في شهر أكتوبر من العام الماضي وعلي مدي أربع حلقات متتالية من سلسلة «الأمور المسكوت عنها» بعنوان «العقاب الجماعي للمواطنين = الاضطهاد» استعرضت محتويات ملف يقطر عذاباً ومرارة ورد لي من مطرانية مغاغة والعدوة بمحافظة المنيا. الملف يعدد جميع أشكال معاناة أقباط المنيا مع السلطات الإدارية والأمنية في المحافظة بالنسبة لإجراءات ترخيص بناء الكنائس والجمعيات وحتي تعنت هذه السلطات معهم في الترخيص لبناء المساكن الخاصة بعد أن اتهمتهم سلفاً بأن كل مسكن يراد بناؤه تكون النية مبيتة لتحويله إلي كنيسة!!!
وكان من شدة قسوة وصلف وشيوع هذا المسلك المعادي للأقباط أن بات المشهد أشبه بسياسات العقاب الجماعي للسكان، فالتفاصيل التي عرضتها آنذاك قرينة كل حالة كانت تفضح جبروت السلطة وإمعانها في تعقيد الإجراءات والتسويف والمماطلة في مراجعة الأوراق حتي إذا أحرجت برضوخ الضحية واستيفائها لكل المتطلبات مرة تلو أخري، لا تجد أمامها مهرباً من الموافقة سوي التعنت والرفض غير المسببين... وكانت واحدة من الحالات الصارخة التي يتضمنها الملف ويجأر منها بالشكوي أقباط المطرانية مشكلة بناء المبني الجديد للمطرانية بعد أن تردت حالة المبني القديم وأصبحت تشكل خطورة شديدة علي مرتاديه، فتم استصدار قرار من جانب اللجنة الهندسية التابعة للمحافظة والتي تولت فحصه بضرورة هدمه لعدم جدوي ترميمه... وعبثًا حاول نيافة الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، إقناع محافظ المنيا بالموافقة علي إصدار ترخيص البناء لمبني جديد للمطرانية يحل محل المبني القديم المتداعي ويقام علي أرض جديدة مجاورة قامت المطرانية بشرائها، إلا أن المحافظ رفض تمامًا دون سبب مفهوم، وعندما تدخلت جهات عديدة لمحاول إنهاء الأمر صرح المحافظ بأنه لا يمكن أن يوافق علي وجود كنيستين متجاورتين في شارع واحد(!!!)... وبغض النظر عن أن المجال لا يتسع هنا لمناقشة هذا التسلط البشع الذي لا يستند إلي تشريع أو قانون، اضطر الأسقف إلي الرضوخ والامتثال لضغوط المحافظ في ضرورة هدم المبني القديم وإزالته قبل التصريح بإقامة المبني الجديد، بالرغم من أن ذلك يستتبع إرغام الأقباط الذين اعتادوا الصلاة في المبني القديم علي الصلاة في خيمة مقامة في العراء لحين إتمام بناء المبني الجديد!!!... وتساءل الجميع: لماذا لا تحتفظ المطرانية بالمبني القديم الذي لم يكن يقتصر علي الكنيسة وحدها إنما كان يضم مكاتب المطرانية وسكن الأسقف، حتي إذا ما انتهي بناء المبني الجديد ينتقل النشاط إليه ويتم هدم المبني القديم؟...لكن تأتي الإجابة صادمة بأن السلطات لا تأتمن الأقباط علي تنفيذ ذلك بالرغم من تعهدهم كتابة، فكان ينبغي تجريدهم من كنيستهم أولاً قبل السماح لهم ببناء واحدة جديدة غيرها!!!
وطبعًَا كان يجب أن ينسحب الأمر أيضاً علي سكن الأسقف وعليه أن يتدبر أمره لئلا يبيت في العراء!!!
هذه المأساة التي تفيض إذلالاً وهواناً للأقباط لا تزال فصولها تتوالي في محافظة المنيا...فبعد رضوخ الأسقف لجبروت المحافظ تم عقد اجتماع رسمي منذ نحو خمسة أشهر حضره المحافظ ورجال أمن الدولة وأعضاء مجلسي الشعب والشوري عن الدائرة، ومن جانب المطرانية حضره الأسقف الأنبا أغاثون وعدد من الآباء الكهنة وأعضاء المجلس الملي، حيث تم الوصول إلي اتفاق مكتوب باستخراج تراخيص بناء مبني المطرانية الجديد بعد أن قامت المطرانية بتنفيذ التزامها بهدم المبني القديم للكنيسة الآيلة للسقوط بتاريخ 16مارس الماضي والاكتفاء مؤقتًا بالصلاة في خيمة مقامة فوق الأرض الفضاء التي خلت بهدم المبني...أما عن ملحق سكن الأسقف فقد تم الإبقاء عليه بعلم المحافظ ريثما يتدبر أمره في سكن بديل. «وياريته بعد كل ده عاجب»!!! هكذا يتحسر أقباط مطرانية مغاغة والعدوة.. فها قد انقضت أربعة أشهر علي تحملهم مشقة الصلاة في خيمة يحدوهم الأمل في بدء إقامة المبني الجديد للمطرانية، لكن مرت الأيام والأسابيع والشهور دون صدور الترخيص ودون ظهور أي بوادر للبناء، وكلما تساءل الشعب عن الأمر كان الأسقف والآباء الكهنة يكتمون هواجسهم ومرارتهم ويؤكدون للجميع أن الترخيص في سبيله إلي الصدور وأن المحافظ وعد بذلك... لكن الحقيقة التي كانوا يتوجسون منها أنه لا توجد أي بوادر علي تحرك الأوراق وأن الأجهزة المسئولة غير عاكفة علي إنهاء إجراءات الترخيص!!
وعندما تيقن الأسقف من أنه كان ضحية خدعة من السلطات التي أجبرته علي هدم المبني القديم ولم تقدم له ترخيص المبني البديل، دعا لاجتماع طارئ لمجمع كهنة الأسقفية انعقد في الخيمة المؤقتة في» يوليو الماضي، حيث أصدر مجمع الكهنة استغاثة جماعية للتظلم من هذا الغبن والصلف من جانب المحافظ تم رفعها إلي سائر المسئولين بالدولة...وتتضمن الاستغاثة أن محافظ المنيا أوقف إجراءات إصدار التراخيص لكنيسة المطرانية بالرغم من قيام المطرانية بسداد الرسوم المطلوبة واستيفاء الأوراق، وعلمًا بأن نشاط المطرانية في كنيستها وإداراتها يستمر في العراء داخل الخيمة المؤقتة....
هذه المأساة أعرف أنها أرسلت إلي المسئولين في الدولة، لكنني أعرضها لأسجل فصلاً جديداً في مسلسل العقاب الجماعي للسكان ولأهديها إلي المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي بح صوته من أجل إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة الذي كان من شأنه لو صدر أن يعطي مطرانية مغاغة والعدوة الحق في المضي في بناء مبناها الجديد دون الحاجة إلي مواجهة إذلال وتسلط محافظ المنيا... ولا يفوتني أن أهديها أيضا إلي كل من تشدقوا بعدم ملاءمة صدور القانون الموحد لبناء دور العبادة في هذه الظروف - ولست أعرف ما هي الظروف المواتية لإصداره - بعد أن بلغ عمره قابعا داخل أروقة مجلس الشعب ست سنوات لكن هذه قصة أخري
يوسف سيدهم- الدستور
No comments:
Post a Comment