Thursday, July 22, 2010

الجرح الثالث

لدينا في مصر جروح نلمسها بأيدينا!! وجروح لا تصلها أيدينا!! وجروح في أيدينا وأحسب أن أكثر هذه الجروح الثلاثة إيلاماً هي جروح أيدينا، لأنها تجعلنا نلمس جروحنا بجروحنا!! فيكون الألم مضاعفاً!!

.. الجروح التي نملك أن نلمسها بأيدينا هي التي أحدثها فينا الاستبداد والفساد والفقر والقهر والفشل.

.. أما الجروح التي لا تصلها أيدينا، فهي تلك المتصلة بالفجوة الحضارية والتفوق النوعي والعلمي والحضاري الذي باتت هوته تتسع يوماً بعد يوم بيننا وبين غيرنا من الأمم الناهضة والنامية المتقدمة والآخذة في التقدم اقتصادياً وعلمياً وسياسياً وحتي رياضياً.

.. أما جروح أيدينا، التي تجعلنا نلمس جروحنا، بجروحنا فهي الجروح التي تطول الأمل في تطبيب الجروح الأولي والثانية وهي التي تصيب الإليات التي ينبغي أن تعالج وتخفف آلام الجروح، إذ بها أيضاً مجروحة تؤلمنا، وتهيج الألم في جروحنا الأخري.

.. هناك نوعان من الحمقي في مصر، الأول: الذي يقول إن شيئاً في مصر لن يتغير وإن نظام مبارك سيستنسخ من رحمه نظام جمال مبارك!! والثاني: يقول إن نظام مبارك انتهي وليتنافس المتنافسون في وراثته!!

.. أخطر وأعمق الجروح التي في أيدينا هي تلك التي أصابت عقول ونفوس المعارضة المصرية، أحزاباً ورموزاً وحركات وجماعات وتيارات!!

.. حالة من حالات الغرور غير المبرر تحكم العلاقات البينية بين المعارضة المصرية «المتعاونة» قبل «المتقاطعة»!! نظرة فوقية «شيفونية» لا تستند إلا إلي أوهام، وخرافات وخزعبلات وأكاذيب يصنعها أصحابها، ويعيشون فيها ويضيعون بها لحظة تاريخية فارقة وغير قابلة للتكرار.

.. لا أحد منفرداً في مصر يستطيع أن يدعي أنه قادر علي تقديم معادل وبديل موضوعي لنظام عتيد يتساند إلي تراكم أوضاع محلية وإقليمية ودولية شديدة التعقيد.

.. هذا لا يعني أن الحل سيكون بالضرورة معقداً، بل قد يكون في قمة السلاسة، لكنه بالقطع يتطلب التعاطي مع الواقع بنمط متطور من التفكير والسلوك الحضاري الذي نفتقده إلي حد كبير في صفوف المعارضة ورموزها!!

.. فكم من أوضاع شديدة التعقيد فككتها أدوات وآليات بسيطة، فالتحدي الأكبر ليس في توفير الآليات والأدوات، بل في توافر العقل والروح المشبعة بنمط التفكير الثائر علي الواقع المتمرد علي الهزيمة المستعصي علي الانبطاح.

.. لا يمكن أن يُقبل من البعض، الانبطاح أمام الحكومة والتماس الضمانات والإصلاحات منها والسعي المحموم للحوار معها، بينما هذا البعض يستأسد علي الشركاء ويتكبر ويتشرط في الحوار مع الأنداد وإذا تحاور جاء منتفخ الأوداج.

.. شاهدت منذ ساعات برنامجاً حوارياً في قناة فضائية مصرية استضاف أربعة من المعارضة، وكان الحوار حول خوض أو مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة.

.. طبيعي أن تتباين المواقف أو الرؤي، لكن الجرح الحقيقي في المشهد أن يحدثنا أحد أبطاله بوصفه أسداً في حظيرة فئران!! حكيماً.. في مستشفي للأمراض العقلية!! مبصراً وحيداً في بلد عميان!!

.. للحظات شعرت بأن الذي يتحدث هو الناطق باسم حزب العمال البريطاني، الذي خرج تواً وبعد 13 عاماً من الحكم!! ذكرني المتحدث منتفخاً بهواء الغرور والوهم بأبيات لشاعرنا العظيم المتنبي قال فيها: «وضاقت الأرض حتي صار خائفهم.. إذا رأي غير شيء ظنه رجلاً!!».

.. لا أعرف كيف نريد من النظام وأتباعه وأعوانه وقبله من الشعب أن يحترمنا، إذا كنا نضن علي أنفسنا بهذا الاحترام؟!

.. إن الغرور أبو القسوة!! والتواضع أبو الحكمة!! والحكمة أم ثورات التغيير العاقل في كل بلدان العالم.

.. يا أحزاب وجماعات ورموز وجمعيات المعارضة قليل من التواضع والاحترام في العلاقات البينية يشفي كثيراً من الجروح ويوفر قاعدة أخلاقية لتغيير آت حتماً ولو بالإرادة الإلهية.

.. حقاً كم هو مؤلم ومحبط أن تلمس بجروح يدك جروحك الأخري!! فلن نعالج جروح الجسد إلا إذا طهرنا جروح أيدينا أولاً

- الدستور

No comments: