آن الأوان أن نعترف بأن المعارضة فى مصر فى محنة شديدة. نعم، إنها كبيرة الحجم وواسعة النطاق، حتى لأكاد أقول إنها تضم الغالبية الساحقة من الشعب المصرى: فغالبية الشعب المصرى تتكون اليوم من رجال ونساء ساخطين، مرهقين، ويتساءلون عن اليوم الذى يمكن أن يزيل الله فيه كربهم ويكشف غمتهم، ويعرفون جيدا أن المسئولية عن هذا الكرب وهذه الغمة تقع على النظام الحالى.
بالإضافة إلى كبر الحجم واتساع النطاق، يمكن أن نصف المعارضة المصرية أيضا بأنها غالبية الصوت. يسمع صوتها الجميع، باستثناء حفنة صغيرة جدا من أصحاب الامتيازات الجالسين على قمة النظام، والذين يتمتعون بخيرات البلد. هذه الحفنة الصغيرة لا تسمع ولا تريد أن تسمع صوت المعارضة العالى. ولكن هذا الصوت العالى، كثيرا ما يبدو وكأنه أقرب إلى الصراخ الهستيرى منه إلى النقد أو المطالبة بالإصلاح. وهذا الصراخ الهستيرى هو نفسه من الأدلة على شدة المحنة التى تعانى منها المعارضة المصرية. لقد مر على المعارضة المصرية زمن كانت فيه تنادى فعلا بالإصلاح وبمطالب محددة، وتتكلم بلهجة أكثر هدوءا وأقل حدة (هكذا أتذكر المعارضة فى السبعينيات والثمانينيات، أى منذ ثلاثين أو أربعين عاما)، ولكن المعارضة المصرية تغيرت، وطريقتها فى الكلام لم تعد كما كانت.
هذه المحنة الشديدة التى تمر بها المعارضة فى مصر ليس من الصعب تفسيرها.
1ــ هناك أولا اختفاء أى بارقة أمل لدى المعارضين فى أن يتمكنوا من الوصول إلى الحكم، أو حتى الاشتراك فيه، لتنفيذ ما يعتقدون أنه إصلاحات ضرورية. الدولة الديمقراطية تعرف ما يسمى بـ«تداول السلطة»، فلا يحتكر فيها السلطة شخص أو حزب واحد إلى الأبد. ولكن كل الأمور فى مصر تسير على مبدأ أن السلطة أبدية، وأن الذى يصل إلى الحكم يعمل كل ما فى وسعه للبقاء فيه إلى الأبد، وهذا هو ما يحدث بالفعل.
فى ظل تداول السلطة، يمكن مقارعة الحجة بالحجة، ويسعى أصحاب الرأى، والرأى المعارض، إلى تعبئة الناس فى صفهم. ولكن فى ظل احتكار السلطة يصاب المعارضون باليأس، ويفقد الناس بالتدريج ثقتهم بجدوى المعارضة أصلا. وإذ أصاب اليأس المعارضين وأنصارهم، ما أسهل أن يتحول النقد إلى سباب، وأن تتحول المطالبة بالإصلاح إلى صراخ هستيرى.
2ــ وإصرار الحكام على احتكار السلطة يصيبهم بالغلظة والقسوة فى معاملة معارضيهم، وكل من يشتبه فيه الوقوف إلى جانب المعارضة. والقسوة والغلظة تزدادان فى الحكام مع مرور الزمن بسبب اعتيادهم الجلوس على مقاعد الحكم، وطول عهدهم بما تمنحه لهم السلطة من امتيازات وبحبوحة العيش، فلا يتصورون كيف يمكن أن يأتى غيرهم ليحل محلهم، أو أن ينتقلوا هم إلى مقاعد المعارضة.
ومع طول عهدهم فى الحكم يزداد عدد المستعدين لخدمتهم، ولو لمجرد الحصول على مكافآت مادية سخية، بل ويصبح لديهم عدد كبير من الأشخاص المستعدين للقيام بمهمة ضرب المعارضين بل وتعذيبهم إذا لزم الأمر. وهذا يصيب المعارضين وأنصارهم بالخوف، فيزدادون ضعفا على ضعف.
3ــ والقانون غائب غيابا يكاد يكون تاما. بل لقد كف النظام عن التظاهر بوجوده. رجال الشرطة لا يحمون إلا الممسكين بالسلطة، ولا يقبضون إلا على من يغضب الحكام والقضاء يأتمر بأمرهم (أو هكذا يتحول الأمر بالتدريج)، فإذا حدث ووقف القضاء ضد أصحاب السلطة، تم تجاهل الحكم وكأنه لم يكن.
نعم، هناك جميعات لحقوق الإنسان، وهناك مراسلو الصحف والإذاعات الأجنبية، ولكن هذه الجمعيات محدودة القدرة وقليلة الموارد، ومن ثم اعتادت الحكومة تجاهل احتجاجاتها، والمراسلون الأجانب لهم تفضيلاتهم الخاصة وفقا لدرجة الأهمية التى يحتلها المعارض لدى الحكومات الأجنبية ووسائل إعلامها. فأهمية المعارض فى نظرهم لا تتوقف على صدق تعبيره عن مشاعر قومه، بقدر ما تتوقف على رضا الدوائر الأجنبية عنه. فإذا كان المعارض مثلا قد احتج على موقف الحكومة المصرية من معاملة الإسرائيليين لأهل غزة، فعاملته الحكومة المصرية بقسوة زائدة، لم يرد ذكر هذه المعاملات فى الجرائد والإذاعات الأجنبية مراعاة لمشاعر الإسرائيليين، وهكذا. سعيد الحظ إذن ذلك المعارض الذى يرضى عنه شعبه ووسائل الإعلام الأجنبية فى نفس الوقت، وهو شىء نادر الحدوث.
4ــ والنظام الحاكم يتلقى، فى معاملته القاسية للمعارضة المصرية، دعما قويا من بعض الحكومات الأجنبية، بالمال والسلاح ووسائل التدريب على طرق التعامل مع المعارضة، بما فى ذلك وسائل التعذيب. فالذى يخشاه النظام فى الحقيقة، ليس غضب شعبه، بل غضب القوة الأجنبية الراعية له، والتى هى سبب وجود هذا النظام أصلا. قد تتظاهر هذه القوة الأجنبية بأنها تناصر الديمقراطية وحرية الرأى، فتصدر عنها من حين لآخر تصريحات تحتوى على احتجاج مؤدب على ما تتعرض له المعارضة من قهر، والانتخابات والاستفتاءات من تزوير، وتطالب النظام بأن يصبح أكثر ديمقراطية فى المستقبل. ولكن النظام الحاكم يعرف جيدا قيمة هذه التصريحات، وأن أصحابها لا يعنون فى الحقيقة ما يقولون. وهم يبدون للنظام فى الخفاء من التأييد والدعم ما يخفونه فى تصريحاتهم العلنية ومن ثم اعتاد رجال النظام أن يتعاملوا مع هذه التصريحات بما تستحقه من لا مبالاة. انهم يعرفون وظيفتهم الحقيقية فى خدمة هذه القوة الخارجية، ويعرفون ما الذى يعجبها فى الحقيقة وما لا يعجبها، وما الذى يمكن أن يكافأوا عليه وما الذى يعرضهم فعلا للغضب.
5ـ كل هذا يزيد المعارضة المصرية ضعفا على ضعف فالخصم قوى وقاسٍ، وهو مدعوم من الخارج بقوة لا تقل قسوة، واختصامه غير مجدٍ، سواء أمام القضاء الداخلى أو أمام الرأى العام الخارجى. ولكن مما يزيد محنة المعارضة المصرية شدة، ما طرأ على جمهور المصريين أنفسهم من تغير. فالمصريون منذ زمن ليس بالقصير يعانون أزمات اقتصادية شديدة: الدخل قليل، ولا يزيد إلا ببطء، بينما الأسعار ترتفع بمعدلات كبيرة، والبطالة تزداد وتنتشر بين المتعلمين، والعثور على وظيفة تلائم ما حصله الشاب أو الشابة من تعليم أصبح من أشق الأمور. وخدمات التعليم والصحة والمواصلات التى كانت تقدمها الحكومة، يتدهور مستواها باستمرار، وهذا يستوجب اقتطاع جزء متزايد من الدخل، الذى لا يزيد أصلا إلا ببطء شديد، لتعويض هذا التدهور فى التعليم، بالانفاق على الدروس الخصوصية، وفى الصحة، باللجوء إلى العيادات الخاصة، وفى المواصلات يضطر الناس إلى تعريض أنفسهم وأولادهم وبناتهم لحوادث سيارات وقطارات يقودها رجال (وأحيانا صبية) ليسوا أقل معاناة منهم... الخ. كل هذه الهموم لا تترك للناس، متعلمين كانوا أو غير متعلمين، طاقة يمكن أن يوجهوها للاهتمام بالقضايا الوطنية أو السياسية القائمة، إذ لم يعد لدى معظم المصريين لا الوقت ولا الاستعداد النفسى للتفكير فيما يتجاوز مشاكل الحياة اليومية المتجددة باستمرار، والتى تتطلب مواجهتها جهود جبارة بل وأحيانا أعمال بطولية. هكذا يجد رجل المعارضة نفسه يوجه الكلام لأشخاص، قد يتعاطفون حقا مع ما يقول، ولكنهم لا يجدون فى أنفسهم القوة الكافية لمناصرته والوقوف بجانبه. المعارض إذن، بالإضافة إلى كل ما يواجهه من قسوة النظام، لا يجد من شعبه إلا أفرادا منهكى القوى، استبد بهم عذاب المعيشة اليومية، وأنفقوا كل قواهم فى توفير الضروريات لأولادهم وبناتهم، فلم يبق لديهم شىء يقدمونه للوطن.
6ــ ولكن دعنا نعترف أيضا بأن المعارضة المصرية، بالإضافة إلى كل ذلك، قد أصابها ضعف وهزال من نوع آخر، لا تريد الاعتراف به، وهو الضعف الفكرى. فالكلام الذى تقوله المعارضة قديم، ولا يتغير مع تغير الظروف والأحوال. ورغم أن المعارضة تبدو وكأنها تتكون من أحزاب كثيرة، ذات مواقف فكرية مختلفة، فالحقيقة أنه ليس من بينها حزب واحد يقول كلاما لم يكن يقوله بحذافيره منذ أكثر من أربعين عاما. ولكن هذا الضعف الفكرى الذى تعانى منه المعارضة المصرية، من الأهمية والخطورة بحيث يحتاج وحده إلى مقال مستقل
بالإضافة إلى كبر الحجم واتساع النطاق، يمكن أن نصف المعارضة المصرية أيضا بأنها غالبية الصوت. يسمع صوتها الجميع، باستثناء حفنة صغيرة جدا من أصحاب الامتيازات الجالسين على قمة النظام، والذين يتمتعون بخيرات البلد. هذه الحفنة الصغيرة لا تسمع ولا تريد أن تسمع صوت المعارضة العالى. ولكن هذا الصوت العالى، كثيرا ما يبدو وكأنه أقرب إلى الصراخ الهستيرى منه إلى النقد أو المطالبة بالإصلاح. وهذا الصراخ الهستيرى هو نفسه من الأدلة على شدة المحنة التى تعانى منها المعارضة المصرية. لقد مر على المعارضة المصرية زمن كانت فيه تنادى فعلا بالإصلاح وبمطالب محددة، وتتكلم بلهجة أكثر هدوءا وأقل حدة (هكذا أتذكر المعارضة فى السبعينيات والثمانينيات، أى منذ ثلاثين أو أربعين عاما)، ولكن المعارضة المصرية تغيرت، وطريقتها فى الكلام لم تعد كما كانت.
هذه المحنة الشديدة التى تمر بها المعارضة فى مصر ليس من الصعب تفسيرها.
1ــ هناك أولا اختفاء أى بارقة أمل لدى المعارضين فى أن يتمكنوا من الوصول إلى الحكم، أو حتى الاشتراك فيه، لتنفيذ ما يعتقدون أنه إصلاحات ضرورية. الدولة الديمقراطية تعرف ما يسمى بـ«تداول السلطة»، فلا يحتكر فيها السلطة شخص أو حزب واحد إلى الأبد. ولكن كل الأمور فى مصر تسير على مبدأ أن السلطة أبدية، وأن الذى يصل إلى الحكم يعمل كل ما فى وسعه للبقاء فيه إلى الأبد، وهذا هو ما يحدث بالفعل.
فى ظل تداول السلطة، يمكن مقارعة الحجة بالحجة، ويسعى أصحاب الرأى، والرأى المعارض، إلى تعبئة الناس فى صفهم. ولكن فى ظل احتكار السلطة يصاب المعارضون باليأس، ويفقد الناس بالتدريج ثقتهم بجدوى المعارضة أصلا. وإذ أصاب اليأس المعارضين وأنصارهم، ما أسهل أن يتحول النقد إلى سباب، وأن تتحول المطالبة بالإصلاح إلى صراخ هستيرى.
2ــ وإصرار الحكام على احتكار السلطة يصيبهم بالغلظة والقسوة فى معاملة معارضيهم، وكل من يشتبه فيه الوقوف إلى جانب المعارضة. والقسوة والغلظة تزدادان فى الحكام مع مرور الزمن بسبب اعتيادهم الجلوس على مقاعد الحكم، وطول عهدهم بما تمنحه لهم السلطة من امتيازات وبحبوحة العيش، فلا يتصورون كيف يمكن أن يأتى غيرهم ليحل محلهم، أو أن ينتقلوا هم إلى مقاعد المعارضة.
ومع طول عهدهم فى الحكم يزداد عدد المستعدين لخدمتهم، ولو لمجرد الحصول على مكافآت مادية سخية، بل ويصبح لديهم عدد كبير من الأشخاص المستعدين للقيام بمهمة ضرب المعارضين بل وتعذيبهم إذا لزم الأمر. وهذا يصيب المعارضين وأنصارهم بالخوف، فيزدادون ضعفا على ضعف.
3ــ والقانون غائب غيابا يكاد يكون تاما. بل لقد كف النظام عن التظاهر بوجوده. رجال الشرطة لا يحمون إلا الممسكين بالسلطة، ولا يقبضون إلا على من يغضب الحكام والقضاء يأتمر بأمرهم (أو هكذا يتحول الأمر بالتدريج)، فإذا حدث ووقف القضاء ضد أصحاب السلطة، تم تجاهل الحكم وكأنه لم يكن.
نعم، هناك جميعات لحقوق الإنسان، وهناك مراسلو الصحف والإذاعات الأجنبية، ولكن هذه الجمعيات محدودة القدرة وقليلة الموارد، ومن ثم اعتادت الحكومة تجاهل احتجاجاتها، والمراسلون الأجانب لهم تفضيلاتهم الخاصة وفقا لدرجة الأهمية التى يحتلها المعارض لدى الحكومات الأجنبية ووسائل إعلامها. فأهمية المعارض فى نظرهم لا تتوقف على صدق تعبيره عن مشاعر قومه، بقدر ما تتوقف على رضا الدوائر الأجنبية عنه. فإذا كان المعارض مثلا قد احتج على موقف الحكومة المصرية من معاملة الإسرائيليين لأهل غزة، فعاملته الحكومة المصرية بقسوة زائدة، لم يرد ذكر هذه المعاملات فى الجرائد والإذاعات الأجنبية مراعاة لمشاعر الإسرائيليين، وهكذا. سعيد الحظ إذن ذلك المعارض الذى يرضى عنه شعبه ووسائل الإعلام الأجنبية فى نفس الوقت، وهو شىء نادر الحدوث.
4ــ والنظام الحاكم يتلقى، فى معاملته القاسية للمعارضة المصرية، دعما قويا من بعض الحكومات الأجنبية، بالمال والسلاح ووسائل التدريب على طرق التعامل مع المعارضة، بما فى ذلك وسائل التعذيب. فالذى يخشاه النظام فى الحقيقة، ليس غضب شعبه، بل غضب القوة الأجنبية الراعية له، والتى هى سبب وجود هذا النظام أصلا. قد تتظاهر هذه القوة الأجنبية بأنها تناصر الديمقراطية وحرية الرأى، فتصدر عنها من حين لآخر تصريحات تحتوى على احتجاج مؤدب على ما تتعرض له المعارضة من قهر، والانتخابات والاستفتاءات من تزوير، وتطالب النظام بأن يصبح أكثر ديمقراطية فى المستقبل. ولكن النظام الحاكم يعرف جيدا قيمة هذه التصريحات، وأن أصحابها لا يعنون فى الحقيقة ما يقولون. وهم يبدون للنظام فى الخفاء من التأييد والدعم ما يخفونه فى تصريحاتهم العلنية ومن ثم اعتاد رجال النظام أن يتعاملوا مع هذه التصريحات بما تستحقه من لا مبالاة. انهم يعرفون وظيفتهم الحقيقية فى خدمة هذه القوة الخارجية، ويعرفون ما الذى يعجبها فى الحقيقة وما لا يعجبها، وما الذى يمكن أن يكافأوا عليه وما الذى يعرضهم فعلا للغضب.
5ـ كل هذا يزيد المعارضة المصرية ضعفا على ضعف فالخصم قوى وقاسٍ، وهو مدعوم من الخارج بقوة لا تقل قسوة، واختصامه غير مجدٍ، سواء أمام القضاء الداخلى أو أمام الرأى العام الخارجى. ولكن مما يزيد محنة المعارضة المصرية شدة، ما طرأ على جمهور المصريين أنفسهم من تغير. فالمصريون منذ زمن ليس بالقصير يعانون أزمات اقتصادية شديدة: الدخل قليل، ولا يزيد إلا ببطء، بينما الأسعار ترتفع بمعدلات كبيرة، والبطالة تزداد وتنتشر بين المتعلمين، والعثور على وظيفة تلائم ما حصله الشاب أو الشابة من تعليم أصبح من أشق الأمور. وخدمات التعليم والصحة والمواصلات التى كانت تقدمها الحكومة، يتدهور مستواها باستمرار، وهذا يستوجب اقتطاع جزء متزايد من الدخل، الذى لا يزيد أصلا إلا ببطء شديد، لتعويض هذا التدهور فى التعليم، بالانفاق على الدروس الخصوصية، وفى الصحة، باللجوء إلى العيادات الخاصة، وفى المواصلات يضطر الناس إلى تعريض أنفسهم وأولادهم وبناتهم لحوادث سيارات وقطارات يقودها رجال (وأحيانا صبية) ليسوا أقل معاناة منهم... الخ. كل هذه الهموم لا تترك للناس، متعلمين كانوا أو غير متعلمين، طاقة يمكن أن يوجهوها للاهتمام بالقضايا الوطنية أو السياسية القائمة، إذ لم يعد لدى معظم المصريين لا الوقت ولا الاستعداد النفسى للتفكير فيما يتجاوز مشاكل الحياة اليومية المتجددة باستمرار، والتى تتطلب مواجهتها جهود جبارة بل وأحيانا أعمال بطولية. هكذا يجد رجل المعارضة نفسه يوجه الكلام لأشخاص، قد يتعاطفون حقا مع ما يقول، ولكنهم لا يجدون فى أنفسهم القوة الكافية لمناصرته والوقوف بجانبه. المعارض إذن، بالإضافة إلى كل ما يواجهه من قسوة النظام، لا يجد من شعبه إلا أفرادا منهكى القوى، استبد بهم عذاب المعيشة اليومية، وأنفقوا كل قواهم فى توفير الضروريات لأولادهم وبناتهم، فلم يبق لديهم شىء يقدمونه للوطن.
6ــ ولكن دعنا نعترف أيضا بأن المعارضة المصرية، بالإضافة إلى كل ذلك، قد أصابها ضعف وهزال من نوع آخر، لا تريد الاعتراف به، وهو الضعف الفكرى. فالكلام الذى تقوله المعارضة قديم، ولا يتغير مع تغير الظروف والأحوال. ورغم أن المعارضة تبدو وكأنها تتكون من أحزاب كثيرة، ذات مواقف فكرية مختلفة، فالحقيقة أنه ليس من بينها حزب واحد يقول كلاما لم يكن يقوله بحذافيره منذ أكثر من أربعين عاما. ولكن هذا الضعف الفكرى الذى تعانى منه المعارضة المصرية، من الأهمية والخطورة بحيث يحتاج وحده إلى مقال مستقل
بقلم جلال أمين
No comments:
Post a Comment