياكل عاجلة للأجور، ولقد قال لى الرجل بالنص: إن هذا الخلل القانونى الذى يسمح لمجلس إدارة المؤسسة بوضع لوائح الأجور أمر شائع فى مؤسسات حكومية عديدة، وكذلك فى مؤسسات مملوكة للشعب مثل الصحف القومية وغيرها، وعندما سألته: هل هذا أمر معمول به فى الدول المحترمة؟ أجابنى: إنه نظام فريد لا يوجد حتى فى (بلاد الواق واق) فليس من المقبول أن يحدد شخص أو أشخاص الأجور لأنفسهم.

إذن نحن فى حاجة إلى المعيار الأول وهو إصلاح القوانين واللوائح الخاصة بالأجور من أى ثغرات تسمح للمستفيد من الوظيفة بأن يضع الأجر لنفسه، ومفهوم أن كلمة الأجر تشمل الراتب والمكافآت والحوافز والعمولات والمخصصات جميعاً.

ثانياً: لقد تبين من الفحص القانونى أن هذا الخلل هو الذى كان يسمح لرئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق بأن يحدد لنفسه أجراً شاملاً يصل إلى مليون وثلاثمائة ألف جنيه، وهو الخلل الذى تم تداركه، كما شرح لى الدكتور عبدالمنعم سعيد، الرئيس الحالى للأهرام، بقرار من رئيس مجلس الإدارة الأسبق الأستاذ صلاح الغمرى، صدر بتاريخ ١٨/٢/٢٠٠٧، ونص على ما يلى: «يكون الحد الأقصى لما يصرف كحوافز ومكافآت أو عمولات للسيد رئيس مجلس الإدارة هو مبلغ اثنان وتسعون ألف جنيه شهرياً».. لقد بين الدكتور عبدالمنعم أن السبب فى صدور هذا القرار هو تعثر الأوضاع المالية فى الأهرام، وهو ما أدى إلى محاولة تقييد المادة ٦٣ التى تتيح لمجلس الإدارة تحديد أجوره هو والقيادات حتى لو بلغ أجر الشخص الواحد عشرة ملايين جنيه، إن هذا التقييد قد جعل أجر الرئيس مائة وعشرين ألف جنيه شهرياً حالياً.

ولقد علق بعض القراء على هذه النقطة بالقول إن الدكتور جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وهو بدرجة نائب رئيس وزراء، ملتزم من تلقاء نفسه بالحصول على أجر شامل يساوى عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور فى الجهاز، وهو ألف جنيه أجر معاون الخدمة، ورغم التقدير والتحية التى يوجهها القراء لهذا الرجل المحترم، فإن الناس تطالب بعدم الاعتماد على النوايا الحسنة بل وضع حد أقصى للأجور فى جميع المؤسسات الحكومية والمملوكة للشعب يلزم المديرين باتباعه حفاظاً على العدالة الاجتماعية، وقد اقترح القراء ألا يزيد أقصى أجر على ثلاثين ضعف الحد الأدنى للأجور فى جميع المؤسسات، فإذا كان الحد الأدنى ألف جنيه يكون الحد الأقصى ثلاثين ألف جنيه، وهذا هو المعيار الثانى لعدالة الأجور.

ثالثاً: تبين من آراء القراء وتعليقاتهم أن هناك تفاوتا مخيفاً بين أصحاب المؤهلات والكفاءات والأقدميات الواحدة نتيجة لتعدد أنظمة الأجور بين الوزارات الخدمية والوزارات الإنتاجية، فلقد أوضح القراء أن هناك أصحاب مؤهلات متوسطة يعملون فى وزارات البترول والكهرباء والبنوك مثلاً لا يحصلون على أجور تفوق أصحاب المؤهلات الأعلى الذين يعملون فى وزارات مثل التضامن الاجتماعى والتربية والتعليم والجامعات والقضاء على سبيل المثال، ويبدو أن الأمر شديد الخطورة على معايير العدالة الاجتماعية، فقد ذكر بعض القراء أن أجور زملائهم فى المؤسسات المملوكة للشعب مثل الصحف القومية والتابعة لمجلس الشورى وفى الوزارات الإنتاجية تبلغ عشرة أضعاف رواتب العاملين فى الوزارات الخدمية، فأى عدالة هذه التى تفرق بين الناس على أساس قدرتهم على الحصول على الوظيفة فى الأماكن المميزة من حيث الأجور؟

إذن نحن هنا فى حاجة إلى المعيار الثالث لضمان عدالة الأجور، وهو معيار توحيد جداول وهياكل الأجور فى جميع الوزارات الإنتاجية والخدمية، وكذلك فى المؤسسات المملوكة للشعب وتتبع مجلس الشورى أو هيئات أخرى.

إذن هذه المعايير الثلاثة وهى: أولاً تصحيح القوانين واللوائح حتى لا يترك للمديرين تحديد أجورهم ومحاباة البعض وظلم الآخرين، وثانياً وضع حدين أدنى وأقصى للأجور، وثالثاً توحيد هياكل وجداول الأجور فى جميع الجهات الحكومية والمملوكة للشعب.

لقد بين القراء أن اتباع هذه المعايير سيوفر عشرات الملايين لخزانة الدولة، بحيث نأخذ من الرواتب المتضخمة والأجور المبالغ فيها لنضيف إلى الأجور الهزيلة والضعيفة، ولقد أكد القراء أن ثلاثين ضعف الحد الأدنى سيكون كافياً لضمان وجود كفاءات محترمة فى رئاسة الهيئات الحكومية، وهو أمر سيتحقق عندما نرفع الحد الأدنى، حيث سيصل الحد الأدنى إلى ألف وخمسمائة جنيه، وبالتالى يصل الحد الأقصى إلى خمسة وأربعين ألف جنيه، وهو مبلغ عادل وكاف بعيداً عن الفساد السياسى والإدارى والمالى السابق.

ويرى بعض القراء، بالإضافة إلى هذا، أنه يمكن توفير أموال كثيرة إذا أصدر وزير المالية قانوناً اعتمده المجلس الأعلى للقوات المسلحة ينص على منع تقديم هدايا ثمينة من المؤسسات الحكومية والمملوكة للشعب، التى تأخذ شكل ساعات الروليكس بعشرات الألوف، وأطقم الألماس والذهب بعشرات الألوف وغيرها، وأطقم أقلام الذهب والولاعات الذهب وغيرها، مما توزعه الأهرام وغيرها كما يؤكد القراء.. هناك مصدر آخر لتمويل زيادة الحد الأدنى للأجور يتمثل فى إصدار قانون يحرم شراء سيارات المرسيدس والسيارات الغالية لاستخدام المديرين فى الحكومة والمؤسسات المملوكة للشعب، ويشير بعضهم إلى أن هذا باب كبير لإهدار المال العام والفساد، فى الوقت الذى نقول فيه للناس إنه لا توجد موارد لرفع الحد الأدنى للأجور

د. إبراهيم البحراوى - المصرى اليوم


No comments: