Friday, February 18, 2011

أهداف سويف: استمرار الحفاظ على وحدة الصف هو الأساس الآن


كانت الكاتبة أهداف سويف طوال فترة الثورة تسجل يوميات هذه الملحمة الشعبية فى مقالات نشرتها صحيفة «الجارديان» البريطانية غلب عليها الوصف الإنسانى لملامح ثوار ميدان التحرير وهتافاتهم وحتى مباركات العجائز فى الشرفات ودعواتهم بالنصر، قالت فى نهاية إحدى مقالاتها «مصر تستحق مكانها تحت الشمس بعيدا عن ظلال هذا النظام الوحشى»، التقيت بصاحبة «خارطة الحب» فى منزلها قبل أيام ودار معها هذا الحوار..

متى عدت إلى مصر للمشاركة فى هذه الأحداث؟
ــ كنت يوم ٢٥ يناير أشارك فى مهرجان أدبى فى مدينة جايبور الهندية، وكنت منعزلة تماما عن الأحداث، وتليفزيون غرفتى فى الفندق كان لا يذيع سوى قنوات التسوق، ثم فوجئت فى المساء برسائل على هاتفى تسأل عن موقفى مما يحدث فى مصر! وحين اكتشفت ما يحدث لملمت حقيبتى واتجهت فى الصباح إلى دلهى، وكان يوم ٢٦ عيدا قوميا فى الهند وشركات الطيران مغلقة فقامت صديقة عزيزة فى القاهرة بترتيب رحلتى واستطعت الوصول إلى مصر يوم الخميس 27 ونزلت يوم جمعة الغضب فى المظاهرة التى بدأت فى إمبابة، ثم امتدت بعد ذلك.

الجميع فى العالم يتحدثون عن حالة الإلهام التى فجرتها ثورة المصريين، فإلى أى مدى ألهمتك هذه الثورة كروائية؟
ــ لم يكن من الممكن فى هذه الفترة أن أشعر أو أفكر كـ«فنان»، أو حتى ككيان مستقل، كنا فى حالة مدهشة الجمال، الكل يشعر أنه واحد، خلية فى جسم كبير، وكل خلية عرفت دورها من نفسها، فمثلا أثناء معركة كوبرى قصر النيل: «اللى فى المقدمة دوره مقتحم اللى وراه كتلة مساندة، وكمية ناس تعمل على تماسك هده الكتلة، توزع ميه، ومناديل ورق بالخل، وتفهمك تغسلى عنيكى ازاى بالبيبسى وتقومك لو وقعتى ــ كل واحد بيعمل حاجة، والكل مهمتهم مساندة المقدمة فى اقتحام الميدان»، كيان عضوى اكتشف نفسه وتحرك، إن شاء الله سيكون هناك وقت للفن، «بس بعدين».

هل كنت تتوقعين أن تسير الأمور فى هذا الاتجاه الذى آلت إليه؟
ــ ومن كان يتوقع؟ لا، لم أكن أتوقع أى شىء بالتحديد، كنت فقط سعيدة بنا بالحياة التى دبت فينا. ثم، بعد أحداث «جمعة الغضب»، بعد أن شاهدت مثلا، الزاوية التى بجانب ميدان التحرير التى تحولت إلى مستشفى ميدانى، بعد الشباب الذى استشهد، أيقنت أننا على طريق لا رجوع عنه، وأصبح السؤال: «هياخد وقت قد إيه؟ وإيه التمن اللى هندفعه؟».

كيف تلقيت الانقسام الذى أصاب الشارع المصرى بعد الخطاب الأول للرئيس مبارك؟
ــ أى انقسام يكون مخيفا، أكثر ما يقلقنى هو الانقسامات والاختلافات الداخلية، خطاب مبارك لعب على الوتر العاطفى عند الناس، والشائعات التى أشاعها النظام عن العمالة والخيانة أثار بدوره قلقا كبيرا، وأدى هذا فعلا إلى انقسام الآراء، ولكن من غباء النظام أنه أنزل ميليشيات البلطجية إلى الشارع يوم الأربعاء، وحدثت «موقعة الجمل» فانكشفت الأمور وانضم كثيرون إلى الثورة بعدها.

عبرت فى افتتاحية مقالك بـ«الجارديان» عن هذا اليوم بصورة غاية فى التأثير، وقلت «علمت أن ثمة شيئا غير عادى عندما استيقظت من النوم على صوت آلات تنبيه السيارات المزعجة».

ــ نعم ففى البداية تصورت أنها «زمامير» فرحة كالتى تسود بعد مباريات كرة القدم، ثم وجدتها تسبب تلويثا سمعيا حادا وشعرت بالعدوانية فيها، ثم سادت هتافات بعيدة عن الروح السلمية التى ميزت المظاهرات، وشاهدت هؤلاء الـ«مؤيدين» على كوبرى 15 مايو يسيرون فى مجموعات صغيرة ويلوحون بشكل عدوانى، صاخب، هيستيرى، ثم امتد نشاطهم، كما نعرف، إلى معارك الأسطح والمولوتوف والجمال، وفى المقابل كان تمسك الشباب، الشعب بموقفهم فى الميدان، وكثرة عدد المتطوعين من الأطباء كانوا قوة دفع جبارة للمقاومة.

كيف تصفين عقلية هذا النظام الذى ينتهج مثل هذا السلوك؟
ــ كان نظاما مفلسا وركيكا، وهذا ما عجل بنهايته، أصبح من الواضح أنه يفضل أن يحرق هذا البلد عن أن يتركه، ولا يتورع عن أى شىء، حتى عن إشعال الفتنة، وليس هذا مستغربا، فهو النهج الذى سار عليه منذ التسعينيات.

فى رأيك إلى أى مدى أثر التباطؤ والمماطلة فى خطب مبارك على مسار الثورة؟
ــ أثر إلى حد كبير، وكان ذلك دليلا واضحا على إفلاس النظام، ففى مقابل هذه الكتلة المنظمة الناضجة المحتجة كان يخرج علينا النظام بخطاب قديم وسلطوى وممل.

اعتمدت فى مقالاتك بالجارديان على نقل الحدث بأسلوب أقرب للحكى القصصى مثل دعوات العجائز بالنصر ومشاهدات السيدات فى الشرفات وغيرها؟

 نعم لأن هناك من يكتب التحليل السياسى، وأنا أنقل الصورة الإنسانية وتفاصيلها، فأريد أن يتفاعل القارئ بشكل إيجابى يجعله يتماهى مع الناس، ومن الطريف ما واجهناه فى البداية بغياب الانترنت والمحمول فصرنا نبحث عن أماكن بها فاكس، وفى بعض الأحيان كنت أملى المقال للجريدة عبر الهاتف الأرضى على غرار الأفلام «الأبيض والأسود» ثم من خلال المحمول من ميدان التحرير أو من الشارع.

بعد هذه الملحمة التى أدت إلى سقوط النظام، ما هى الخطوات التالية؟
ــ الكل يفكر الآن فى القادم، فهذه الثورة ــ لأنها ثورة شعبية إنسانية مجتمعية تلقائية، وقاعدتها عريضة جدا ــ ليس لها مجلس قيادة أو خطط جاهزة، وقد يشكل هذا نقطة ضعف لكنه فى الوقت نفسه مصدر قوة علينا أن نبلور سريعا طرق وآليات واضحة لتحرك الناس والمجتمع المدنى، فالكل كان متفقا على التخلص من النظام وعلى سلمية الثورة، والكل أيضا متفق على أننا ــ فى النهاية ــ نريد حكومات تدير البلاد لصالح الشعب، أما شكل هذه الحكومات والخطوات العملية للوصول لها فسنجد فيها آراء متعددة، فالكل مثلا متفق على ضرورة إصلاح التعليم ولكن سيكون هناك بالضرورة خلاف حول آليات ذلك، فالأساس الآن هو استمرار الحفاظ على وحدة الصف ــ وهو ما تعلمناه فى الميدان ــ مع إفساح المجال لكل الآراء، والتمكن من الوصول إلى رؤى وقرارات يساندها الجميع، فعلى مدار 18 يوما كان ميدان التحرير هو المدرسة التى تعلمنا فيها كيف نتضامن ونتحاور، واكتشفنا أوهام «الفزاعات» التى كان النظام يخيفنا منها، وعندى أمل أن تستمر هذه الحالة، فنحن أسسنا فعلا الديمقراطية على الأرض. نحتفل بالطبع، فقد حققنا مكسبا جبارا وبشكل شبه إعجازى، لكن الأمر ليس فقط إسقاط النظام ولكن مواصلة السير فى الطريق الذى اخترناه.

وقّعت على البيان الذى طالب فيه عدد من النشطاء والمثقفين بالتقدم لبلاغ إلى النائب العام للتحقيق فى ثروة مبارك.
ــ علينا أن نعمل على استرداد ما يمكن من الأموال التى نهبت من البلاد، نحن بحاجة إليها لإصلاح بلدنا وتعميرها، مصر أولى بهذه الثروات التى ستساعد فى تمكيننا من إطلاق ثرواتها الكثيرة الأخرى


منى أبوالنصر - الشروق


No comments: