Friday, July 02, 2010

السيد البدوى.. ويحيا الوفد ولو فيها رفد

إن جزءاً من الحَراك السياسى الذى تشهده مصر فى الآونة الأخيرة، هو انتعاش حزب الوفد، فى ظل قيادة جديدة، ومنتخبة بالإرادة الحُرة، لأعضاء الهيئة الوفدية العُليا، التى تمثل البرلمان الداخلى للحزب. وينبغى على القوى السياسية الأخرى فى مصر، بما فيها الحزب الوطنى الحاكم، بزعامة الرئيس مُبارك، الاحتفاء بهذا الانتعاش، الذى طرأ على حزب الوفد، والذى يُبشر باستعادة مصر ديمقراطية تعددية حقيقية، بعد غياب تجاوز ستة عقود.

إن المُخضرمين، من أبناء مصر، يتذكّرون جيداً، أن كل أسرة مصرية متوسطة الحجم والحال، لا بد أنها كانت تحتوى على عنصر وفدى. بل كان معظم من يعملون فى أجهزة الدولة المصرية، وفديين، جهراً أو سراً.

وكان بعض من يجهرون بذلك يتعرضون للإيذاء، بواسطة حكومات الأقلية، التى كان يدعمها الإنجليز أو القصر الملكى، خلال العقود الأربعة الفاصلة بين ثورتى ١٩١٩ و١٩٥٢. بل كان هذا الإيذاء نفسه، وراء الهتاف ذائع الصيت فى تلك العقود الخوالى، الذى كان يُردّده كثير من موظفى الدولة فى المُظاهرات، وهو «يحيا الوفد ولو فيها رفد»!

طافت بذاكرتى تلك الخواطر، حينما رأيت فى الصُحف المصرية، صورة كل من د. محمود أباظة، الرئيس السابق، ود. السيد البدوى، الرئيس اللاحق لحزب الوفد، وهما يتعانقان، بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية التى تنافس فيها قطبا الحزب.

وأعاد ذلك المشهد الأمل لملايين المصريين فى الداخل والخارج فى أن بلدهم على أعتاب تعددية ديمقراطية جديدة. إننى لا أعرف د. السيد البدوى شخصياً. بينما أعرف د. محمود أباظة، الذى كان أسوة بابن عمه د. إبراهيم الدسوقى أباظة، عضواً فى مجلس أمناء مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية. ومثل كل من تناوبوا على مجلس أمناء ذلك المركز، عرفت د.محمود أباظة، ديمقراطياً ليبرالياً أصيلاً.

فبرغم ما كان ومازال يتعرض له المركز من تضييق وإيذاء على أيدى الأجهزة الأمنية، فقد أبى الرجل إلا أن يدعو زملاءه الأمناء والعاملين بالمركز إلى قريته ومنزل أسرته العريق بمحافظته الشرقية، عام ١٩٩٩. ولذلك لم يكن مُستغرباً من محمود أباظة أن يتصرف بتلك الروح الرياضية فى المُنافسة الانتخابية الشريفة على زعامة الحزب، منذ عدة أسابيع.

ومن كل ما سمعته أو قرأته عن د. السيد البدوى، خاصة من رجل الأعمال النابه المهندس رامى لكّح، فإنه يبدو كخير خلف لخير أسلاف عظام ـ من سعد زغلول، إلى مصطفى النحاس، إلى فؤاد سراج الدين. وأتطلع لمُناسبة التقى به فيها لقاء شخصياً، عما قريب، بإذن الله.

إن المشهد الانتخابى الشفاف، داخل حزب الوفد، والعناق بين أباظة والبدوى، كانا وراء رغبة مئات من المصريين الذين صادفتهم فى الخارج، لمعرفة المزيد عن الحزب، والانضمام إليه.

ولا شك أن الرئيس الجديد لحزب الوفد يعلم علم اليقين أن كثيرين ممن كانوا وفديين ـ كأعضاء أو مُريدين ـ وانصرفوا عنه، بعد رحيل فؤاد باشا سراج الدين، وإبراهيم باشا فرج، قد فعلوا ذلك ضيقاً بالخلافات والصراعات، ويأساً من حسمها بوسائل سلمية متحضرة. ولكن هؤلاء لا يزالون فى أعماق أعماقهم وفديين.

إن بعض من انصرفوا عن الوفد فى السنوات العشر الأخيرة، قد حاولوا تكوين أحزاب جديدة، أو انضموا إلى أحزاب قائمة. وأظن أن معظمهم لم يجدوا ضالتهم المنشودة خارج حزب الوفد. إنهم بمثابة «الطيور الشاردة» عن السرب الوفدى الأصلى. ويفعل خيراً، الزعيم الجديد لحزب الوفد، إذا بادر بدعوة تلك الطيور الشاردة للعودة إلى سربها الوفدى الأصيل. فقد اكتشفوا أنه من الصعب أن يسمع أحد تغريدهم، خارج السرب الوفدى.

وإذا كان لى أن أقترح اقتراحاً مُحدداً للسيد البدوى، من منفاى خارج حدود الوطن، فهو أن يبدأ عهده الجديد بدعوة د. أيمن نور، إلى العودة إلى حزبه الأصلى. إن الرجل ورفاقه فى حزب الغد، ممن أعرفهم شخصياً، هم «وفديون» بالهوى، أو بالميراث الأسرى. وهو ما ينطبق تماماً على أيمن نور نفسه. فقد كان والده وأعمامه وفديين. وكان أحدهم مُرشحاً فى آخر انتخابات خاضها حزب الوفد، فى إحدى دوائر الدقهلية، قبل ثورة يوليو ١٩٥٢.

وكما عرفت د. محمود أباظة من خلال عضويته كأحد أمناء مركز ابن خلدون، فكذلك عرفت د. أيمن نور. وكما قمنا بزيارة د. محمود أباظة فى معقله ودائرته بمحافظة الشرقية، فقد قمنا بزيارة أيمن نور، فى معقله ودائرته الانتخابية فى حى «باب الشعرية» العريق، بمحافظة القاهرة. وأشهد بأن أيمن نور هو من أكثر أبناء جيله وعياً، وحركة، وقدرة على تعبئة الجماهير، وتحفيزها للمشاركة فى العمل العام.

وهو بهذا المعنى وفدى وطنى أصيل. ففى تاريخ الحركة الوطنية المصرية المُعاصرة، لم تتوافر إمكانيات المصداقية والتعبئة والحركة إلا لكل من حزب الوفد وحركة الإخوان المسلمين. وليست فقط مُجرد صُدفة أن الوفد قد ولد مع ثورة ١٩١٩، وولدت حركة الإخوان بعده بتسع سنوات (١٩٢٨).

إن صمود الوفد والإخوان على الساحة المصرية، لما يُقارب قرنا من الزمان، رغم كل ما تعرضا له من حصار وتضييق وتنكيل، لهو دليل على أصالتهما فى الوجدان الشعبى والضمير الجمعى لمصر المحروسة، فاشهد يا زمان. لذلك أدعو أيضاً الحركات الشبابية الجديدة، بما فيها ٦ أبريل، وكفاية والأقباط فى الداخل والخارج، وجبهة إنقاذ مصر للتجاوب مع حزب الوفد فى ظل مبادئه الجديدة.

وعلى الله قصد السبيل.

د. سعد الدين إبراهيم

semibrahim@gmail.com


No comments: