فى حوار تليفزيونى يدمى القلوب، ويبعث فيك من اليأس أكثر مما يبعث فيك من الأمل، حوار أجراه الزميل سليمان جودة مع العالم فى شؤون الإدارة العلمية الحديثة، الدكتور صبرى الشبراوى، أستاذ الإدارة بالجامعة الأمريكية، وعلى الرغم من أنه كان فى كل لحظة يكرر: «إننى متفائل بطبعى، والرئيس مبارك لا يمكن أن يعدى هذه المشاكل ويترك البلد تدار بهذا المنهج».. فإنه قال أيضا: «الإدارة الحديثة لها مواصفات يا إما أن نسير على هديها، يا إما سنغرق».. ود.الشبراوى من رجال الحزب الوطنى، وأحد مستشارى الرئيس، وهو واحد من أهم أساتذة الإدارة فى العالم، وكان مرشحا بقوة فى وقت من الأوقات ليكون رئيسا لوزراء مصر، ولكنه أيضا قال بمرارة شديدة حول إنه لا يؤخذ برأيه رغم أنه يحذر دائما من مغبة ما يفعله رجال السلطة والمال بمصر: من يوم أن عدت من أمريكا وأنا أُحارب من أجل التقليل من قيمتى، ويقولون لى:لا كرامة لنبى فى وطنه «ويتعجب بمرارة فأين ومتى ستكون له كرامة!!.. إنها مأساة مصر، ومرضها المزمن الذى يبدو أنه لا أمل لها فى الشفاء منه، مرض استبعاد أهل العلم والاختصاص، وتولية أعضاء (الشلة)، ففى الستينيات كان يستبعد أهل الخبرة ويعين أهل الثقة، والآن كما قال د.الشبراوى: «إنهم لا يأتون بوزير من خارج دائرتهم، ولكنهم يأتون بمن يلعب معهم طاولة، ولو سألت يقول لك (المبخراتية) الريس هو الذى يختار، ويعقب بمرارة: أنا لست معارضا، إننى أصف الدواء لأعالج المرض، هذه وظيفتى أقول للحكومة هذا سيضرك وهذا يفيدك.. ولابد أن يكون اختيار الوزراء بناء على الخبرة.
لقد عرفت الدكتور صبرى الشبراوى عن قرب منذ عشر سنوات، حين جمعتنى به جلسات مطولة أثناء تأسيس قناة المحور الفضائية، عندما كنت مديرا للبرامج ونائبا لرئيس القناة د. حسن راتب، إلى أن أطلقنا القناة فى ٢ فبراير ٢٠٠٢.. وكان يتكلم بنفس المرارة ويشخّص نفس الأمراض ويصف نفس الدواء، وهو (الإدارة العلمية الحديثة) فلا الحكومة أخذت الدواء ولا حسن راتب، وبقى الحال على ما هو عليه، فلا المحور تقدمت وسبقتها كل القنوات، ولا الحكومة تحسنت صحتها بل ساءت وتحسنت أحوال كل الشعوب، وعلى الحكومة أن تنظر حولها لترى الواقع بضمير صادق:
ــ هل يوجد فى العالم حكومة تعجز عن رفع قمامتها حتى بعد الاستعانة بالشركات الأجنبية!!.. أليست هذه سبة وعاراً علينا؟!
ــ هل توجد حكومة واحدة فى العالم لا تستطيع أن تنظم مرور السيارات فى شوارعها.. أليس من العار علينا أننا مازلنا نضع عساكر مرور فى الشوارع، فإن غابوا لحظة ارتبكت الدنيا ونزل قائدو السيارات ليتشاجروا ويسب بعضهم بعضاً!!
ــ هل يمكن لبلد لديه أطول أنهار الدنيا أن يظل يستورد طعامه وشرابه، ولا تقل لى إن الزيادة السكانية هى المشكلة، فالصين مليار ونصف المليار نسمة وتغزو العالم كله بصادراتها، لقد قال السادات لرئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجين وهو يجلس بجواره فى الطائرة التى كانت تحلق فوق نيل أسوان: هل ترى جمال النيل ومجراه المتسع؟.. فقال له بيجين: ولكن ماذا تفعلون به؟! لو لدينا مثل هذا النهر لزرعت به كل صحراء النقب وزينتها بالحدائق والأشجار!!
ــ أليس من العار أن نكون أعظم بنائين فى العالم منذ فجر التاريخ فنبنى الهرم ونجعل الشمس تتعامد على وجه رمسيس الثانى كل عام فى ذات اليوم والساعة، ثم نرى غابات الخرسانة المسلحة الصماء تحيط بالقاهرة بحزام شديد القبح، ومن أذِن لهذه البيوت العشوائية أن تقام على أجود الأراضى الزراعية، ونحن البلد الذى استدعى حاكمه الخديو إسماعيل قبل مائة وخمسين عاما المهندس الذى بنى باريس، وقال له أريد أن تكون القاهرة قطعة من أوروبا، فبنى له التحف المعمارية التى تسمى (وسط البلد) والتى يتآمر بعض رجال المال والسلطة على الاستيلاء عليها لهدمها وبناء أبراج قبيحة على أنقاضها.
لقد قال د.الشبراوى: دون وضع استراتيجية لتحديث مصر البلد سينهار، فلتضع الحكومة استراتيجية لإعلان الحرب ضد مشاكلها، فعندما أرادت مصر أن تغسل عار هزيمة ٦٧، وضعت استراتيجية جادة ونفذتها بسواعد المصريين وانتصرنا على إسرائيل، ومصر الآن أمامها أعداء كثيرون ومن العار ألا نزيل كل هذه المشاكل، إن أغلب من يديرون مصر محتكرون للمال والسلطة وأصبحت لديهم مليارات، ماذا سيفعلون بكل هذه الأموال التى لم يأتوا بها من (بيوت أبوهم) فليردوا جزءاً من هذه الأموال للبلد، وضرب مثلا بأغنياء أمريكا الذين تبرع ١٧ مليارديراً منهم بنصف ثروته لإقالة أمريكا من عثرتها، ويكفى مليارديرات مصر أن يأخذ كل واحد منهم مائة مليون ومثلها لكل ابن من أبنائه، ويرد الباقى إلى مصر التى اغتنى من خيراتها لتسترد مصر عافيتها، وقال فى نهاية حديثه: أنا أعتبر كلامى صدقة جارية، أنا لا أريد إلا أن أرى مصر أجمل وأفضل بلاد العالم، ولكن يبدو أن منهج إدارة مصر الآن: أنه لا أحد يعرف أى شىء عن أى شىء!! فإذا أرادوا أن تدار مصر إدارة حديثة فسوف نعبر كل ما نحن فيه، أما إذا كانت ستدار بنظام العزب، فستكون النتيجة أننا سنظل نتقهقر إلى الخلف
بقلم محمد بغدادى- Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment