Thursday, December 09, 2010

هل خطط الحزب الوطنى لإسقاط المعارضة؟

انتهت الانتخابات التشريعية، وانفض مولد الانتخابات واكتسح الحزب الوطنى مقاعد مجلس الشعب وسقطت رموز المعارضة، وطرح السؤال الكبير: كيف سقطت، وما مسؤولية الحزب الوطنى عن هذا السقوط؟

الحقيقة أن استراتيجية القادة الجدد للحزب الوطنى الحاكم قامت على التخطيط لإسقاط جانب من قوى المعارضة كالإخوان المسلمين وبعض القيادات المستقلة والحزبية، وتركت جانباً آخر يجرّب حظه ويدخل «المستنقع الانتخابى» الذى تركه الوطنى للعشوائية والبلطجة وشراء الأصوات.

وقد أخذ «الإسقاط المخطط» شكلين: الأول هو ما قامت به قيادات الحزب الوطنى بالتنسيق مع القيادات الأمنية كتعبير عن توجه عام داخل الحكم (توقعناه وأشرنا له من قبل) من أجل إسقاط مرشحى جماعة الإخوان المسلمين،

وكانت المعركة مخططة أمنيا وسياسيا واستخدم فيها كثير من الأساليب الهابطة والفجة، التى كشفت عجز الحزب الوطنى عن مواجهة الإخوان بالسياسة وليس بالأمن، رغم كثير من الأخطاء التى وقع فيها الإخوان من: رفع شعارات دينية وطائفية وطرح شرعية بديلة للدولة المدنية، إلا أن الوطنى استسهل المواجهة بالأمن، لأنه ليس عنده الكثير الذى يقدمه فى السياسة.

أما الشكل الثانى من تخطيطات بعض قادة الوطنى فهو ما قام به أمين تنظيم الحزب من استهداف شخصى لمجموعة من قيادات المعارضة، مثل: حمدين صباحى (الذى انتقل من حالة النجاح المضمون والكاسح إلى الخسارة المدوية من أول جولة، بعمليات تزوير فجة، فيها كثير من التفاصيل المشينة)، وعلاء عبدالمنعم وسعد عبود وضياء رشوان ومصطفى بكرى وجمال زهران، وهنا نقل أحمد عز برامج الخصخصة الاقتصادية إلى السياسة والأمن.

وعلى عكس انتخابات ٢٠٠٥، فإن الأموال التى دفعت لم تكن فقط من نصيب فقراء الناخبين، إنما امتدت أيضا إلى مسؤولين وقيادات مختلفة نست أنها تعمل لدى الدولة المصرية وليس فى شركة خاصة.

وقد فتح نموذج «خصخصة التزوير»، الذى طبق بنجاح على مجموعة من قيادات المعارضة المدنية، الباب أمام تعميم هذه الخبرة على باقى مرشحى أحزاب المعارضة، ولكن دون وجود قرار أو خطة مركزية أو حزبية بإسقاطهم، إنما كانت هناك بيئة انتخابية غير مسبوقة فى سوئها، ومسؤول عنها ليس فقط الحزب الوطنى،

إنما الحكم برمته الذى نقل بلطجة الحياة اليومية وعشوائيتها وسطوة رأس المال فى السياسة والاقتصاد إلى الانتخابات، فكان طبيعيا أن يسحق مرشحو حزب الحكومة المسيطرون على الإدارة والأمن مرشحى أحزاب المعارضة.

إن ثمن «خصخصة التزوير» كان فادحا، لأنه يعكس مشكلة أكبر تتمثل فى ترهل الدولة وضعفها، فشهدنا ما لم يكن يتخيله أكثرنا تشاؤما من رشاوى، دُفع اليسير منها للناخب «الغلبان»، والكثير أُغدق به على كبار وصغار فى أجهزة الدولة.

صحيح أن هناك جانباً من قيادات الحزب الوطنى القديمة رفض هذا الاستبعاد الفج لقوى المعارضة، إلا أن تأثيرهم على الأرض كان محدودا وربما منعدما، لأن المناخ الانتخابى شهد انفلاتاً وفوضى يجعلان من المستحيل على أى حزب معارض أن يحقق نجاحاً من أى نوع فى مواجهة ليس فقط «حزب دولة» إنما أيضا حزب فرّط فى صلاحيات تلك الدولة وأعطاها لوكلاء محليين عاثوا فى الأرض فسادا ومارسوا أساليب متعددة من العنف والبلطجة والإفساد.

وقد طال هذا المناخ كثيرا من مرشحى الوطنى المحترمين، فحمدى السيد أسقط فى دائرة النزهة ومصر الجديدة حتى ينجح مرشح فيلم «الأكشن» مجدى عاشور لـ(يحكى قصة خطف التنظيم الخاص للإخوان المسلمين مرشح الجماعة من أجل منعه من الترشح، وقام رجال الأمن ومعهم «جيمس بوند» بإطلاق سراحه).

وإذا وجدت فى دائرة اثنين مرشحين، أحدهما مواطن عادى «شكل الناس الطيبين»، والآخر يحمل بطاقة حصرية بأنه ابن قيم هذا العهد، فستكتشف أن الثانى هو الفائز حتى لو كان الاثنان ينتميان إلى الحزب الوطنى.

لقد اجتهدت قيادة الحزب الوطنى ليس فقط فى استبعاد المعارضة إنما أيضا فى استبعاد نواب محترمين من الحزب الوطنى، حرص «المجمع الحديدى» على ألا يختارهم، فيكفى فقط أن نشير إلى نائب المنيل فى البرلمان السابق، الذى سمى «نائب الرصيف» محمد عفيفى، والذى كان يجلس بجوار مسجد عمرو بن العاص دون مكتب ولا حواجز، وكانت شعبيته جارفة ولكنه كان من نوعية النواب الذين لديهم اعتزاز بأنفسهم، ويعتبر أن قوته تنبع من الناس البسطاء وليس من نفاق فلان أو علان، وعليه لم يختره المجمع،

كما أن فضيحة عدم اختيار نائب الوطنى السابق حمدى الطحان، الذى كان رئيس لجنة النقل فى مجلس الشعب السابق، هى الأخرى ذات دلالة، فالرجل أصدر تقريرا أدان فيه الحكومة وحمّلها مسؤولية غرق العبارة وإزهاق روح أكثر من ألف إنسان فى عرض البحر، ودفع ثمن مراعاته لضميره أمام الله والشعب بأن رفض قادة الحزب الجدد اختياره.

نعم.. كان هناك تخطيط فى هذه الانتخابات فى «الشر»، أى فى الاستبعاد والتهميش، حتى شمل كثيراً من المرشحين الذين ينطبق عليهم كلمة محترم أو سياسى أو ابن بلد، سواء انتمى إلى اليمين أو اليسار، وسواء كان فى الحزب الوطنى أو المعارضة.. صحيح أن هناك قلة من هؤلاء المحترمين قد فلتت ونجحت على قوائم الحزب الوطنى أو مستقلة، إلا أن ما جرى فى هذه الانتخابات لم يكن تزوير دولة فى مواجهة خصومها السياسيين (كما فعل الرئيس السادات فى مواجهة خصومه السياسيين عقب كامب ديفيد) إنما تزوير فرد على حساب ما تبقى من دولة.

إن العشوائية التى شهدتها هذه الانتخابات والفائزين الذين أصبحوا خاسرين، والخاسرين الذين تحولوا لناجحين، وتغيير النتائج ثلاث مرات، وكل هذه الفوضى العبثية، وهذا التزوير والعنف والإهدار لأحكام القضاء.. يعطينا مؤشراً على ما ينتظر الشعب المصرى حين يشاهد الفصل الختامى من مسرحية التوريث التى بدأت، على خلاف مسارح الدنيا كلها، خلف الكواليس، ولن يرى الناس إلا فصلها الختامى الذى بدأت مقدمته فى هذه الانتخابات.

د. عمرو الشوبكى - Almasry Alyoum

amr.elshobaki@gmail.com

No comments: