مع التحرير أم لاظوغلى؟
التبس علينا موقف الإخوان المسلمين، فلم نعرف على وجه الدقة أين يقفون، مع ميدان التحرير أم ميدان لاظوغلى.
والأول صار معقلا لثورة 25 يناير الباسلة، والثانى يعرفه الإخوان جيدا، ولابد أن أى ناشط محترم مر به، لأنه مقر وزارة الداخلية التى غدت الرمز والمقر غير المعلن لسلطة الحكم فى مصر.
منذ تفجرت الثورة فى 25 يناير كان الإخوان فى ميدان التحرير، ضمن الجموع الهادرة التى احتشدت هناك مطالبة برحيل النظام ورئيسه. وحينما أدرك أهل ميدان لاظوغلى أن المسألة جد ولا هزل فيها، وأن الثائرين أبدوا استعدادا لبذل أرواحهم فداء لقضيتهم تواصلت تراجعاتهم التكتيكية على النحو الذى يعرفه الجميع. وبعد تبديل بعض الوجوه لتحسين الصورة أطلقت الدعوة إلى الحوار. وبعقلية الحوارات التقليدية التى كانت تجرى قبل 25 يناير، التى كانت السلطة تتعامل فيها مع المجتمع باستهانة وازدراء شديدين، فإن ما سمى حوارا كان بمثابة إملاءات على رموز «المعارضة» السياسية فى تلك المرحلة، الذين كانت غاية طموحهم أن يحظوا برضا السلطة والسلطان، لكى يظفروا بشىء من المغانم السياسية وغير السياسية.
ذلك كان مفهوما فى عصر ما قبل 25 يناير، بما شابه من خلل فى موازين القوة بين السلطة والمجتمع، وفى ظله كان ميدان لاظوغلى هو الذى يتحكم فى السياسة ويصنع السياسيين. وهو ما اختلف جذريا الآن بعدما أعلن المجتمع رفضه للسلطة وسحب منها شرعيتها، وبعدما انتقل القرار إلى ميدان التحرير، فى حين أصبح أهل لاظوغلى محل اشتباه وفى قفص الاتهام.
فى خطابه الذى أعلن فيه أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة، دعا الرئيس مبارك إلى إجراء حوار مع مختلف القوى السياسية، وتحدث عن عدة تكليفات لمؤسسات الدولة، وحين عقد نائب الرئيس جلسة الحوار المفترض التى شارك فيها الإخوان، كما حضرها نفر من «المعارضين» الذين تربوا وكبروا على أيدى جهاز أمن الدولة، صدر بعد الجلسة بيان تضمن خلاصة الحوار، وبدا صورة مستلهمة لكل ما جاء فى خطاب الرئيس. حتى إننى حين قرأت البيان قلت على الفور: هل لايزال خطاب الرئيس خطة عمل للحاضر والمستقبل؟
البيان كان تعبيرا عن رغبات الرئيس التى اضطر إلى إعلانها بعد الذى جرى، ولم يكن فيه شىء له صلة بالمطلب الأساسى للثورة التى انطلقت من ميدان التحرير.
بكلام آخر فإن البيان تحدث بلغة ما قبل 25 يناير وتجاهل تماما هدف الثورة، وإن غطى ذلك ببعض الكلمات التى جامل بها الشباب وببعض الوعود التى تستجيب لرغبات الناس. لكنها جميعا تالية فى الترتيب للمطلب الأول المتمثل فى الرحيل.
كما فعل الإسرائيليون حين تجاهلوا ملف الاحتلال، واستدرجوا الفلسطينيين إلى قضايا تفصيلية أخرى لكسب الوقت وتشتيت الانتباه، مثل الحدود والمياه والاستيطان وتبادل الأراضى، فإن البيان اتبع ذات النهج حين سكت على الموضوع الأصلى الذى من أجله خرجت الملايين، وقتل مئات الشهداء وسقط آلاف الجرحى. وكان نصيب هؤلاء من جلسة الحوار وقفة لمدة دقيقة حدادا على أرواح الراحلين.
قال لى نفر من المشاركين إنهم أبلغوا بأن موضوع تنحية الرئيس أو نقل صلاحياته إلى نائبه خط أحمر ليس مطروحا للمناقشة، الأمر الذى جاء مؤكدا أن نظام ما قبل 25 يناير يرفض الاعتراف بأن شيئا تغير فى البلد، وهو ما بات يستوجب مزيدا من الثبات والصمود فى ميدان التحرير وتوجيه مزيد من الضغط على الذين يصرون على تجاهل حقيقة التطوير المثير الذى حدث فى مصر.
مشكلة الإخوان أنهم ــ أو بعضهم ــ فرحوا بالإعلان الرسمى عن دعوتهم للحوار، وحضروا الاجتماع الذى تجاهل المطلب الأساسى لثورة 25 يناير، ثم حاولوا تدارك الموقف وتغطيته حين أعلنوا لاحقا أنهم لايزالون يتمسكون بمطالب ثورة الشباب. وحسبوا أنهم بحضورهم كسبوا نقطة لدى الحكومة، وبإعلانهم اللاحق فإنهم ظلوا يحتفظون بموطئ قدم فى ميدان التحرير. وللأسف فإنهم خسروا الاثنين، لأن السلطة استدرجتهم واستخدمتهم فى الحوار، ولن تعطيهم شيئا مما تمنوه (قياداتهم تعرف ذلك جيدا). كما أن الذين ذهبوا إلى الحوار منهم فقدوا ثقة شباب ميدان التحرير. وما لم يعلنوا انسحابهم من الحوار ويلتحقوا بعصر ما بعد 25 يناير مؤكدين تبنى المطلب الأول الذى يصر على التنحى، فإنهم سيخسرون الكثير فى الدنيا والآخرة
والأول صار معقلا لثورة 25 يناير الباسلة، والثانى يعرفه الإخوان جيدا، ولابد أن أى ناشط محترم مر به، لأنه مقر وزارة الداخلية التى غدت الرمز والمقر غير المعلن لسلطة الحكم فى مصر.
منذ تفجرت الثورة فى 25 يناير كان الإخوان فى ميدان التحرير، ضمن الجموع الهادرة التى احتشدت هناك مطالبة برحيل النظام ورئيسه. وحينما أدرك أهل ميدان لاظوغلى أن المسألة جد ولا هزل فيها، وأن الثائرين أبدوا استعدادا لبذل أرواحهم فداء لقضيتهم تواصلت تراجعاتهم التكتيكية على النحو الذى يعرفه الجميع. وبعد تبديل بعض الوجوه لتحسين الصورة أطلقت الدعوة إلى الحوار. وبعقلية الحوارات التقليدية التى كانت تجرى قبل 25 يناير، التى كانت السلطة تتعامل فيها مع المجتمع باستهانة وازدراء شديدين، فإن ما سمى حوارا كان بمثابة إملاءات على رموز «المعارضة» السياسية فى تلك المرحلة، الذين كانت غاية طموحهم أن يحظوا برضا السلطة والسلطان، لكى يظفروا بشىء من المغانم السياسية وغير السياسية.
ذلك كان مفهوما فى عصر ما قبل 25 يناير، بما شابه من خلل فى موازين القوة بين السلطة والمجتمع، وفى ظله كان ميدان لاظوغلى هو الذى يتحكم فى السياسة ويصنع السياسيين. وهو ما اختلف جذريا الآن بعدما أعلن المجتمع رفضه للسلطة وسحب منها شرعيتها، وبعدما انتقل القرار إلى ميدان التحرير، فى حين أصبح أهل لاظوغلى محل اشتباه وفى قفص الاتهام.
فى خطابه الذى أعلن فيه أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة، دعا الرئيس مبارك إلى إجراء حوار مع مختلف القوى السياسية، وتحدث عن عدة تكليفات لمؤسسات الدولة، وحين عقد نائب الرئيس جلسة الحوار المفترض التى شارك فيها الإخوان، كما حضرها نفر من «المعارضين» الذين تربوا وكبروا على أيدى جهاز أمن الدولة، صدر بعد الجلسة بيان تضمن خلاصة الحوار، وبدا صورة مستلهمة لكل ما جاء فى خطاب الرئيس. حتى إننى حين قرأت البيان قلت على الفور: هل لايزال خطاب الرئيس خطة عمل للحاضر والمستقبل؟
البيان كان تعبيرا عن رغبات الرئيس التى اضطر إلى إعلانها بعد الذى جرى، ولم يكن فيه شىء له صلة بالمطلب الأساسى للثورة التى انطلقت من ميدان التحرير.
بكلام آخر فإن البيان تحدث بلغة ما قبل 25 يناير وتجاهل تماما هدف الثورة، وإن غطى ذلك ببعض الكلمات التى جامل بها الشباب وببعض الوعود التى تستجيب لرغبات الناس. لكنها جميعا تالية فى الترتيب للمطلب الأول المتمثل فى الرحيل.
كما فعل الإسرائيليون حين تجاهلوا ملف الاحتلال، واستدرجوا الفلسطينيين إلى قضايا تفصيلية أخرى لكسب الوقت وتشتيت الانتباه، مثل الحدود والمياه والاستيطان وتبادل الأراضى، فإن البيان اتبع ذات النهج حين سكت على الموضوع الأصلى الذى من أجله خرجت الملايين، وقتل مئات الشهداء وسقط آلاف الجرحى. وكان نصيب هؤلاء من جلسة الحوار وقفة لمدة دقيقة حدادا على أرواح الراحلين.
قال لى نفر من المشاركين إنهم أبلغوا بأن موضوع تنحية الرئيس أو نقل صلاحياته إلى نائبه خط أحمر ليس مطروحا للمناقشة، الأمر الذى جاء مؤكدا أن نظام ما قبل 25 يناير يرفض الاعتراف بأن شيئا تغير فى البلد، وهو ما بات يستوجب مزيدا من الثبات والصمود فى ميدان التحرير وتوجيه مزيد من الضغط على الذين يصرون على تجاهل حقيقة التطوير المثير الذى حدث فى مصر.
مشكلة الإخوان أنهم ــ أو بعضهم ــ فرحوا بالإعلان الرسمى عن دعوتهم للحوار، وحضروا الاجتماع الذى تجاهل المطلب الأساسى لثورة 25 يناير، ثم حاولوا تدارك الموقف وتغطيته حين أعلنوا لاحقا أنهم لايزالون يتمسكون بمطالب ثورة الشباب. وحسبوا أنهم بحضورهم كسبوا نقطة لدى الحكومة، وبإعلانهم اللاحق فإنهم ظلوا يحتفظون بموطئ قدم فى ميدان التحرير. وللأسف فإنهم خسروا الاثنين، لأن السلطة استدرجتهم واستخدمتهم فى الحوار، ولن تعطيهم شيئا مما تمنوه (قياداتهم تعرف ذلك جيدا). كما أن الذين ذهبوا إلى الحوار منهم فقدوا ثقة شباب ميدان التحرير. وما لم يعلنوا انسحابهم من الحوار ويلتحقوا بعصر ما بعد 25 يناير مؤكدين تبنى المطلب الأول الذى يصر على التنحى، فإنهم سيخسرون الكثير فى الدنيا والآخرة
بقلم:فهمي هويدي - Shorouk news
No comments:
Post a Comment