Thursday, January 13, 2011

الشرارة التونسية

«لو ان مائة ألف مواطن تجمعوا فى اعتصام سلمى بميدان التحرير، حاملين معهم مطالبهم المحددة وإعلانهم أنهم لن يغادروا المكان قبل تنفيذها، فسوف يحدث التغيير ». هذه الكلمات قالها مسئول بارز فى الحكم للزميل محمد على خير ونشرها فى كتابه «الطريق إلى قصر عابدين» الصادر قبل أسبوع فقط.

ويبدو أن الإخوة التونسيين قد استوعبوا نصيحة المسئول المصرى البارز وطبقوها عمليا حتى قبل ان ينزل الكتاب للأسواق.

المتظاهرون التونسيون لم يخترعوا العجلة، لكنهم نزلوا الشارع بعد أن تغلبوا على خوفهم وعلى آلة القمع الجهنمية، والسبب انهم لا يملكون ما يخافون عليه. انتفاضة العاطلين فى تونس بدأت عفوية بمحاولة انتحار الشاب بوعزيزى احتجاجا على منع السلطات له من بيع الخضراوات فى إحدى أسواق ولاية سيدى بوزيد وسط البلاد. ثم اتسعت لتشمل معظم البلاد وتجبر الحكومة على إقالة وزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم.

جوهر درس التغيير ثابت فى كل زمان ومكان ولا يتغير إلا فى تفاصيل صغيرة. وخلاصته لخصه الشاعر التونسى الراحل والعظيم أبوالقاسم الشابى فى بيت شهير يقول:
إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر

لم يخطط التوانسة المقهورون للثورة أو التمرد، لكن إناء القهر لم يعد يتحمل المزيد.. نزلوا الشوارع، قابلتهم الشرطة بالرصاص الحى، ونعتتهم بكل التهم الممكنة وغير الممكنة، والتى يبدو أنها قائمة تهم ترددها كل أجهزة الأمن من أول إثارة الشغب نهاية بالعمالة لجهات أجنبية مرورا بالطبع بحكاية الأصابع الأجنبية.. والتى تختلف من بلد لآخر حسب ظروفه.. فمرة تكون هذه الأصابع هى «القاعدة» ومرة تكون «الموساد»، ومرة ثالثة تكون «السى آى ايه»، أو «الحرس الثورى الإيرانى»، وأحيانا فإن أجهزة الأمن الفكاهية وأجهزة إعلامها الأكثر فكاهة تجعل الشخص أو الحزب أو حتى الصحيفة عميلة لكل هذه الأجهزة معا فى وقت واحد.

ما يحدث فى تونس هذه الأيام بالغ الدلالة والخطورة وبدأ يتجاوز الحدود إلى بعض المدن الجزائرية.

الدرس التونسى يقول بوضوح للمواطنين فى كل مكان إنه بإمكانكم مع حسن التنظيم وسلمية التحرك ان تحققوا ما تشاءون شرط أن تكونوا مستعدين لدفع الثمن الذى تجاوز الخمسين قتيلا، لكن دماءهم تمكنت من إقالة وزير الداخلية ومحاكمة بعض الفاسدين واقناع الحكومة ان ظلمها لا يمكن أن يستمر حتى ما لا نهاية.

أما الدرس البليغ الذى ينبغى أن تتعلمه أى سلطة خصوصا إذا كانت غاشمة من درس تونس فهو ان تتعظ وتؤمن أن قوتها محدودة حتى لو كانت الظواهر لا تبدو كذلك.. عليها أن تدرك أن خنوع المواطنين لجبروتها ليس قدرا حتميا يستمر طوال الوقت، وان الامعان فى إهانة الناس ومعاملتهم مثل البهائم والعبيد لن يستمر، وان عاقبة سرقة ثروات الشعوب أو احتكارها وترك الغالبية تجوع وتئن وخيمة.

نعود مرة أخرى لحديث المسئول المصرى لنشير إلى أنه استدرك لمؤلف الكتاب قائلا: ولكن الحكومة لن تسمح بالطبع للمواطنين بالنزول إلى الشارع والاعتصام أو العصيان المدنى.
والسؤال إلى هذا المسئول المجهول وكل المسؤلين هو: وهل سمحت أجهزة الأمن التونسية للمتظاهرين بالنزول، وهل سمحت أجهزة أمن الشاة للثائرين الإيرانيين، أو أجهزة أمن نيكولاى تشاوشيسكو فى رومانيا أو غيرهم فى أى مكان. عندما تندلع الشرارة فهى لا تحتاج إلى إذن أحد.

بقلم:عماد الدين حسين- الشروق

No comments: