تحرش.. سرقة.. بلطجة.. قمامة.. ظواهر سلبية توغلت داخل مجتمعنا لسنوات طويلة، أودى بعضها إلى الزج بمرتكبها داخل السجون ليقضى عقوبة ارتكابها، حتى جاءت ثورة ٢٥ يناير لتنادى بالقضاء على الفساد والتجاوزات وتطهير النفوس وبدء صفحة جديدة للقضاء على هذه الظواهر، فخرج الشباب ينظف الشوارع والميادين، وينظم مسيرات للتنديد بالتحرش والبلطجة والتزوير، إلا أننا فوجئنا بعد نجاح الثورة بسلوكيات عشوائية لا تليق بشبع قام بثورة.
«المصرى اليوم» رصدت تجاوزات ما بعد الثورة، والتى نجم أغلبها عن سوء استغلال العلاقة بين الشرطة والمواطنين.
(١) - المكان: ميدان السيدة عائشة
المشهد: ازدحام الميدان بمئات الميكروباصات وسيارات الأجرة والملاكى وأتوبيسات النقل العام لتصاب حركة المرور بالشلل الكامل
كلاكسات متلاحقة تصدر من سيارته، فى محاولة منه للمرور من ميكروباص يقف بعرض الشارع ويعطل حركة المرور، يخرج «أحمد شكمان» من الميكروباص ليجبر صاحب السيارة الملاكى على النزول من سيارته، ويسبه بألفاظ نابية ويتشابك معه بالأيدى، يتدافع العشرات من السائقين لمساندة صديقهم ليجد صاحب السيارة الملاكى نفسه فريسة ضعيفة، وتصرخ ابنته «حرام عليكم سيبوا بابا ده معملش حاجة».
فى ميدان السيدة عائشة لا صوت يعلو فوق صوت سائقى الميكروباصات، فلهم القانون الخاص بهم، ولا يستطيع أحد اختراقه، خاصة بعد ثورة يناير، فى ظل الغياب الأمنى، الذى تشهده بعض الشوارع والميادين، «زمن الشرطة راح خلاص، ومحدش يقدر يقرب لنا تانى» هكذا عبر محمد مرسى، سائق، عن سلوك بعض السائقين بعد الثورة، وقال: «قبل الثورة شفنا أيام سودا من ضباط الشرطة، من مخالفات وإهانات وضرب ورمى فى السجن، وأيام الثورة سابوا البلد علشان كده لما رجعوا مفيش حد فيهم يقدر يتكلم معانا، لأنه عارف إن زمن الخوف خلاص راح».
وقالت هناء حسين، ربة منزل تعيش فى حى السيدة زينب إن استغلال سائقى الميكروباصات الأزمة بين رجال الشرطة والشعب بعد الثورة فى فرض سيطرتهم على المواقف- تسبب فى حدوث مشاجرات يومية بين سائقى الميكروباصات بسبب الخلاف على الأسبقية فى تحميل الركاب، خاصة فى الساعات المتأخرة من الليل، وانتهاء ساعات عمل أتوبيسات النقل.
وقال أحمد رأفت، موظف: اعتقدت أنه بعد الثورة ستتغير معاملة المواطنين مع بعضهم، ويتضامن الشعب ليصبح كتلة واحدة، إلا أننا فوجئنا باستمرار بعض السائقين فى مضاعفة الأجرة، وهو ما يعد ابتزازاً للمواطنين، وطالب بضرورة فرض غرامة مالية على كل من يرتكب مثل هذه المخالفات.
(٢) - المكان: أمام محطة مترو أنفاق سعد زغلول
المشهد: عشرات من الباعة الجائلين تكدسوا أمام المحطة ليعرضوا بضاعتهم التى افترشت رصيف المحطة
انطلق صوته يهز المكان ليعلن عن بضاعته زهيدة الثمن والتى تنافس غيرها فى الأسواق الأخرى، أيمن فتحى، بائع، الحاصل على ليسانس آداب، يرى أن ثورة يناير كانت سبباً فى «لقمة عيش» له ولأبنائه الثلاثة قائلاً: «الثورة كانت وش السعد علىّ، فأنا حاصل على ليسانس آداب منذ ١٠ سنوات لم أستطع فيها العمل بمؤهلى واضطرتنى الظروف إلى العمل كاشير فى سوبر ماركت كبير، وبعد قيام الثورة نصحنى أحد أصدقائى بشراء بضاعة وعرضها أمام المحطة وهو ما لاقى قبولاً بالفعل».
تكدس الباعة أمام محطات مترو الأنفاق أمر لاقى قبولاً عند البعض ورفضه البعض الآخر.. أحمد فهمى، موظف بوزارة المالية، يرى أنهم يعرضون نفس البضاعة المتاحة فى الأسواق بثمن أقل، وهو ما دفعه وغيره إلى الشراء منهم بغرض التوفير، فيما عارضت أمانى دسوقى، موظفة بوزارة الصحة، هذا الكلام، مؤكدة أن تكدس الباعة أمام محطات المترو يتسبب فى انتشار الفوضى والسرقة.
(٣) - المكان: محطـــة مصر
المشهد: تسابق عدد من المواطنين على الالتصاق بين عربات القطار والعربة الأخيرة للهروب من دفع ثمن التذكرة
«توفير تمن التذكرة لعيالى سبب شعلقتى بين عربيات القطر، للتزويغ من الكمسارى».. هكذا عبر أحمد سلامة، عن سبب رفضه قطع تذكرة قطار، وتابع: «أركب القطار من طنطا حتى القاهرة يومياً، عدا يوم الجمعة، ومرتبى لا يتعدى ٧٠٠ جنيه فى الشهر، ومش معقول أدفع ١٢ جنيه تمن المواصلات بس فى اليوم، علشان كده بعرض حياتى للخطر وأتشعلق بين العربات لتوفير تمن التذكرة لأكل ولادى».
وعن وجوب تغيير سلوكيات بعض المواطنين عقب الثورة، قال المواطن جمال حمدان: «الثورة مالهاش دعوة بالسلوكيات، ولازم الحكومة تفكر فى المواطن الغلبان اللى قرر الانتحار يومياً لتوفير ثمن تذكرة بدل من توجيه اللوم إليه، ونتمنى حجز تذكرة فى العربة المكيفة زى الناس بس العين بصيرة والإيد قصيرة».
«غياب الشرطة عن تأمين القطارات والسلوكيات الخاطئة هما أسباب إقبال المئات من المواطنين على صعود القطار دون تذكرة».. هذا ما أكده أحمد حنفى «كمسارى»، وتابع: «يفقد العشرات من المواطنين أرواحهم نتيجة وقوفهم بين عربات القطار، لتهربهم من دفع ثمن التذكرة»، وقال: «طالبنا هيئة السكك الحديدية أكثر من مرة بزيادة عدد رجال الشرطة المختصين لتأمين القطار، والذين لا يزيد عددهم على ٣ فى القطار بأكمله، وقد يغيبون بشكل نهائى والهيئة لم تستجب لنا».
(٤) - المكان: مدرسة السنية للفتيات بحى السيدة زينب
المشهد: تجمع العشرات من الشباب أمام المدرسة، لانتظار الفتيات أثناء خروجهن بعد انتهاء اليوم الدراسى
صرخة فتاة فى الخامسة عشرة من عمرها أنقذتها من الوقوع ضحية تحرش لشاب فى شارع المبتديان، بعد تصدى حارس عقار له، هذا ما أكده أحمد السيد صاحب محل وشاهد عيان على الواقعة الذى قال: يتوافد العشرات من الشباب يومياً على مدرسة السنية للبنات لمعاكسة الفتيات والتحرش اللفظى والجسدى بهن، بعد انتهاء اليوم الدراسى، وتابع: توقفت ظاهرة التحرش أيام الثورة بسبب توقف الدراسة، واعتقدنا أنها ستنتهى بعد نجاح الثورة، إلا أنه مع بدء الدراسة ظهرت تجمعات الشباب من جديد أمام مدارس الفتيات لنشاهد صور التحرش بشكل يومى.
«أمل فريد» ربة منزل، تحرص على اصطحاب ابنتها يومياً إلى مدرستها ذهاباً وإياباً للاطمئنان عليها، وقالت: «ليس كل شباب مصر هم شباب التحرير، وقلقى على ابنتى دفعنى إلى اصطحابها يومياً بعد مشاهدتى تجمعات الشباب أمام مدراس الفتيات، ورغم العقوبة التى أقرت بشأن واقعة التحرش أو الاغتصاب، فإننا مجتمع شرقى، ولذا لن نتشجع على تقديم بلاغات بشأن التحرش.
(٥) - المكان: شارع الهرم بالجيزة
المشهد: سرقة سيارة من سيدة بعد ركنها أمام محل ملابس لمدة لا تزيد على ٢٠ دقيقة
«لن تكون أول أو آخر سيارة تتسرق».. هذا ما ذكره أحمد عبده، حارس جراج للسيارات، وتابع: «استغل اللصوص احتراق بعض مراكز الشرطة وغيابها عن الشوارع بعد الثورة وسرقوا السيارات الحديثة فى المناطق الراقية بعد تثبيت أصحابها على الطريق الدائرى، الأمر الذى دفع العشرات منهم إلى ركن سياراتهم فى الجراج بدلاً من الشارع».
السرقة لا تتوقف عند السيارات فقط، وتتعداها إلى الشقق السكنية والمحال والمولات التجارية، الأمر الذى دفع أصحابها إلى تأمينها، من خلال مضاعفة أفراد الحراسة عليها.. أحمد مراد، فوجئ بسرقة مجوهرات زوجته من شقته بشارع مصطفى النحاس دون أن يترك السارق دليلاً واحداً خلفه، وهو ما يؤكد ارتكاب محترفين لهذه النوعية من السرقات، وفق قوله.
وناشد مراد، وزير الداخلية عودة رجال الشرطة لضمان عودة الأمان إلى الشارع مرة أخرى.
«ركن السيارات صف ثالث والسير بالاتجاه المخالف من أسوأ الظواهر التى انتشرت بعد الثورة»، التى تتسبب فى إعاقة حركة المرور وصعوبة التيسير على المواطنين السير بأمان فى الشارع.
وأشار سامح أحمد، إلى انتشار هذه الظاهرة بعد الثورة، خاصة فى المناطق الشعبية والشوارع الجانبية بسبب استغلال البعض الفترة الحرجة، التى تمر بها مصر، وأكد أنه لم يكن يجرؤ أحد على ارتكاب هذه المخالفات من قبل بسبب الغرامة الكبيرة التى كانت توقع على مرتكبها.
(٦) - المكان: شارع المبتديان
المشهد: أكوام من القمامة افترشت رصيف مدرسة المنيرة الإعدادية للبنين لعدم استيعاب صناديق القمامة لها، واتخذت القطط والكلاب الضالة منها مطعماً لها
نجاة سيدة مسنة من موت محقق فى حادث تصادم سيارة بها، بعد إجبارها على السير وسط السيارات لتفادى الوقوع فى أكوام القمامة التى افترشت رصيف المشاة، ولا تجد سوى التعبير بكلمات: «حسبى الله ونعم الوكيل» وتستكمل مسيرها فى الشارع.
محمد صلاح، طالب فى مدرسة المنيرة، أشار إلى تراكم القمامة بشكل يومى على رصيف المدرسة، وعدم مواظبة شركة النظافة على رفعها بشكل دورى، الأمر الذى يتسبب فى انتشار الرائحة الكريهة والحشرات بالفصول رغم حرص إدارة المدرسة على دهن رصيف المدرسة بعد ثورة يناير تحت شعار «عاوزينها نظيفة» إلا أن انتشار القمامة أفسد عملهم.
وانتقدت فايدة حسين، موقف شركات النظافة التى وصفته بـ«السلبى» قائلة: «قام شباب التحرير بتنظيف الميدان بأكمله وشوارعه المحيطة به بمجهوداتهم البسيطة فى يوم واحد، فى الوقت الذى عجزت فيه شركات النظافة عن أداء واجبها بكامل طاقمها الذى يشمل آلاف العمال والمعدات الحديثة والتى تتقاضى مقابل ذلك أجراً عليه».
(٧) - المكان: محل لبيع الطيور الحية بوسط القاهرة
المشهد: عشرات من الأقفاص داخلها الطيور الحية بأنواعها من دواجن وحمام وبط
«مصائب قوم عند قوم فوائد» تنطبق هذه المقولة على أصحاب محال الطيور الحية، الذين أُجبروا على عدم تداول الطيور الحية، قبل الثورة، تنفيذاً لقرار وزير الزراعة، للحد من انتشار أنفلونزا الطيور، إلا أنها تباع اليوم أمام أعين الجميع دون رقابة، بعد انشغال وزارة الزراعة بمراجعة ملف الأراضى نتيجة البلاغات المقدمة إلى النائب العام، بشأن أراضى الدولة. وأعربت سعاد محمد عن سعادتها بشراء الطيور الحية مرة أخرى، بعد أن باتت تباع مثل المخدرات، وقالت: «إن حظر تداول الطيور الحية، قرار غير صائب، وجاء بغرض تحقيق مصالح أشخاص معينة
No comments:
Post a Comment