تعيش الحركة السلفية أزهى أيامها فى مصر، وكأن الثورة قامت بأيد سلفية ومن أجل السلفية، بعد «تخلى» الرئيس مبارك عن الحكم، فتح مسجد النور بالعباسية لجمعتين متتاليتين كى يلقى خطبة الجمعة به أحد شيوخ السلفية، وفى أحداث أطفيح فُتح الباب أمامهم للتدخل وتم إلقاء الضوء عليهم بينما تم التعتيم على غيرهم، وكان أن قام السلفيون بقطع أذن مواطن مصرى (مسيحى) بدعوى أنهم يقيمون الحد عليه، وطُردت سيدة من مسكنها بالإسكندرية بدعوى أنها سيدة سيئة السمعة.. يحدث هذا فى الوقت الذى تُفتح فيه النار على فضيلة الإمام الأكبر ويتم إضعاف مكانة الرجل الجليل والمشيخة والأزهر.
فى أثناء الثورة وجدنا شباب علماء الأزهر، تحركوا بعمائمهم إلى الميدان وشاركوا المتظاهرين، وكان لظهورهم بالميدان وقع جميل وطيب، وهتفوا مع المتظاهرين «مدنية مدنية.. سلمية سلمية»، وأكد ظهورهم قاعدة تاريخية تقول إن المجاورين والعلماء الشباب كانوا دائماً إلى جوار الشعب وفى طليعة الثوار.. ولم نعرف مشاركة حقيقية للسلفيين فى الثورة، بل إنه قبل أيام من سقوط النظام، كانت هناك مظاهرة فى الإسكندرية امتدت من جامع القائد إبراهيم وحتى مبنى جامعة الإسكندرية بالشاطبى، قدرت يومها بأكثر من ٢ مليون متظاهر، ونظم السلفيون يومها مظاهرة أخرى موازية ضمت حوالى ثلاثة آلاف، تهتف دفاعاً عن المادة الثانية من الدستور التى لم يكن اقترب منها أحد، ولا فكر فى الاقتراب، ولم يكن الدستور مطروحاً للنقاش وقتها، كان المطروح فقط «ارحل.. ارحل» وفهمت يومها أن المظاهرة تهدف إلى تفتيت الجهد والعمل عن الهدف الرئيسى وهو رحيل مبارك وولده عن السلطة وعن الدولة.
نعرف أن السلفية فى مصر وجدت دعماً فى السنوات الأخيرة بعضه من جماعات فى دولة مجاورة ولم يمانع بعض أجهزة الدولة، مثل مباحث أمن الدولة فى معاونة السلفيين حيناً والاستفادة بهم فى ضرب أو إضعاف جماعة الإخوان المسلمين، بل وجدنا وزير الأوقاف السابق زقزوق يسير فى هذه الموجة، حين راح يرغى ويزبد.. مهدداً بإلغاء كل الموالد الدينية فى مصر كان ذلك مفهوماً قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، فكيف يُطلق العنان هكذا للسلفيين بعد الثورة.. هل هو لإضعاف الأزهر.. هل للحد من الإخوان المسلمين.. هل لقطع الطريق على الأحزاب المدنية، ومن ثم الدولة المدنية؟
ويجب القول إن الديمقراطية لا تسمح بالحجر على تيار أو فريق بعينه، ففى الولايات المتحدة هناك حزب شيوعى، وفى فرنسا حزب «لوبان» العنصرى، وهكذا، لكن عندنا تفتح وسائل الإعلام الرسمية والمنابر الرسمية للسلفيين، بينما يُترك الإمام الأكبر وحيداً بلا معاونة.. ويتم التغاضى عن اختراق السلفيين وتجاوزهم القوانين، صاحب موقعة «غزوة الصناديق» وتهديداته مرت بلا محاسبة، واكتشفنا أن السلفى الكبير كان «نشوان» فقط وأنه كان «بيهزر».. فماذا لو تكلم جاداً..؟ وعملية قطع الأذن مرت بمصالحة واستنكار من الجماعة.. والواقع أن هناك جريمة ارتكبت وقانوناً يتم تعطيله أو الالتفاف عليه، وما هكذا تكون الدولة المدنية.. يمكن أن يحدث ذلك فى دولة شمولية أو دولة دينية.. السلفية لم تعد مجرد رأى وفكر متشدد، بل صارت فعلاً عنيفاً وإجرامياً.. إنهم يقررون ويحاكمون ويصدرون الحكم بالعقوبة وينفذون، أى صاروا دولة داخل الدولة.
أرجع الشيخ أبوزهرة السلفية فى العالم الإسلامى إلى الإمام أحمد بن حنبل والفقيه تقى الدين بن تيمية، ومن يراجع تاريخ الأزهر يجد أنه لم يحدث أن تولى مشيخة الأزهر حنبلى، تولاها الشافعيون والحنفيون والمالكيون، كانت الأغلبية للشافعيين وللحنفيين، لكن لم يتولها قط حنبلى، وهى ليست مصادفة، رغم أن الفقه الحنبلى كان يدرّس بالأزهر، لكن الأزهر فى مشيخته كان يمثل الوسطية ويبتعد عن الحدة والتطرف أو التشدد، وهكذا كان الإسلام المصرى، ولم تكن مصادفة أيضاً أن إقامة ابن تيمية فى مصر لم تكن سعيدة، فقد أثار غضب جمهور المتصوفة وغيرهم، وطالبوا بإبعاده عن القاهرة وتلك قصة أخرى، والمحصلة النهائية أن الإسلام المصرى كان غير متقبل للسلفية، صحيح أن السلفيين كانوا موجودين دائماً، لكن كان وجودهم محدوداً للغاية، وبروزهم مؤخراً على هذا النحو أمر غريب ومخيف.
لم يهتف الثائرون فى ميدان التحرير وفى المدن المصرية: «سلفية.. سلفية»، بل قالوا: «سلمية.. سلمية»، ومن البداية كان طابع الثورة مدنياً.. سلمياً.. وطنياً، وما يحدث الآن هو سعى حثيث لتغيير طابع الثورة وهويتها لتبدو كأنها ثورة دينية.. سلفية تحديداً، وبصراحة نحن بإزاء عملية سطو على الثورة وعلى ما جرى فى ميدان التحرير من قوى وتيارات شكل بعضها ملمحاً أساسياً فى استبداد وتسلط ما قبل «٢٥ يناير»، فهل نسمح لهم بذلك..؟
حلمى النمنم - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment