ثلاث دول عربية تطرح نفسها بقوة على قائمة توريث الحكم، عبر تحويل النظام الجمهورى إلى ملكى.. مصر وليبيا واليمن هى الدول التى تحمل نماذج للتوريث، تمشى على خطى ما شهدته سوريا بعد رحيل حافظ الأسد، وتولى ابنه بشار الرئاسة عام ٢٠٠٠.
يقترب الباحث الأمريكى دانييل بايمان من هذه الظاهرة، ويقدم رصداً وافياً للأوضاع السياسية، وسيرة أبناء رؤساء الدول الثلاث: جمال مبارك وسيف الإسلام القذافى، وأحمد على عبدالله صالح، وجهودهم المعلنة والمخفية لوراثة السلطة، بل يحلل نفيهم لهذا الأمر، وما يشوبه من مفارقات تؤكد حدوث التوريث أكثر مما تستبعده،
كما يطرح فرص كل وريث، والصراعات التى يخوضها، والكتل التى يستند إليها، وموقف النخب المثقفة والشعب منه. تنشر «المصرى اليوم» ترجمة هذا المقال على حلقتين لتقدم وجهة نظر غربية لمخططات التوريث فى الدول العربية وإمكانيات نجاحها أو فشلها.
جمال مبارك وسيف الإسلام القذافى وأحمد على عبدالله صالح
ولاة العهد الجدد يقدمون أنفسهم كمعارضين من داخل البيت الرئاسى
ربما يكون الصحفيون والكتاب الأجانب أكثر صراحة ودقة منا عندما يوصّفون «حالة الديمقراطية» فى بلادنا، دانييل بايمان الأستاذ فى كلية الشؤون الخارجية بجورج تاون والباحث فى مركز سابان بمعهد بروكينجز لسياسات الشرق الأوسط أحد هؤلاء.. تحت عنوان «آخر أيام السلاطين» كتب بايمان عن مشاريع توريث السلطة فى مصر وليبيا واليمن..
مقالاً مطولاً بمجلة «ناشيونال إنترست» (المصالح القومية) نصف الشهرية والتى تصدر عن مركز نيكسون ويرأس مجلس إدارتها وزير الدفاع الأمريكى الأسبق جيمس شليزنجر ويمثل وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر رئيسها الفخرى..
وربما يكون اسم المجلة الأمريكية «المصالح القومية» موحيا بالطريقة الأمثل لقراءة المقال.. فصاحبه ينطلق بالأساس من رؤية الظاهرة السياسية العربية وفقا لمدى تأثيرها على المصالح الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وليس شعوب ومجتمعات الدول العربية المعنية.. ربما يكون فى خلفيته الثقافية انحياز لحقوق الإنسان وحرية التعبير ومبادئ الديمقراطية، لكنه يستهدف رسم صورة وتقديم نصيحة لصانع القرار الأمريكى..
فقد عمل من قبل مستشارا للحكومة الأمريكية فى شؤون الشرق الأوسط.. ويستطيع القارئ الفطن أن ينتبه لدوافع الكاتب حين يتحدث عن السياسة الخارجية المحتملة إذا ما تولى من يسميهم «ولاة العهد الجدد» السلطة فى الدول الثلاث..
فى الجزء الأول يتناول بايمان طريقة تقديم أبناء القادة لأنفسهم «كمعارضين من داخل البيوت الرئاسية»، ومدى توافقها مع الخطاب الغربى فى مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية، لافتا الانتباه إلى التشابه بينهم فى أنهم جميعا تلقوا تعليما غربيا، وأنهم أقاموا مؤسسات خيرية تلقى دعما معنويا وماديا أحيانا من الخارج، ويحلل علاقتهم بالقوى السياسية الفاعلة فى الداخل، وحجم الرضا الذى يحظون به فى الأجهزة الأمنية..
وفى الجزء الثانى من المقال المطول يوضح الكاتب كيف تحتاط الأنظمة للتغيير أملا فى البقاء من خلال ربط شريحة كبيرة من الطبقة العاملة ورجال الأعمال وقادة القبائل بمصالحها،
ويرجح احتمال نجاح السيناريو فى مصر وليبيا عنه فى اليمن، ويؤكد على محدودية التأثير الأمريكي، ويقدم نصائحه فى هذا الإطار مسترشدا بالحالة السورية الأولى والوحيدة حتى الآن فى العالم العربى لتحول جمهورية إلى «ملكية» بالأمر الواقع.. وإلى نص المقال..
فى شوارع طرابلس تطل صور زعيم الثورة الليبية معمر القذافى.. على اللوحات الإعلانية الضخمة وسلاسل المفاتيح الصغيرة تجد «القائد»- كما يحلو لليبيين تسمية زعيمهم- فى كل مكان، ويكاد يكون من المستحيل أن يتصور الليبيون حياتهم دونه: القذافى استولى على السلطة منذ أكثر من أربعين عاما، وهو الآن أقدم حاكم «غير ملكى» فى العالم، فى شبابه دافع عن القضايا الثورية، وطبق ما اعتبره نموذجا إسلاميا من الاشتراكية ممتزجة بالقومية العربية،
وصك القذافى تعبير «الجماهيرية» أى «دولة الجماهير» لوصف النظام الليبي، لكن ليبيا- رغم هذا المزيج من المساواة والإخاء- أصبحت فى الواقع العملى ملكية وراثية فى ظل بروز نجل القذافى سيف الإسلام كوريث للعرش. ورغم أن ليبيا تعد دائما استثناء فى سياساتها، لكنها فى هذا التحول الملكى ليست وحدها: فتحول ما يسمى الأنظمة الجمهورية إلى الملكية اتجاه هو للأسف فى العالم العربى، نحو ما يسميه البعض الجمهولكية.
والواقع أن معظم العالم العربى مازال بعيدا عن الانتقال الديمقراطى للسلطة، ومن مفارقات القدر أن القادة العسكريين فى الخمسينيات هم الذين أطاحوا بالملوك- بدءا من مصر التى مثلت نموذجا للآخرين- ثم اليمن وليبيا.. تمرد الثوار على العائلات المالكة المنعزلة عن إرادات الشعوب، لكن الأنظمة العربية أنتجت مجموعة من القادة يفضلون الاستقرار عن الدينامية الثورية.
سوريا معقل القومية العربية هى أول جمهورية عربية تتحول فى الواقع إلى ملكية؛ عندما تولى بشار الأسد الحكم عام ٢٠٠٠ خلفا لوالده حافظ الأسد الذى حكم ما يقرب من ثلاثين عاما، ومن المنتظر أن تستمر تلك الظاهرة.. فى مصر يعتبر حسنى مبارك صاحب أطول فترة حكم منذ القرن التاسع عشر، وهو فى الثانية والثمانين من عمره، وقد سعى لوضع ابنه جمال بجوار عرشه، وبينما كانت فرصة جمال فى تولى السلطة محدودة للغاية قبل عشر سنوات،
أصبحت الآن أكبر كثيرا، وكذلك الحال مع على عبد الله صالح الذى تولى حكم اليمن فى ١٩٧٨، ورغم غموض السياسة اليمنية إلا أن ابنه أحمد ينافس على السلطة، (ولو لم يحدث غزو العراق فى ٢٠٠٣ لأمكن وضعها فى هذه القائمة، فقد كان صدام حسين يعد أبناءه لتولى السلطة أيضا)، وإذا غاب مبارك والقذافى (٦٨ عاما) وعلى صالح (٦٥ عاما) أو أصبحوا غير قادرين على مهام مناصبهم فى السنوات المقبلة ستكون الملكية الوراثية هى النمط المهيمن على أنظمة الحكم فى العالم العربى.. عمليا.
القادة الجدد يحلون محل مجموعة من الحكام المستبدين هم فى أحسن الأحوال متصلبون (مثل مبارك)، وضعاف يتسمون بالفظاظة فى كثير من الأحيان (مثل على صالح)، وغريبو الأطوار أحيانا أخرى (مثل القذافى)، هذه الأنظمة جميعا ديكتاتورية وقد عانت لعقود من ركود نموها الاقتصادى، وسيطر الفساد على حكوماتها..
مصر التى كانت من قبل قيادة ثقافية وسياسية للعالم العربى، تشهد الآن مزيدا من التهميش فى مقابل الدول العربية ذات الثروة النفطية والأكثر ديناميكية وانفتاحا على العالم، أما ليبيا.. فرغم إيراداتها النفطية فإن لديها شعوراً قويا بالإحباط يشبه شعور دول الكتلة السوفيتية السابقة، مع خليط من البنى التحتية المتداعية والإجراءات الأمنية المرهقة، وفى اليمن تزداد الفوضى بينما تنفذ بإطراد احتياطياتها النفطية المحدودة.
ويأمل المراقبون الغربيون أن تشهد تلك الدول تحولا إيجابيا جديدا، حتى ولو كان من داخل «العائلات المالكة» يمكنه تحسين الأحوال السيئة، يغذى هذا التفاؤل أن هؤلاء القادة المحتملين ينتمون للغرب أكثر مما ينتمون لآبائهم، يتحدثون الإنجليزية وحاصلون على شهادات من الجامعات الغربية،
ويعرفون جيدا خصوصيات وعموميات الأنظمة المالية الحديثة، على أقل تقدير هؤلاء الورثة الجدد يتكلمون لغة حديثة، وغالبا ما ينخدع الغربيون بأنهم لا يملكون عقليات تآمرية مثل من سيحلون محلهم.. الورثة الجدد يقدمون خطابا رنانا عن ضرورة الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعي، على الرغم من أن أيا منهم لم يصعد من داخل القوات المسلحة وخلفياتهم العسكرية ضعيفة، وهم فى الحقيقة مجرد شخصيات مصنوعة إعلاميا يقدمون أنفسهم ببراعة لجيل من الشباب الذى استفاد من الرأسمالية الفاسدة لآبائهم.
جمال مبارك تعلم فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وعمل لفترة مديرا استثماريا فى بنك أوف أمريكا فى لندن، فى خطابه المعلن أكد جمال على أهمية النمو الاقتصادى والانفتاح وتشجيع إجراءات حرية التجارة مثل تخفيض قيمة الجنيه المصري، وفى حواراته مع صحف غربية يشيد جمال بمارجريت تاتشر لأنها أحدثت تحولا اقتصاديا فى المملكة المتحدة،
وهو أيضا أسس جمعية جيل المستقبل لتعزيز الأدوار الاقتصادية والسياسية لجيل جديد من شباب المصريين، وأدار شركة أسهم خاصة، وفى ٢٠٠٠ أصبح قياديا فى الحزب الوطنى الحاكم، أداة النظام لإدارة البلاد والسيطرة على البرلمان، وأصبح جمال فى واقع الأمر رئيس الحزب، وبعد ثلاثة أعوام تبنى تشريعات لتحسين حقوق الإنسان وإلغاء محاكم أمن الدولة، وهو عموما يقدم نفسه كإصلاحي، ويركز باستمرار على احتياجات وآمال الجيل الجديد، وقد حاول مؤخرا رفع مكانته الأمنية من خلال مرافقة عدد من الجنرالات فى مناسبات عامة.
وضع جمال يشبه إلى حد كبير وضع سيف الإسلام الابن الأكبر للقذافى من زوجته الثانية، فمنذ أن انتهى الزواج الأول للأخ القائد بالطلاق ارتقى سيف الإسلام إلى أعلى هرم الأسرة، وهو أيضا تعلم تعليما غربيا حتى حصل على درجة الدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد، ومن خلال مؤسسة القذافى التى يديرها سعى إلى حل نزاعات دولية وأطلق خطابا عن حقوق الإنسان،
وبشكل ما- كما يقول العربى صديقى الأستاذ بجامعة إكستر- «يقوم سيف الإسلام بوظيفة المعارضة الموالية»، ويمكنك أن تنتقد سيف على صفحته على الفيس بوك، وخطابه السياسى ملىء بالتعبيرات الرنانة التى تستهدف مخاطبة الجمهور الغربي: يدعو إلى خفض الضرائب إلى ١٥ فى المائة،
ويدعم مشاريع لمواجهة التغير المناخى، وأطروحته لنيل الدكتوراه تستخدم مصطلحات رائعة مثل «المجتمع المدنى» و«الحكم العالمى» و«الديمقراطية»، وانتقد علنا إنكار الهولوكوست وقال إن «ليبيا ليس لديها مشاكل فى التعامل مع إسرائيل» والأهم أنه دفع ليبيا للتخلى عن برنامجها النووى، وعندما سأله صحفى غربى عن مدى الحرية التى يجب أن يتمتع بها الليبيون، قال سيف «أتحدث عن مستوى الحرية فى هولندا مثلا».
فى الداخل دفع سيف باتجاه الإصلاح الاقتصادى ودعم جهود مكافحة إدمان المخدرات، وفى واحدة من أكثر حملاته جرأة حاول إضعاف سلطة اللجان الثورية الليبية، وهى سلطة بيروقراطية قوية مهمتها تأمين ثورة القذافى وتقف عقبة فى طريق أى إصلاحات بشأن السوق الحرة والتقارب مع الغرب، وترفض أى انتقادات ضمنية لسياسات القائد السابقة، وقد تورطت هذه اللجان فى عدد من أفظع انتهاكات حقوق الإنسان فى ليبيا فى التسعينيات عندما أدت التهديدات التى يتعرض لها النظام إلى أعمال قمع دموية، وساهم سيف الإسلام أيضا فى برنامج لإعادة تأهيل «الإرهابيين»، وعمل مبعوثا للنظام،
ولعب دورا رئيسيا فى الإفراج عن الرهائن الغربيين فى الفلبين، وحل مشاكل ليبيا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بخصوص تفجير طائرة بان أميركان فوق لوكيربى عام ١٩٨٨ الذى أودى بحياة ٢١٧ شخصا، وبينما أكسبته هذه الجهود تأييدا وقبولا فى الخارج، ساعد دوره فى استعادة أحد المتهمين بارتكاب العملية من سجنه فى أسكتلندا على تعزيز مصداقيته فى الداخل، ويسيطر أنصار سيف على المفاتيح الاقتصادية والأمنية فى ليبيا ويرسخون سلطته.
أحمد على عبدالله صالح فى اليمن يبدو أضعف أولياء العهود المحتملين، فقد فشل فى إعطاء انطباع إيجابى عنه كعضو فى مجلس النواب عام ١٩٩٧، وهو يرأس الحرس الجمهورى والقوات الخاصة، لكنه لا يحظى بتأييد كبير فى الجيش لأنه لا يظهر الاحترام الواجب لكبار الضباط، وربما كان حتميا أن يرأس أيضا منظمة غير حكومية- هى مؤسسة الصالح الاجتماعية الخيرية للتنمية المسؤولة عن بناء جامع الصالح الكبير، ودعم الأوليمبياد اليمنى الخاص وأنشطة خيرية أخرى مثل تقديم الخدمات الطبية لليمنيين- وقد لعب أحمد دوره فى المنظمة من أجل الإعلام، ويرى منتقدوه أنها مجرد محاولة لشق طريقه إلى المساعدات الإنسانية الأجنبية القادمة إلى اليمن.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت النخب اليمنية ستقبل أحمد بن عبدالله صالح خلفا لوالده، وكما يشير باراك بارفى أحد الخبراء فى الشؤون اليمنية: يفتقر أحمد للقوة المناسبة وليس ذكيا بما فيه الكفاية، ورغم أنه يمد يديه فى الشؤون السياسية والعسكرية والتجارية فإنه أثبت أنه غير قادر على إدارة المهام الموكلة إليه، وعلاوة على ذلك لا يتمتع ببعد نظر والده ولا يفهم جيدا طبيعة القبائل اليمنية، وضرورة التلاعب بعناصر المجتمع المختلفة ضد بعضها البعض من أجل البقاء وسط بيئة سياسية مضطربة.
وحتى الآن ورغم كل ذلك دشن أحمد نفسه فى بنية السلطة فى اليمن وهو يحظى بدعم قبيلة والده حاشد.
ضعف أحمد يثير القلق لأن أى خليفة فى اليمن سيواجه تحديات كبيرة، وبعض هذه المخاطر يهدد أمن الولايات المتحدة مباشرة، فى الشمال، والجنوب يهدد المتمردون سلطة الحكومة، وتنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية متمركز فى اليمن، ويستغل ضعف سيطرة الحكومة المركزية على أنحاء البلاد، ويهاجم باستمرار أهدافاً حكومية وينفذ أفراده مؤامرات خارج حدود البلاد، وقد حاول أحمد الاستفادة من ضعف أداء القادة العسكريين الذين يؤيدون غريمه فى السلطة بهدف توسيع دوره ونفوذه، لكن هذه الألاعيب ستعوق جهود إصلاح الجيش اليمنى لمكافحة القاعدة وإخماد التمرد فى البلاد.
وبطبيعة الحال ليس هناك شىء مؤكد تماما، فالمصريون يتحدثون منذ فترة طويلة عن اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العسكرية، كرئيس بديل، وتضج مصر الآن بالحديث عن محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة والحائز على جائزة نوبل كمنافس على الرئاسة، والذى بلغ عدد أنصاره على الـ«فيس بوك» عشرة أضعاف أنصار جمال مبارك، وفى ليبيا يتم التركيز فى الغالب على المعتصم القذافى أخو سيف الإسلام، وفى اليمن يتمتع اللواء على محسن الأحمر القائد العسكرى البارز بنفوذ كبير ويعارض خلافة أحمد لوالده، ويدور الحديث أيضا عن شخصيات أخرى فى عائلة على عبدالله صالح كورثة محتملين.
وكثيرا ما يستبعد القادة وكبار المسؤولين السياسيين وحتى المرشحون للخلافة أنفسهم فكرة توريث الحكم، ففى فترة إعداد بشار الأسد لتولى السلطة فى سوريا بعد مرض والده قال الرئيس مبارك بوضوح إن ذلك لا يمكن أن يحدث فى مصر»، مشيرا إلى «أن مصر ليست ملكية»، والرئيس اليمنى أيضا ينفى تحضير ابنه لخلافته، وسيف الإسلام سخر أيضا من انتقال السلطة وراثيا،
وقال إن منصب والده «ليس مزرعة لكى يرثها»، وبتفصيل كوميدى أيضا أشار سيف إلى أن «ابن مايك تايسون ليس ملاكما عظيما وابن بيتهوفن لم يكن عبقرية موسيقية»، (وهى جملة ربما تكون موحية بمدى الجدية التى يجب أن نعطيها لمثل هذا الخطاب، إذا وضعنا فى الاعتبار أن بيتهوفن لم ينجب أى أطفال): «يمكنك أن ترث منزلا أو سيارة من والدك، لكنك لا ترث القيادة».
لكن الإنكار يوحى بالعكس تماما، فكل الدلائل تشير إلى أن هؤلاء الورثة يستعدون بالفعل لتولى السلطة، على مدى العقد الماضى أسس جمال مبارك وضعه السياسى وروّج لاسمه جماهيريا من خلال تغطيات الصحف الحكومية لأحاديثه حول السياسة الاقتصادية والخارجية على فترات منتظمة، وقد ضمت التشكيلة الوزارية فى ٢٠٠٤ العديد من المقربين من جمال فى مناصب اقتصادية مهمة، والأهم من ذلك أن والده استبعد قادة عسكريين وسياسيين أصحاب سيرة مهنية محترمة قد تجعلهم منافسين أقوياء لابنه.
أما سيف الإسلام فأطلق قناة تليفزيونية لتدعم وتروج صورته العامة فى ليبيا وفى الخارج من خلال عمله فى مؤسسة القذافى وجهوده لتحسين الصورة السائدة فى الخارج عن ليبيا كدولة راعية للإرهاب، وساعد على تعيين شخصيات يشاركونه رؤيته للتحديث فى الحكومة.
ورغم أن أحمد صالح هو أضعف المرشحين الثلاثة، لكنه نجح فى اختراق الجيش اليمنى ومجتمع رجال الأعمال والأوساط الحكومية، بينما يحتل أفراد أسرته مناصب مهمة فى أجهزة الأمن، بما يعنى- نظريا على الأقل- أن وضعه يزداد قوة عاما بعد عام.
وخلاصة القول أن الورثة سيتولون السلطة مهما كان سخط النخب السياسية أو المواطنين العاديين فى مصر وليبيا واليمن، ومع ذلك لا يستطيع أى من الورثة الجدد -بغض النظر عن أنسابهم والمنابر التى يتحركون منها- تجاوز الأساليب القديمة بسهولة، وسيتعيّن عليهم أن يتغلبوا على المشاكل الناجمة عن رسوخ مصالح الجيش والنخبة والولاءات القبلية والمحسوبية والفساد، فنجاح الإصلاح السياسى يقتضى ما هو أكثر من مجرد وجه جديد للسلطة، بل يتطلب مراجعة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية فى السنوات الأربعين الماضية.
أيمن شرف- المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment