الفرق بين تونس ولبنان
بينما يتنفس التونسيون عطر ثورة الياسمين على أمل تحقيق ما ظل الشعب محروما منه طوال ربع قرن من غياب الحريات.. فيقرأون صحفا لم تمسها يد الرقابة، ويتحاورون ويتجادلون كما يشاءون فى المقاهى والطرقات حول القضايا السياسية الراهنة، ويخرجون إلى الشوارع احتجاجا، ويستمعون إلى خطب يوم الجمعة دون أن تملى عليهم من أجهزة الأمن، ويتحركون فى المحافل والجامعات بغير حرس جامعى يراقب كل حركة وسكنة.. وتعقد الأحزاب وقوى المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية اجتماعاتها دون خوف من اعتقال أو مطاردة. وينشط الشباب إلى الإنترنت والفيس بوك ووسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة بعد أن ألغيت وزارة الإعلام (الاتصالات).. تجد تونس نفسها الآن أمام حقائق جديدة لابد من استيعابها. تملى على أى نظام سياسى ضرورة إعادة النظر فى الأوضاع القائمة، ومحاولة ملء الفراغ السياسى والدستورى الذى خلا بخلع نظام بن على وبطانته.
وهنا تكمن المشكلة. فالذين وجدوا أنفسهم فى موقع المسئولية، هم أنفسهم الذين يطالب الشعب بتغييرهم والتخلص منهم. وقد أحسنت الحركة الشعبية صنعا، وبالذات قيادات المجتمع المدنى واتحاد الشغل (النقابات) حين أصرت على استبعاد الغنوشى نفسه وكل وزراء الحزب الدستورى الذين وقفوا مع الطاغية، وتشكيل حكومة انقاذ وطنى. واضطر الغنوشى إلى التسليم وتعهد باعتزال العمل السياسى بعد انتهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات، وتولى حكومة جديدة زمام المسئولية.
غير أن الخروج من المأزق الراهن لن يكون بهذه البساطة.. فقد أعطى التأييد الشعبى الجارف زخما للحركة التى انطلقت من غضبة تلقائية لشاب أشعل النار فى نفسه احتجاجا على ما يعانيه من بطالة ومطاردة أمنية.. كان الحادث نوعا من طلب الخلاص والتحرر من ظروف اجتماعية خانقة.. صرخة فى وجه الطغيان وتحريضا للشعب على المواجهة.
واستجاب الشعب التونسى للصرخة. ولكن المشكلة التى بقيت تواجه الثورة أن المجتمع التونسى تعرض خلال سنوات طويلة من القمع والكبت لتجريف سياسى قاصم. أفرغ تونس من قيادات وشخصيات سياسية نافذة اضطرت إلى الهروب إلى المنافى فى باريس ولندن. وأرغم الأحزاب وقوى المعارضة ــ التى كان يمكن أن تملأ الفراغ السياسى الراهن ــ على التوارى والاختباء أو ممالأة الحزب الحاكم. وهى صورة تتكرر فى معظم البلاد العربية التى تدعى الديمقراطية.. حيث تنطفئ مصابيح الأمل ويسود اليأس أجيالا صاعدة، ويظلم المسرح فلا يبقى على خشبته غير وجوه صفيقة لا تتغير. وتسمع الحجة التى تسمعها فى مصر كثيرا عن عدم وجود صف ثان.
بعض المعلقين يرون أن نجاح ثورة شعبية فى بلد مسلم كتونس، قامت بدون تنظيم إسلامى يحركها ولا زعامة توقدها ــ دليل على المخاوف التى سرت فى بدن النظم العربية، والتى أقامت سياستها على أساس أن الإصلاح والتغيير، لا يمكن أن يتحقق إلا من أحد طريقين: فرض نظام حكم شمولى صارم، أو ترك المجتمعات العربية لقمة سائغة بين يدى التطرف والتعصب الذى تغذيه بعض الحركات السياسية الإسلامية. وانتهى الأمر إلى تفضيل الديكتاتورية المطعمة بالفساد. وهذه كما كشفت أحداث تونس وجهة نظر عقيمة فاسدة. تشجعها أمريكا والغرب بحجة مكافحة الإرهاب!
إن الصور التى حملتها محطات التليفزيون، تعكس من خلال تفاعلات الشارع التونسى وجوها لشباب وشابات رجالا ونساء من مختلف الأعمار.. جيل جديد من المحتجين لا تحركه شعارات إسلامية أو نداءات طائفية أو حزبية، بل مطالب ديمقراطية لحكم نظيف قادر على محاربة الفساد. وهى مرحلة من النضج لم تتوفر حتى الآن فى عديد من الشعوب العربية ومنها مصر.
وحتى هذه اللحظة لم يسمح التونسيون لأطراف خارجية بالتدخل فيما يجرى فى تونس، حتى عندما تطوع العقيد القذافى بالدفاع عن بن على. وهذا هو الفرق بين تونس ولبنان. فحيث تتشرذم القوى السياسية فى لبنان، ويبحث كل فريق عن شرعية خارجية تسانده، يصبح انهيار الدولة محتوما، ويصبح تدخل الغرب مقدرا. وذلك ما تسعى تونس إلى تجنبه، حفاظا على انجازات قد تذهب هباء، إذا تغلبت حالة الفوضى ولم تنجح القوى السياسية فى التوافق على حل للخروج من المأزق الراهن
وهنا تكمن المشكلة. فالذين وجدوا أنفسهم فى موقع المسئولية، هم أنفسهم الذين يطالب الشعب بتغييرهم والتخلص منهم. وقد أحسنت الحركة الشعبية صنعا، وبالذات قيادات المجتمع المدنى واتحاد الشغل (النقابات) حين أصرت على استبعاد الغنوشى نفسه وكل وزراء الحزب الدستورى الذين وقفوا مع الطاغية، وتشكيل حكومة انقاذ وطنى. واضطر الغنوشى إلى التسليم وتعهد باعتزال العمل السياسى بعد انتهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات، وتولى حكومة جديدة زمام المسئولية.
غير أن الخروج من المأزق الراهن لن يكون بهذه البساطة.. فقد أعطى التأييد الشعبى الجارف زخما للحركة التى انطلقت من غضبة تلقائية لشاب أشعل النار فى نفسه احتجاجا على ما يعانيه من بطالة ومطاردة أمنية.. كان الحادث نوعا من طلب الخلاص والتحرر من ظروف اجتماعية خانقة.. صرخة فى وجه الطغيان وتحريضا للشعب على المواجهة.
واستجاب الشعب التونسى للصرخة. ولكن المشكلة التى بقيت تواجه الثورة أن المجتمع التونسى تعرض خلال سنوات طويلة من القمع والكبت لتجريف سياسى قاصم. أفرغ تونس من قيادات وشخصيات سياسية نافذة اضطرت إلى الهروب إلى المنافى فى باريس ولندن. وأرغم الأحزاب وقوى المعارضة ــ التى كان يمكن أن تملأ الفراغ السياسى الراهن ــ على التوارى والاختباء أو ممالأة الحزب الحاكم. وهى صورة تتكرر فى معظم البلاد العربية التى تدعى الديمقراطية.. حيث تنطفئ مصابيح الأمل ويسود اليأس أجيالا صاعدة، ويظلم المسرح فلا يبقى على خشبته غير وجوه صفيقة لا تتغير. وتسمع الحجة التى تسمعها فى مصر كثيرا عن عدم وجود صف ثان.
بعض المعلقين يرون أن نجاح ثورة شعبية فى بلد مسلم كتونس، قامت بدون تنظيم إسلامى يحركها ولا زعامة توقدها ــ دليل على المخاوف التى سرت فى بدن النظم العربية، والتى أقامت سياستها على أساس أن الإصلاح والتغيير، لا يمكن أن يتحقق إلا من أحد طريقين: فرض نظام حكم شمولى صارم، أو ترك المجتمعات العربية لقمة سائغة بين يدى التطرف والتعصب الذى تغذيه بعض الحركات السياسية الإسلامية. وانتهى الأمر إلى تفضيل الديكتاتورية المطعمة بالفساد. وهذه كما كشفت أحداث تونس وجهة نظر عقيمة فاسدة. تشجعها أمريكا والغرب بحجة مكافحة الإرهاب!
إن الصور التى حملتها محطات التليفزيون، تعكس من خلال تفاعلات الشارع التونسى وجوها لشباب وشابات رجالا ونساء من مختلف الأعمار.. جيل جديد من المحتجين لا تحركه شعارات إسلامية أو نداءات طائفية أو حزبية، بل مطالب ديمقراطية لحكم نظيف قادر على محاربة الفساد. وهى مرحلة من النضج لم تتوفر حتى الآن فى عديد من الشعوب العربية ومنها مصر.
وحتى هذه اللحظة لم يسمح التونسيون لأطراف خارجية بالتدخل فيما يجرى فى تونس، حتى عندما تطوع العقيد القذافى بالدفاع عن بن على. وهذا هو الفرق بين تونس ولبنان. فحيث تتشرذم القوى السياسية فى لبنان، ويبحث كل فريق عن شرعية خارجية تسانده، يصبح انهيار الدولة محتوما، ويصبح تدخل الغرب مقدرا. وذلك ما تسعى تونس إلى تجنبه، حفاظا على انجازات قد تذهب هباء، إذا تغلبت حالة الفوضى ولم تنجح القوى السياسية فى التوافق على حل للخروج من المأزق الراهن
بقلم:سلامة أحمد سلامة- الشروق
No comments:
Post a Comment