Tuesday, January 18, 2011

المواطن «مصرى».. المواطن تونسى

أكثر ما ألتفت إليه فى أحداث تونس الأخيرة هو تقاطعها مع مفهوم «المواطنة» والذى أراه سبب إفراز تلك الثورة الشعبية التاريخية، بل إننى أذكر الآن نماذج عدة لمست فيها مبدأ «المواطنة» مطبقا، مما قد يشرح ما يحدث فى تونس وبلدان العالم من حولنا. فحين كنت أدرس بجامعات قطر استحسنت كثيراً أن المواطن القطرى كان دائما الأعلى مكانةً الشىء الذى كان، وعلى النقيض، يزعج الكثير من الجنسيات الوافدة بما فى ذلك الأمريكيون! فتجدهم يشتكون «بسخرية ما» أن القطريين «سادة» المكان.

لكن قراءتى الشخصية لهذا الأمر كانت غاية فى الإيجابية والاحترام: المواطن «رقم واحد» فى دولته؟ لِمَ التهكُّم؟ فإن لم يكن كذلك، أين له أن يكون إذن؟! أقول ذلك خصوصا أن المواطن الأمريكى نفسه هو «الأهم» فى بلده. ومهما أتى عليه من متعلمين مثقفين «ذوى حضارة وتاريخ» فالأمريكى «كمواطن» ولو كان فقيراً هامشياً يظل فى عين الدولة أهم من السائح أو الزائر، وإن كانوا أغنياءً متعلمين. ففى الأخير، هو من يمكن أن يصوّت مع هذا الحزب أو ضد ذاك المرشح.

ولهذا السبب، كثيرا ما تعجبت من بعض المصريين الزائرين حين يتعاملون «بطبقية ما» فى أمريكا كأن يظنون أنهم بتعليمهم الجامعى وحضارتهم المجيدة «أعلى شأنا» من أمريكى فقير ربما من أصل أفريقى يجلس على قارعة الطريق بلافتة تقول إنه «بلا مأوى». ولن أخفى نزعتى لاستفزاز هؤلاء حين أقول لهم، فى مواجهة تعاليهم وتندرهم بل وأحيانا عنصريتهم، إن هذا الفرد «كمواطن» أهم منهم آلاف المرات بالنسبة لدولته: فهم سائحون قادمون وراحلون، أما هو فباق.

ربما يكون هذا الأمر مستفزاً نتيجة الخلل فى تعريف «المواطنة» لدى المصرى فى العموم: الغنى والفقير، المتعلم والأقل تعليما. فما يجعل الموقف أكثر «تركيبا وتعقيداً» هو اصطدام المصرى بحرية المواطنين الآخرين فى أوطانهم. فحرية المصريين المفقودة ومكانتهم المُفتَقَدة داخل الوطن قد تكون السبب وراء الإحساس «بقلق وارتباك ما» Anxiety تجاه شعور الآخرين «بمواطنة» حقيقية فى بلادهم. ولنأخذ الكويت مثالا آخر، فقد سمعنا الأسبوع الماضى عن استقالة وزير الداخلية الكويتى بسبب تعذيب نعم الكلمة السحرية ستأتى تعذيب «مواطن» كويتى، مما أدى إلى وفاته بقسم شرطة. إذن المواطن فوق الجميع فى سلم الأولويات.

فالمبدأ المعمول به فى دول العالم هو أن «الحكومة تخدم» حتى «يرضى الشعب» «فيتكرم» ويكافئ الحكام بمد تلك الخدمة بالانتخاب أوعلى الأقل عدم الثورة على الأوضاع. من خلال هذه الحسابات، تدرك الحكومات جيدا أن «المواطن» يجب أن يحتل قمة الهرم فى تقييماتها، حتى إنك إذا ما كنت «لاجئا» بالأمس وصرت «مواطنا» اليوم، تتعاظم فجأة فرصك وحقوقك وامتيازاتك فتُمكنّك من التحدث بلغة قانونية تفعّل انتماءك لتلك الدول تفعيلا.

على النقيض يشكو المصرى «كمواطن عادى» من كونه فى آخر هرم الأولويات بالنسبة لحكوماته المتتالية. فالترتيب كالآتى: السائح أهم من المواطن، الخبير الأجنبى أهم من المواطن، المواطن الغنى أهم من الفقير والدولة أهم من كل هؤلاء.أما فى تونس «فالمواطن» أثبت أن لب الثورة الوليدة. فالحدث سيؤرخ له بهذا «المواطن العادى»، وهو بائع متجول لا يختلف عن هذا الأمريكى الفقير، الذى «بلا مأوى» على قارعة الطريق. فحين أحس المواطن التونسى بظلم الدولة التى لم تقبل شكواه ضد أحد ممثليها وهو الشرطية التى أمرته بالتحرك صافعة إياه على وجهه، أقدم هذا المواطن على الانتحار حارقا نفسه بالنار.

وبموته انتفض الشعب التونسى إلى أن أطاح برأس الهرم المقلوب أصلا وهو رئيس البلاد. هذه قصة المواطن «تونسى» ٢٠١١، والتى وصفه شاعرهم الأكبر أبو القاسم الشابى قائلا منذ زمنٍ«إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ ركبتُ المنى ونسيت الحذر... ومن لايُحِبُ صعودَ الجبال يعش أبدَ الدهرِ بين الحُفر». يبدو أن التونسيين يحفظون أشعارهم عن ظهر قلب حقا. فالدرس التونسى دائما ما سيذكرنا أن رأس الهرم يقطنه «المواطن» وليس رئيس دولته.

مروى مزيد - Almasry Alyoum

زميل مركز دراسات الشرق الأوسط جامعة واشنطن، سياتل، الولايات المتحدة الأمريكية

marwa@u.washington.edu

No comments: