الذين سوف يقولون «لا» للتعديلات المقترحة على الدستور، صباح غد، ليسوا بالضرورة مقتنعين بينهم وبين أنفسهم برفض التعديلات.. بل على العكس.. يمكن جداً أن يذهب كثيرون إلى صناديق الاستفتاء، ثم يقولون «لا» بأعلى صوت، لا لأنهم غير راضين عن التعديلات المطروحة للاستفتاء عليها، وإنما لأنهم فى الأساس يريدون أن يقارنوا بين «لا» غير المهدرة الآن، و«لا» المهدرة فى أزمان مضت، ويريدون أن يذوقوا طعم «لا» فى عهد جديد، ويريدون أن يروا عواقب قول «لا» فى هذا العهد، ويريدون للمرة الرابعة أن يلاحظوا الفارق بين قول «لا» الآن، وبين قولها زمان عندما كان الواحد يذهب ويقول «لا» لمرشح فى الانتخابات ـ مثلاً ـ ثم يفاجأ صاحب الصوت بأن رفضه، ورفض آخرين معه، قد تحول بقدرة قادر إلى قبول، وترحيب، وحفاوة بمرشح لا يريدونه!
طبعاً هناك آخرون سوف يذهبون ليعلنوا رفضهم التعديلات، عن يقين، وعن اقتناع، وعن استيعاب، وهؤلاء واضحون مع أنفسهم، ومع غيرهم، ولا يحتاجون إلى جهد لفهم أسباب رفضهم، إذا ما تمت المقارنة بينهم وبين الفئة الأولى، التى ضجت طويلاً من قول «نعم».. وتريد ربما للمرة الأولى أن تستطعم مذاق «لا» فى وجدانها، وفى عقلها!
وفى المقابل، فإن جماعة الإخوان المسلمين تدفع الناس دفعاً، إلى قول نعم، وإلى الموافقة بالتالى على التعديلات إياها، دون أن يكون هناك حزب كبير، أو تيار سياسى مهم، يؤيد الإخوان فى دفع الناس هكذا نحو الموافقة، وكأن الموافقة مطلوبة لذاتها، مع أن الأصل فى الموضوع، إنما هو ما بعد الاستفتاء، وليس الاستفتاء ذاته!
وبطبيعة الحال فإن جماعة الإخوان تعرف أن الموافقة على التعديلات معناها تنظيم انتخابات برلمانية بعدها، وتعرف أنها، كجماعة، ربما تكون القوة السياسية الوحيدة المهيأة لخوض الانتخابات فى هذه الظروف، ثم الخروج منها بمكسب كبير، وتريد الجماعة، والحال هكذا، أن تختطف ما تستطيع اختطافه من خلال الصندوق، وهو حق مشروع لها، لا نجادل فيه، غير أن هناك، على الناحية الأخرى، حقوقاً أخرى مشروعة أيضاً، لقوى سياسية مختلفة، ولأحزاب قائمة، وهى حقوق لابد أن تراعى، وأن تؤخذ فى الحسبان، وأن يكون الظرف الذى سوف تجرى فيه الانتخابات ملائماً لوضع كل قوة سياسية على مكانها فى الخريطة إجمالاً!
كثيرون سوف يقولون «لا».. وأنا من بينهم، لمبررات معقولة، من بينها أننا فى حاجة لدستور عصرى متكامل، يضع بلدنا حيث يجب أن يوضع بين الأمم.. لا أن نذهب للاستفتاء على ترقيعات فى الدستور، لن يجدى أغلبها فى شىء!
وهناك فى ركن آخر من سوف يقول «نعم».. ليس لأنه مقتنع بالتعديلات المطروحة، ولا بشىء، وإنما لأنه يريد «الخلاص» وسط هذه الأجواء الكئيبة!
حتى لو كان الخلاص سوف يكون إلى ما هو أسوأ!
سليمان جودة -المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment