لم يكف جرس الهاتف عن الرنين مساء الأربعاء الماضى وحتى ساعة متأخرة من الليل. ورغم انشغالى فى ذلك المساء مع صحفى عربى صديق كنت أستضيفه على العشاء بمناسبة زيارته الأولى للقاهرة بعد ثورة ٢٥ يناير، فإن إلحاح الهاتف اضطرنى للرد ثم للمتابعة. كان معظم المتحدثين من طلاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وكانوا فى حالة غضب شديد بسبب قيام قوات من الشرطة العسكرية باقتحام الحرم الجامعى والتوجه إلى كليتهم لفض اعتصام طلاب الكلية بالقوة. وقد بلغ انفعال أحدهم حداً جعله يجهش بالبكاء حين راح يتساءل مستنكرا عما إذا كان الإنجاز الوحيد للثورة فى الجامعات المصرية يكمن فى إحلال الشرطة العسكرية محل الحرس ومباحث أمن الدولة. وقد حاولت قدر إمكانى تهدئتهم ووعدتهم ببذل كل ما فى استطاعتى لمعرفة حقيقة ما جرى والتصرف وفقا لما يقضى به ضميرى المهنى كأستاذ جامعى وكمُهتم بالشأن العام.
فى صباح اليوم التالى، وقبل أن أشرع مباشرة فى كتابة هذه السطور، وجدت ضمن قائمة بريدى الإلكترونى رسالة موقعة من الدكتور هانى الحسينى، الأستاذ بكلية العلوم، نصها كالتالى:
«توجهت إلى كلية الإعلام فى تمام الساعة الثامنة والثلث مساء الأربعاء بصحبة الدكتورة ليلى سويف، الأستاذة بالكلية نفسها، والدكتور أحمد الأهوانى، الأستاذ بكلية الهندسة، فوجدت أعدادا كبيرة من أفراد الشرطة العسكرية محتشدة على سلم الباب الخلفى للكلية، وكانت هناك أعداد أخرى تقوم بإغلاق السلم الداخلى لمنع الصعود إلى الدور الرابع حيث الطلاب المعتصمون أمام قاعة المؤتمرات. وعلمنا من زملاء فى قسم الصحافة أن الدكتور أشرف صالح، رئيس قسم الصحافة، والدكتور محمود خليل، الأستاذ بالقسم نفسه، محتجزين بالدور الرابع بمعرفة الشرطة العسكرية. بعد قليل بدأ صياح وتدافع، ثم رأينا جنود الشرطة العسكرية يخلون الطلاب المعتصمين بالقوة الجبرية، وشاهدنا استخدام العصى المكهربة ضد الطلاب، وكنا نحاول الاتصال بالوزير لإبلاغه بهذه الأحداث. وفى هذه الأثناء سألنى ضابط برتبة ملازم: مَن أنا، وماذا أفعل هنا؟ فقدمت له نفسى، فطلب رؤية البطاقة الجامعية وانتزعها منى هى والهاتف المحمول، وفعل نفس الشىء مع الدكتورة ليلى سويف والدكتور أحمد الأهوانى ثم ابتعد قليلا ليقول: (انتو بتوع ٩ مارس، انتو مقبوض عليكم، هنخليكم عبرة)، واقتادنا الجنود إلى إحدى المدرعات التى احتجزنا فيها حوالى ٢٠ دقيقة، ثم حضر أحد الجنود وأنزلنا من المدرعة واقتادنا إلى نفس الضابط الذى أعاد لنا هواتفنا وكارنيهاتنا، ثم اعتذر قائد الشرطة العسكرية عن الاحتجاز فنبهته إلى أن تواجد قوات الجيش داخل الجامعة غير قانونى، فأجاب بأن المظاهرات ممنوعة منذ الآن، وأن كل من يتظاهر سيعاقب بالحبس لمدة عام، وأبدى عدم اكتراث بالمعاهدات الدولية».
أما تعقيبى على ما جرى فيتلخص فى الآتى: ١- إننى كنت أتمنى ألا تدخل الشرطة العسكرية الحرم الجامعى تحت أى ظرف، حتى لو استدعاها أحد من القيادات الجامعية الحالية، وهى جزء من نظام سقط. ٢- إن الجامعات شأنها شأن بقية المؤسسات فى مصر، تعرضت لعمليات فساد وإفساد كبيرة وتحتاج إلى عملية تطهير واسعة النطاق. ٣- لتخفيف حدة الاحتقان القائم حاليا فى هذه الجامعات، كنت قد اقترحت فى لقاء مع السيد وزير التعليم العالى، جرى منذ حوالى أسبوع وضم مجموعة من أساتذة الجامعات المختلفة، أن يقدم عمداء الكليات الحاليون استقالاتهم فورا، ثم تجرى انتخابات لاختيار عمداء يمثلون أعضاء هيئة التدريس، وأن تجرى فى الوقت نفسه انتخابات فورية للاتحادات الطلابية.
أتمنى أن تستكمل هذه الإجراءات حتى يصبح فى مقدور الوزير التحاور مع قيادات جامعية وطلابية ممثلة لركنى العملية التعليمية. ومازلت عند رأيى بأن هذا هو السبيل الوحيد لتخفيف الاحتقان القائم حاليا، تمهيدا لبداية مرحلة جديدة تنطلق فيها الجامعات المصرية لتقدم إسهاما حقيقيا فى بناء هذا البلد شبه المدمر.
د.حسن نافعة - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment