Wednesday, January 19, 2011

فن السقوط

كان زين العابدين بن على السبب وراء منع برنامجى (مقص الرقيب) على قناة أبوظبى قبل عشر سنوات.. فقد تلقت الإمارات تهديداً من وزارة الخارجية التونسية بقطع العلاقات الدبلوماسية معها إذا أذاع تليفزيون أبوظبى حلقة من البرنامج كنت قد سجلتها حول أوضاع الحريات وحقوق الإنسان فى تونس.. ونظراً لدقة الوضع آنذاك بعد أيام من أحداث ١١ سبتمبر، فقد استجابت الإمارات، ولم تمنع بث الحلقة فقط، بل أوقفت البرنامج بالكامل.

ظل زين العابدين مصيراً محتوماً على التونسيين.. لم يتوقع أحد منهم لنظامه هذه النهاية الدرامية، ولا حتى المعارضين الذين قابلتهم فى باريس، ومنهم نساء كشفن عن اغتصابهن فى أجهزة الأمن.. لم يخطر ببال أحد أن الأمر لن يتطلب أكثر من شهر واحد من الغضب.. لو تنبأ لى أحد أبطال الحلقة الممنوعة بهذا السيناريو منذ عشر سنوات، لاتهمته بالجنون.

لكن فعلها الشعب التونسى.. وجعل ضيفى فى استوديو «بى بى سى» صبيحة هروب بن على يقول لى: تونس صارت أم الدنيا..!

سأظل أدعو لهذه الثورة المجيدة أن تكتمل، وأن تتوج مسيرتها بتوافق على السلطة يحافظ على «مدنية» تونس، ويحمى مستقبلها من الانفلات.. حركة النهضة عزمت على العودة والانخراط فى العملية السياسية، وحدود البلاد بقيت مكشوفة خلال السقوط المروع للنظام، وربما تسللت إلى الداخل عناصر أجنبية متشددة.. لتصبح تونس لأول مرة منذ عقود، عرضة لتيارات جديدة قد تسعى لجر تونس نحو حكم دينى، أو على الأقل لوضع متأزم أو غير مستقر.. وهو ما سيوفر ذريعة للأنظمة القمعية فى المنطقة كى تحذر شعوبها من ثورات مشابهة.. نريد لتونس أن تعبر هذه المرحلة بهدوء، لتبقى أملاً وإلهاماً للبائسين.

ونصيحتى للحكام الذين يلتوون على الدساتير، للبقاء فى السلطة حتى الرمق الأخير، أن يتعلموا من الدرس.. زين العابدين ظل يضغط على قروح شعبه ثلاثة وعشرين عاماً، ومع أول شرارة غضب تحول الشعب إلى «غول»، وتحول الديكتاتور إلى فأر، هرب فى جنح الظلام متسولاً الحماية.. ترك زين العابدين شعبه جامحاً فى الشوارع، وآخر ما قاله له: فهمتكوا! هذا ما سيذكره له التاريخ.. احتاج زين العابدين ثلاثة وعشرين عاماً كى يفهم ماذا يريد الشعب!

محمد سعيد محفوظ - Almasry Alyoum

m.said.mahfouz@googlemail.com

No comments: