وجاءت هذه الانتخابات بعد ان كانت مصر قد اعتمدت سياسة السماح بديمقراطية شكلية لم تتخط امكانية مشاركة المعارضة في الانتخابات ولكن ضمن ضوابط.
وكانت النتيجة ان البرلمان المصري كان خلال الاعوام الاخيرة يشهد نشاطا وبعض الحيوية على الرغم من سيطرة الحزب الوطني الحاكم على الاكثرية فيه.
بالاضافة الى ذلك، كان يمكن الكلام عن وجود صحافة مصرية مستقلة بعض الشيء، كما انه كان بالامكان القول ان السلطة في مصر كانت تزور الانتخابات دون ان تسلبها.
لم يغير هذا النشاط في البرلمان والصحافة المشهد السياسي في مصر والذي يقتصر على نظام قمعي يرفض ان يتشارك الحكم، لكن يسجل له على الاقل اعطائه فرصة للمعارضة.
ولكن هذه الفرصة قد انتهت وجاءت نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة التي جرت في 28 نوفمبر/ تشيرن الثاني الماضي لتفاجئ الجميع حتى مسؤولين رسميين في الحزب الحاكم الذين كانوا قد عبروا عن املهم بأن تكون النتائج اكثر "مصداقية".
ومن المضلل الحسم بالقول ان مصر "تقف على حافة الهاوية"، كما اشار محللون، لكن لا يجب استثناء ذلك كاحتمال.
وقد حذر المراقبون دوما من ان "النظام المصري الذي يبدو وكأنه يملك مقومات الاستمرارية، يعاني في الوقت نفسه في انحدار متزايد في شعبيته ما يفقده شرعيته".
وتجدر الاشارة في هذ السياق الى ان المصريين، الذين غالبا ما القي اللوم عليهم بسبب خمولهم في المجال السياسي، قد خرجوا في تظاهرات غير مسبوقة لناحية عددها للاحتجاج على تدهور الحالة السياسية والاقتصادية في البلاد.
لا يعني ذلك ان النظام المصري حليف الولايات المتحدة الرئيسي في المنطقة سوف يسقط، لكن الانتخابات الاخيرة تفيد بأن هذا النظام قد يكون قد تخطى سقفا جديدا في قراره الذي يفتقد الى الحنكة بـ"انهاء المعارضة"، ما جعله يبدو وكأنه قد اساء في حساباته التي جاءت بغاية الضعف.
وبذلك خسر النظام كل ما كان قد تبقى له من شرعية، ولكن الاهم هو انه بتصرفه هذا اعاد الحياة الى المعارضة المشرذمة التي كانت تبدو منذ شهر فقط وكأنها غير قابلة للاحياء لدرجة انها لم تتمكن من صياغة قرار واحد يتعلق بخوض او مقاطعة الانتخابات.
وتجدر الاشارة الى ان ممارسة القمع عندما تصل الى حد معين، يمكنها ان تساهم بقوة في توحيد معارضة ممزقة، والدليل على ذلك ان الوفد والاخوان وعلى الرغم من كل التوجس المتبادل في علاقتهما، يبدو وكأنهما يتجهان نحو تنسيق اكبر، وعليهم ان يفعلوا ذلك لان النظام لم يترك لهم اي فتات ولا يقدم لهما العروض.
في موازاة ذلك، سيكون لمصر برلمان لكن عمليا لن يحتوي هذا البرلمان على اي معارضة، ولا يبدو النظام المصري مدركا بما تعرفه الانظمة المجاورة له بشكل جيد وهو ان انظمة الحكم الفردية الاكثر فعالية هي تلك التي تتعامل مع معارضيها وتديرهم دون تدميرهم.
ولكن المشهد كما يبدو اليوم في مصر يفيد بأن غياب اي خصم للحزب الحاكم سيجعله ينافس ويحارب نفسه، وبذلك، تمكن الحزب الحاكم في مصر عفويا من انتاج واقع جديد قد يمزقه.
وتفيد بعض التقارير، والكثير من التكهنات بأن الخلافات داخل الحزب الحاكم تشتد حول من سيرث الحكم بعد الرئيس المصري حسني مبارك الذي قضى ثلاثة عقود في الحكم.
خلاف حول جمال
وللمرة الاولى منذ تسلمه الحكم، لا يمكن لاحد التكهن من سيكون الرئيس المقبل للبلاد.
وعلى الرغم من كون جمال مبارك نجل الرئيس الاكثر حظوظا لوراثة المنصب بعد والده، الا ان البعض في الحزب الحاكم يبحثون بصمت او في العلن عن بديل لجمال مبارك.
ويقول خبيرا العلوم السياسية غييرمو اودونيل وفيليب شميتر في كتابهما "المراحل الانتقالية للاحكام الاستبدادية" ان "الفترات الانتقالية لا يمكن ان تبدأ الا اذا كانت نتيجة مباشرة او غير مباشرة لانقسامات مهمة داخل الحكم المستبد نفسه".
ولذلك، فان الانقسامات داخل الحزب الحاكم في مصر من شأنها ان تتعاظم مع الوقت، وبخاصة مع اتخاذ الحزب الحاكم خطوات سياسية استراتيجية في هذا الوقت بالتحديد، ما يعني بكل بساطة ان النظام مرتبك وغير واثق من الخطوات التي يتخذها وغير متماسك.
كانت هذه الانتخابات الخطأ الاول، ويبقى ارتكاب المزيد من الاخطاء وقابلية المعارضة من الاستفادة من هذه الاخطاء العنصر الاساسي الذي سيحدد الاتجاه الذي ستسلكه مصر في الاشهر القادمة.
شادي حميد
مدير الابحاث، مركز بروكينجز، الدوحة
BBC
No comments:
Post a Comment