أمريكا وأمن الدولة
ربما كان سقوط مقار أمن الدولة فى أيدى المتظاهرين قد أتاح لآلاف المواطنين فرصة نادرة للإلمام بثقافة التعذيب فى مصر، بعد أن تجولوا فى غرف التعذيب السرية وسراديب الاحتجاز القسرى، والاطلاع على جانب من أساليب الرعب التى اتبعت فى التحقيق مع ألوف المعتقلين، لاستنطاقهم والحصول منهم على اعترافات.. هذا العالم السرى البغيض الذى كان الناس يتسامعون به ولا يصدقون وجوده، إلا ما تتناقله الشائعات والأخبار المتواترة نقلا عن مصادر أجنبية.
لقد ظل الناس يقرأون ويسمعون عن فظائع معتقلات سجن أبوغريب فى العراق ومعسكر جوانتانامو فى كوبا تحت إشراف الأمريكان، التى مثلت ذروة انتهاك حقوق الإنسان التى ظن العالم أنه قد تخلص منها منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أن أغلقت معسكرات الاعتقال النازية فى ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، ومورست فيها أسوأ أشكال التعذيب. ثم حوكم المسئولون عنها فى جرائم الحرب والإبادة ضد الإنسانية. وظن العالم أنها النهاية لواحد من أسوأ عصور الديكتاتورية والفاشية.
ولكن الإنسان يبقى هو الإنسان.. فلم تمض سنوات قليلة حتى انتقلت هذه الممارسات البغيضة إلى دول المعسكر الشيوعى فى أوروبا الشرقية. ثم انتقلت إلى الصين ودول آسيوية.. قبل أن تظهر مرة أخرى مع حرب البلقان.. وحين نشبت الحرب فى أفغانستان ووقعت انفجارات فى بعض المدن الأمريكية والأوروبية، اتهمت فيها طالبان والقاعدة بتحريض من عناصر إسلامية.. عادت ممارسات السجن والتعذيب باسم مكافحة الإرهاب، تحت إشراف أمريكا. ودخلت الدول العربية والإسلامية طرفا فيها.. وانتشرت فى معظمها مقار للأمن السياسى والحرب ضد الإرهاب ومراقبة الحركات الإسلامية، تنسق وتتعاون مع مثيلاتها فى أمريكا وأوروبا، وتتبادل المعلومات والخدمات بحجة حماية الأمن القومى والدفاع عن استقرار الأنظمة الحاكمة ومكافحة التطرف الدينى!
وبينما كانت دول الغرب تنأى بنفسها عن استخدام أساليب الاعتقال والتعذيب فى سجونها وعلى أراضيها، فقد عملت على نقل مسرح عمليات التعذيب والملاحقة إلى الدول العربية والإسلامية، حتى لا تستخدم أراضيها فى عمليات منافية للعدالة والقانون وحقوق الإنسان.
وكانت مصر والأردن وسوريا واليمن والعراق والمغرب وتونس والجزائر من أوائل الدول التى سمحت باستخدام أراضيها لاستقبال المشتبه فيهم والتحقيق معهم وإكراههم بوسائل غير قانونية على الإدلاء باعترافات ومؤامرات لحساب المخابرات الأمريكية. وأقيمت لذلك مقار أمنية بمساعدة أمريكية، محاطة بجميع إجراءات السرية وتقنيات التعذيب وانتزاع الاعترافات بالصدمات الكهربائية وغيرها من الوسائل. ولهذا ازدهرت صناعة التعذيب وتشييد السجون والمعتقلات فى أماكن بعيدة لا تخطر على قلب بشر. وأصبح جهاز أمن الدولة هو المفرخة الطبيعية لوزراء الداخلية والمحافظين وكبار المسئولين. واتسعت اختصاصاته وصلاحياته بحيث بات مسئولا عن تعيين الوزراء وملء المناصب الشاغرة والموافقة على السفر أو منعه وتعيين رؤساء التحرير وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات والتدخل لحل الخلافات الطائفية أو تأجيجها!!
كان جهاز أمن الدولة دولة داخل الدولة. ولا تعرف الحكومة شيئا عن تفاصيل عملياته إلا ما يسمح به وزير الداخلية الذى يخضع مباشرة للرئيس. ولا يخضع لأى رقابة برلمانية. ولا تستطيع النيابة العامة أن تفتش مقاره أو تأمره بتسليم المحتجزين عنده للتحقيق!
ولهذا لم يكن غريبا أن يسارع المسئولون إلى حرق وفرم أوراقه، وأن يصل مبعوث أمريكى إلى القاهرة على وجه السرعة لاحتواء الأسرار التى يمكن أن تمس أمن أمريكا. وأن يهاجم المواطنون مقاره للحيلولة دون تدمير الوثائق الكاشفة لجرائمه. وحين وصلت قوات الجيش كان السيف قد سبق العذل. ووجد المواطنون أطنانا من الرماد والأوراق المحترقة، وغرف التعذيب خالية ومملوءة بكتابات النزلاء.
لا أحد يعرف حتى الآن هل تم اقتحام عشرات المقار دفعة واحدة وفى وقت واحد، نتيجة لتدبير مسبق من رجال الجهاز نفسه لإخفاء جرائمهم؟ أم نتيجة لغضب المواطنين الذين ذاقوا الذل والهوان فى هذه المقار وقرروا الانتقام لأنفسهم؟!
فى كل الأحوال فإن الفضل يرجع إلى الثورة أنها أزاحت هذه الغمة عن صدور الشعب.. الذى لم يعرف للداخلية وجهاز مباحث أمن الدولة خلال السنوات الأخيرة وظيفة غير التعذيب والقمع والبطش
لقد ظل الناس يقرأون ويسمعون عن فظائع معتقلات سجن أبوغريب فى العراق ومعسكر جوانتانامو فى كوبا تحت إشراف الأمريكان، التى مثلت ذروة انتهاك حقوق الإنسان التى ظن العالم أنه قد تخلص منها منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أن أغلقت معسكرات الاعتقال النازية فى ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، ومورست فيها أسوأ أشكال التعذيب. ثم حوكم المسئولون عنها فى جرائم الحرب والإبادة ضد الإنسانية. وظن العالم أنها النهاية لواحد من أسوأ عصور الديكتاتورية والفاشية.
ولكن الإنسان يبقى هو الإنسان.. فلم تمض سنوات قليلة حتى انتقلت هذه الممارسات البغيضة إلى دول المعسكر الشيوعى فى أوروبا الشرقية. ثم انتقلت إلى الصين ودول آسيوية.. قبل أن تظهر مرة أخرى مع حرب البلقان.. وحين نشبت الحرب فى أفغانستان ووقعت انفجارات فى بعض المدن الأمريكية والأوروبية، اتهمت فيها طالبان والقاعدة بتحريض من عناصر إسلامية.. عادت ممارسات السجن والتعذيب باسم مكافحة الإرهاب، تحت إشراف أمريكا. ودخلت الدول العربية والإسلامية طرفا فيها.. وانتشرت فى معظمها مقار للأمن السياسى والحرب ضد الإرهاب ومراقبة الحركات الإسلامية، تنسق وتتعاون مع مثيلاتها فى أمريكا وأوروبا، وتتبادل المعلومات والخدمات بحجة حماية الأمن القومى والدفاع عن استقرار الأنظمة الحاكمة ومكافحة التطرف الدينى!
وبينما كانت دول الغرب تنأى بنفسها عن استخدام أساليب الاعتقال والتعذيب فى سجونها وعلى أراضيها، فقد عملت على نقل مسرح عمليات التعذيب والملاحقة إلى الدول العربية والإسلامية، حتى لا تستخدم أراضيها فى عمليات منافية للعدالة والقانون وحقوق الإنسان.
وكانت مصر والأردن وسوريا واليمن والعراق والمغرب وتونس والجزائر من أوائل الدول التى سمحت باستخدام أراضيها لاستقبال المشتبه فيهم والتحقيق معهم وإكراههم بوسائل غير قانونية على الإدلاء باعترافات ومؤامرات لحساب المخابرات الأمريكية. وأقيمت لذلك مقار أمنية بمساعدة أمريكية، محاطة بجميع إجراءات السرية وتقنيات التعذيب وانتزاع الاعترافات بالصدمات الكهربائية وغيرها من الوسائل. ولهذا ازدهرت صناعة التعذيب وتشييد السجون والمعتقلات فى أماكن بعيدة لا تخطر على قلب بشر. وأصبح جهاز أمن الدولة هو المفرخة الطبيعية لوزراء الداخلية والمحافظين وكبار المسئولين. واتسعت اختصاصاته وصلاحياته بحيث بات مسئولا عن تعيين الوزراء وملء المناصب الشاغرة والموافقة على السفر أو منعه وتعيين رؤساء التحرير وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات والتدخل لحل الخلافات الطائفية أو تأجيجها!!
كان جهاز أمن الدولة دولة داخل الدولة. ولا تعرف الحكومة شيئا عن تفاصيل عملياته إلا ما يسمح به وزير الداخلية الذى يخضع مباشرة للرئيس. ولا يخضع لأى رقابة برلمانية. ولا تستطيع النيابة العامة أن تفتش مقاره أو تأمره بتسليم المحتجزين عنده للتحقيق!
ولهذا لم يكن غريبا أن يسارع المسئولون إلى حرق وفرم أوراقه، وأن يصل مبعوث أمريكى إلى القاهرة على وجه السرعة لاحتواء الأسرار التى يمكن أن تمس أمن أمريكا. وأن يهاجم المواطنون مقاره للحيلولة دون تدمير الوثائق الكاشفة لجرائمه. وحين وصلت قوات الجيش كان السيف قد سبق العذل. ووجد المواطنون أطنانا من الرماد والأوراق المحترقة، وغرف التعذيب خالية ومملوءة بكتابات النزلاء.
لا أحد يعرف حتى الآن هل تم اقتحام عشرات المقار دفعة واحدة وفى وقت واحد، نتيجة لتدبير مسبق من رجال الجهاز نفسه لإخفاء جرائمهم؟ أم نتيجة لغضب المواطنين الذين ذاقوا الذل والهوان فى هذه المقار وقرروا الانتقام لأنفسهم؟!
فى كل الأحوال فإن الفضل يرجع إلى الثورة أنها أزاحت هذه الغمة عن صدور الشعب.. الذى لم يعرف للداخلية وجهاز مباحث أمن الدولة خلال السنوات الأخيرة وظيفة غير التعذيب والقمع والبطش
بقلم:سلامة أحمد سلامة - الشروق
No comments:
Post a Comment