Friday, March 18, 2011

وطنى ليس حقيبة

أكتب عن ثورات العالم العربى. أكتب عن مصر. ليبيا. تونس. اليمن.. وأكتب عن السعودية من زاوية أخرى...

الجميع يحكى عن الإصلاح. الشعوب تتجرأ وتطالب، والحكومات تنصت بحذر، لأول مرة تعلم أن لشعوبها صوتاً وأن حركة فيزيوكيميائية تنتج عن هذا الصوت فتنقله للشوارع ببساطة لتنيرها وتشعل ركودها. لأول مرة تسمع الحكومات أصوات أبنائها. مصطلح (كالإصلاح التدريجى) لم يعد له مكان فى زمن النور والتغيير. الإصلاح الفورى مطلوب، ولا خوف على الشعوب من وهم الصدمة الإصلاحية، فالطامة الحقيقة كانت بالسكوت عن الفساد وتأجيل العلاج بحجة أن الشعب غير مؤهل. وكأن أفراده أطفال بلغوا من الجهل والتخلف مبلغاً كبيراً، تفصلهم عن حكوماتهم المتقدمة الجادة فى التغيير آلاف من سنوات وعصور الظلام، عدا الصحة والتعليم والفقر والديكتاتورية والفساد بمختلف أنواعه، هناك الفساد الأكبر الذى أعتبره دعامة من دعامات الحكم فى العالم العربى. القبلية والطائفية والعائلية والمناطقية التى أصروا على إقحامنا بها، ومارسناها بجدارة لأننا فى النهاية عرب فرحون معتزون بأصولنا وجذورنا وتباهينا على الخلق بالحسب والنسب والدين.

التفرقة الطائفية والعنصرية أدتا لتمييع مفهوم المواطنة وعدم وضوحه. حتى إن تعريف هذا المفهوم لا وجود له بالقاموس السياسى العربى ولا وجود له بقاموس أى وطن.

لا أعلم إن كان عدم الاستقرار السياسى والخوف من المجهول وعدم الثقة فى الأنظمة هو السبب، لكن النتيجة الواحدة هى أن أفراد العالم العربى بحثوا عن أوطان بديلة غير التى اتفقت عليها خرائط بريطانيا وفرنسا، وجدوا أوطانهم الجديدة فى أماكن عدة، كل بحسب ما يجد ملاذه وأمانه. فى لبنان، الطائفية تغنى أبناءها عن الوطن اللبنانى. وفى مصر اشتعلت بين المسلمين والأقباط. وفى ليبيا هناك حديث عن أن الشرق هو أصل الثورة. والأردن بلد العشائر بجدارة. والسعودية والخليج تهددهما القبلية بطريقة مرعبة.. وهكذا دواليك.

الآن.. هل ستقوم الحكومات بمعالجة الفساد من وجهة نظرها الخاصة أم من وجهة نظر الوطن؟

يرى أهالى المنطقة الوسطى فى السعودية (نجد) أنهم يحتلون مرتبة عالية تنزههم عن بقية المواطنين المنتمين لشمال وجنوب وغرب السعودية. ويعتقد أهالى الحجاز أنهم متحضرون متقدمون على من يسمونهم (البدو) دون أدنى معرفة للمقصود بالبدوى.

أما أهالى الجنوب، فبنظر البقية دخلاء، بحكم انتمائهم لليمن قبل توحيد السعودية. ويطلق عليهم تهكماً (٠٧) وهو الرمز الهاتفى للمنطقة الجنوبية.

هناك الأفراد الأصليون والفرعيون، وهناك المنبوذون.

بصفة عامة هناك تصنيف داخلى يفرق بين المواطنين ويقسمهم لطبقات. أساس التقسيم هو النسب والدين. بالنسبة للنسب فتستخدم قوة الكهرباء للسخرية وليقيّم بها الأفراد بعضهم البعض.. هناك تصنيف (٢٢٠ فولت) ويرجع أبناء هذا التصنيف لأصول قبلية، وهم تقريباً المواطنون درجة أولى فى البلاد. وهناك تصنيف (١١٠ فولت) وهؤلاء يعودون لأصل (خضيرى) ولا ينتمون فعلياً لقبيلة عريقة، وهناك الصناع والصلب غير معروفى الأصل. ثم هناك (طرش البحر) الذين أتوا من مختلف المعمورة إلى بلاد الحجاز، الواقعة على البحر الأحمر، منذ مئات السنين للحج والتجارة وعاشوا بها واستوطنوها وامتلكوا جنسيات محلية بعد الوحدة السعودية. هؤلاء ينظر إليهم بشىء من الشك كونهم لا يرجعون لأصول عدنانية وكون المنتمين للداخل أفضل سكان العالم، فكان أن تحول اسمهم إلى (حج ولم يعد) والأخيرون ليسوا بأفضل حال، فكما ذكرت هم بدورهم يصنفون جميع أبناء المناطق الأخرى (بدوان) متخلفون تصعب مخالطتهم ويستحيل التعاطى معهم. هذا من زواية النسب، أما من زاوية الدين فالفكر المحلى يسير بمنحى دينى خطير وهو تكفير المواطنين السُنّة للمواطنين الشيعة، مقتدين بفتاوى دينية تكفيرية أقرها أبرز رجال الدين السعوديين. وإذا ما علمنا أن التكفير يبيح هدر دم الخارج عن الدين والملة فيمكن لتلك الفرقة الدينية إشعال فتيل معارك طاحنة أهلية بأى وقت إن لم يتم تداركها فوراً. والمفترض أن يتم علاج المسألة من قبل المواطنين أنفسهم بإعادة التفكير بالفتوى. لكن مع الأسف، الجمهور الغفير نائم وعليه، كل يعتقد أنه الأفضل، معتبراً الآخرين عالة على دولته، مؤمناً بأن وجوده هو سبب علو شأن هذه الدولة وأنه لولاه ولولا نسبه لانتهى أمرها. حين قام الملك عبدالعزيز آل سعود بتوحيد الأراضى والقبائل وضمها فى إطار واحد أطلق عليه مملكة نجد والحجاز ثم تغير اسمها ليصبح الاسم الحالى (المملكة العربية السعودية) قيل إنه تمكن من تحقيق التوحيد السياسى بجدارة، لكن لا يبدو أن التوحيد الاجتماعى قد تحقق أبداً. ولم يكن الانصهار السياسى دافعاً لتحقيق الانصهار العاطفى الوطنى بين القبائل والمناطق، ولو تم الإبقاء على اختلاف الثقافات فيما بينها.

فحتى التزاوج يصعب فى كثير من الأحيان بين أفراد المناطق المختلفة بل يبدو معقداً. فالقبيلى لا يزوج ابنته لخضيرى وإن كانا يعيشان بنفس المكان وينتميان لذات المنطقة. وقد حدثت قصة شهيرة قبل سنوات وهى شكوى رفعها أشقاء زوجة أمام قاض من أجل التفرقة بينها وبين زوجها بحجة عدم تكافؤهما فى النسب، فكان أن حكم القاضى بتطليقها من زوجها رغم أن لديهما عددا من الأطفال وتم الطلاق. هذا شىء من الفرقة، يمكنك رؤيته أينما ذهبت. تكتلات عنصرية غير رسمية داخل المؤسسات العامة والخاصة، محاباة، نظرة دونية للآخر مجتمع مفكك غير ملتحم. بغض وتنافر واستعلاء وتكفير.. تلك هى مشاعر أبناء الوطن تجاه بعضهم.

ما سبب هذا التعلق بالمنطقة والأصل؟

بماذا أشعر حين أقول أنا سعودية؟ وكيف أشعر حين أعلن عن قبيلتى؟ أيهما أكثر زهواً وانتصاراً؟

وبأيهما يثق الفرد: بالدولة أم بالقبيلة ؟ بالوطن أم بالقبيلة؟

هل نحن متكاتفون أم متباعدون بانتظار من يعلن لحظة الانهيار الأخيرة؟

ليس هناك أى حديث عن أهمية التلاحم والوفاق وإنهاء العنصرية والجهل، أشد الجهل «مزايين الإبل»، وهى مسابقات تجرى لانتخاب ملكة جمال الإبل التابعة للقبائل، ليتكرس التعصب القبلى بطريقة بدائية جداً وليزيد الكره دون أن نشعر به. هل سيحكى عن إصلاح هذا السقوط؟

هل نحن مواطنون؟ وهل مواطنتنا واضحة؟ وهل مطالبنا الإصلاحية واضحة إن كان تعريفنا لبعضنا ناقصاً ومختلاً؟

لو قمنا بإجراء مسح شامل حول مفهوم المواطنة من الخليج إلى المحيط، لوجدنا أن غالبية التعاريف ستدور حول المواطنة بصفتها إعانات حكومية وأغذية وأدوية ورواتب عالية وأموال وفيرة ووظائف كثيرة وأسعار زهيدة.

فهل هذه هى المواطنة التى نحلم بها وتحلم بها الأوطان؟

هل المواطنة منفعة مادية وعلاقة اقتصادية بحتة؟ هل هى علاقة مصالح بين الفرد والنظام أم أكثر من ذلك وأبعد نحو روابط قوية من الحب والترابط والتواضع والتضحية؟!

«وطنى ليس حقيبة وأنا لست مسافراً»

محمود درويش

نادين البدير- المصرى اليوم

nadinealbdear@gmail.com

No comments: