استيقظ «الشعب المصرى الشقيق» فجر يوم ٢٩ نوفمبر من عام ٢٠١٠.. ليجد نفسه يعيش يوما من أيام نهاية الستينيات.. إعلان نتائج ما يسمى «الانتخابات البرلمانية» أعادنا إلى زمن الاتحاد الاشتراكى العربى!!
تأكدنا أن حزب الأغلبية «الكاسحة» لم يعقد سوى صفقة واحدة.. كسبها بامتياز ضد أحزاب الوفد والتجمع والناصرى.. فهو الذى خدع أولئك بزعم أن معركته فقط مع جماعة الإخوان المسلمين- المحظورة.. تلك جراحة ناجحة مات فيها الطبيب والمريض مع أسرتيهما!!
التفاصيل أضخم من أن نصفها بأنها مذهلة.. فتلك انتخابات «التجويد» لكل شىء.. تم خلالها تجويد فنون التزوير.. تجويد فن تقديم الرشاوى.. تجويد استخدام سلاح البلطجة.. تجويد كتاب تدمير الديمقراطية.. تجويد تجميد المنطق والعقل والحساب.. باختصار تم تجويد عملية هدم الماضى والحاضر.. وبدأ الزحف المقدس للقضاء نهائيا على أى بارقة أمل فى المستقبل.. هو المنهج ذاته الذى عشنا لا نتعلم غيره فى زمن الاتحاد الاشتراكى.
ضاعت «حمرة الخجل» فأطل علينا عبر الفضائيات من يتحدثون عن جرائم انتخابات برلمان ٢٠١٠ باعتبار ما شهدته من تجاوزات.. امتلك نفر من الصحفيين جرأة القول بأن ما حدث كان انتخابات نزيهة.. ناهيك عن أولئك من القيادات الذين خرجوا ليقولوا كلاما بلا معنى.. كلاما لا يشبه حتى الكلام.. يؤكدون فيه نجاحهم كحزب فى تقديم وجبة انتخابية تقتل كل من يشم رائحتها!!
سقط القناع من على وجه الحزب الوطنى الديمقراطى.. فلا فارق داخله بين ما يسمى الحرس القديم ولا الحرس الجديد.. كلهم كانوا فى خندق واحد.. اتفقوا على خطة تصفية الديمقراطية فى مصر وإعلان تأميم البرلمان، بعد تأميم السلطة التنفيذية وتأميم الإعلام المصرى –حكومى وخاص– وتجنبوا السلطة القضائية خشية أن ينفجر اللغم فى وجوههم!!.. مهما حاولت أن تضبط أعصابك حيال ما يسمى انتخابات برلمان ٢٠١٠.. ستجد نفسك مضطرا للانفعال وفقدان الصواب والقدرة على التفكير لاستنطاق أى تفسير.. حتى ولو كان ساذجا وعبيطا.. فكل التصريحات قبل الانتخابات كانت تؤكد عدم تسخير أدوات الدولة للمرشحين المدللين لها.. الواقع على الأرض أكد أنه تم تسخير كل إمكانيات الدولة وإمكانيات الفاسدين من رجال الأعمال مع سلاح فساد الجهلة والعامة والغوغاء، المسمى سلاح البلطجة.. إلى جانب استخدام سلاح الموظفين المقهورين والمغلوبين على أمرهم.. وقبل ذلك كانت عملية تحييد سلاح الشعب تماما، الذى أبعدوه عن المشاركة فى أى محاولة للخروج من ذاك المستنقع.. وللأسف الشديد خرجوا بعد الانتخابات ليتهموا الشعب بالسلبية وعدم المشاركة بالتصويت.. فقدوا القدرة على إبصار المواطنين يحاولون دخول اللجان فتمنعهم أبوابها الحديدية المغلقة.. يمنعهم الأمن بتهديده لهم قبل الانتخابات وخلالها.. يمنعهم البلطجية.. المسموح لهم فقط بالدخول هم أولئك الذين تسعدهم بطانية ومبلغ ضئيل لا يتجاوز ١٠ دولارات «٥٠ جنيها»، ومن هذا الرحم خرج المولود الذى يحمل اسم «برلمان ٢٠١٠».
قصروا الحملة الانتخابية على أسبوعين فقط.. حرموا الإعلام من تقديم تفاصيل المنافسة –سواء كان حكوميا أو خاصا– حرموا المراقبين من الداخل ومنظمات المجتمع المدنى من رصد ما حدث.. حرموا مندوبى المرشحين من التواجد داخل اللجان فى عدد كبير جدا من الدوائر وأكبر عدد من اللجان.. بل حرموا الوجوه المقبولة داخل الحزب الوطنى ذاته من الترشح.. ثم بدأت عمليات التزوير ثلاثية الأبعاد.. تزوير عبر تسويد بطاقات الانتخاب والعبث بها، ومن يحاول القول بأن هذا كلام مرسل.. فليجمع بطاقات الانتخاب الرسمية التى تتجاوز الآلاف من كل من حصل عليها خارج اللجان.. ثم كان التزوير خلال عمليات الفرز.. وبعدها تزوير رصد الأصوات وإعلان أسماء الناجحين أو المرشحين للإعادة.
أى أن هذه الانتخابات توفرت فيها كل عناصر الجريمة الكاملة.. وقد فاز الحزب الحاكم منذ أكثر من ٣٠ عاما.. وكأنه ليس مسؤولا عن البطالة وتدهور الأحوال الصحية للشعب وانهيار مؤسسات العلاج.. ولا مسؤولا عن زحف الأحياء العشوائية على المدن.. وكأنه غير مسؤول عن انهيار مناعة جهاز المرور فى الوطن.. ولا مسؤول عن انهيار العملية التعليمية.. فالحزب المسؤول عن عودة مصر للخلف نجح باكتساح غير عادى.. هذا لم ولن يحدث فى أى زمان أو مكان، لكنه تحول إلى نموذج يمكن للعلماء دراسته وتفسيره –إن استطاعوا– خلال السنوات الطويلة القادمة.. يبقى شىء واحد أن الحزب الوطنى الديمقراطى رفع لافتة «لا مكان لغير الفاشلين أو الفاسدين والمزورين على أرض مصر».. وغير أولئك يمكن أن نتعطف عليهم بأن نسمح لهم بالعيش بيننا.. فهذا زمن الحرس القديم والحرس الجديد اللذين اتفقا على عودة الاتحاد الاشتراكى!!
نصر القفاص - Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment