فقد استطاعت الأجهزة أن تقضي علي جماعات الإرهاب المسلح حتي انسحب سن الرمح المغروس في عنق البلد لكنها شجعت ودعمت وتحالفت بل خلقت أحيانًا جماعات التطرف والتعصب الديني الذي ظل موجودًا وباقيًا بل زاهرًا ومزدهرًا.
كيف حدث هذا؟
اصبر لأشرح!
وهي كذلك نجحت في السيطرة الكاملة علي أحزاب المعارضة، وبرعت في تجنيد معظم قياداتها، واستطاعت أن تحكم من مكتب إدارة الأحزاب في أمن الدولة معظم أحزاب المعارضة الرسمية، فتعين أمناءها وتلف رؤوس رجالها وتصنع انشقاقاتها، لكنها في الوقت نفسه وهي تضعضع هذه الأحزاب كانت تفتح الملعب واسعًا ورحبًا لجماعة الإخوان المسلمين لتبدو المعارض الحقيقي الوحيد وتستفرد بتعاطف الشعب الذي اكتشف أن أحزاب المعارضة متباعة ومجندة!
متي جري ذلك؟
تأمل لتدرك!
الدولة لا تري أمامها إلا استقرار الكرسي والإبقاء علي مقعد الحكم بعيدًا عن التهديد ولهذا فقد تركت لأجهزة الأمن مهمة إدارة الحياة السياسية في مصر، ومهما كان رجل الأمن فهو رجل أمن وهذا ما دفعه إلي أن ينهي مشكلة الإرهاب بأي ثمن بما فيه ثمن استمرار الإرهاب الفكري مقابل نزع خطر الإرهاب المسلح، فكان أن شجع الأمن الجماعات الإسلامية علي المراجعة الفكرية فيما يخص بندًا واحدًا وهو مواجهة الدولة بالسلاح وتغيير الحكم بالعنف بينما بقيت خميرة التطرف قوية وأساسية، ثم ركزت الدولة جهودها في دعم ورعاية التيار السلفي وجماعات السلفيين ودعاتهم في الجوامع والفضائيات لأنهم يسكتون عن الدولة ويوجهون حمولتهم الدعائية والتحريضية خارجها، لكن الذي يبدو أنه لا يهم الدولة أن هذا التطرف تحول من التوجه للحكومة إلي استهداف الأقباط وأصحاب المذاهب والأديان الأخري، وانتشرت حرائق الكنائس وبيوت البهائيين في القري، وتحول إسلام قبطيات إلي معارك دينية، وتناثرت علي خريطة مصر نقاط متفجرة من الفتنة الطائفية تهدد الاستقرار فعلا، خصوصًا أن علاجها يتم بالطريقة الأمنية التقليدية التي جعلت الجماعات والسلفيين يتهمون الحكومة صراحة بالانحياز للكنيسة، ويبدو أن الدولة التي تسعد جدًا بأن السلفيين لا ينظمون مظاهرات ووقفات تطالب بالإصلاح السياسي أو تهاجم الحزب الوطني ورموزه إذا بها تري وقفات ومظاهرات ضد الكنيسة.
أقول إن ما فعله الأمن نصر مهزوم لأن المظاهرات السياسية طبيعية بل مطلوبة وحتي بالمفهوم الأمني أرحم ألف مرة من المظاهرات الطائفية!
علي الناحية الأخري فإن الدولة التي دفنت أحزاب المعارضة وباتت فخورة جدًا وتهلل لضباط أمن الدولة أنهم أكرموا مثواها قد سلمت أرض السياسة لخصمها اللدود وهو جماعة الإخوان وحين عادت الدولة لتحاول استخدام أحزاب المعارضة كان معظمها قد فقد مصداقيته بل فقد شرفه بحيث لم يعد قادرًا علي تمثيل دوره في المسرحية!
مشكلة النظام أنه ينجح في الفشل ويخسر في كل المعارك التي يظن أنه يكسبها!
- الدستور
No comments:
Post a Comment