Tuesday, July 20, 2010

قطار الفصل العنصرى

هـل رأيـت يومـاً قطـاراً ينـزل بعـضاً مـن ركابه فى محطة والبعض الآخر فى محطة أخرى على الرغم من أن كلا الراكبين يقصدان نفس الوجهة؟ ولنقل السؤال بشكل آخر: هل شاهدت يوماً فى بلاد برة أو بلاد جوة قطاراً يحمل ركاباً البعض منهم دفع ثمن تذكرة درجة أولى والبعض دفع ثمن تذكرة درجة ثانية والباقون دفعوا ثمن تذاكر درجة ثالثة لكنهم جميعاً يقصدون محطة بعينها تقع مثلاً فى آخر الخط فوجد القائمون على أمر السكة الحديد أن يصل أصحاب الدرجة الأولى إلى المحطة المطلوبة بينما يمنعون من دونهم من أصحاب الدرجتين الثانية والثالثة من الوصول إلى آخر الخط ويلزمونهم بالنـزول قبل نهايته فى محطة تبعد عن الأخيرة بمقدار تاكسى بثلاثين جنيهاً وبمقدار ساعة زحمة فى الشوارع، هل تصدق ذلك؟

لم أصدقه حينما قرأت عنه كتصريح أو خبر غريب أو نية مبيتة ومسربة من دهاليز سكك حديد مصر، الركاب القادمون من الإسكندرية فى القطارات المكيفة درجة أولى سيصلون إلى محطة مصر- كالعادة- أما من هم دون ذلك فسينزلون فى قليوب تخفيفاً للضغط فى وسط مدينة القاهرة، كذلك القادمون من الصعيد سيتم تقسيمهم طبقياً وعنصرياً، ينزل الأوائل فى محطة الجيزة ولم يتقرر بعد أين سينزل الأواخر أو الأراذل- من الرذالة- التى دفعتهم لركوب الدرجتين الثانية والثالثة رغم أن جيوبهم عامرة بالنقود الفكة، عُمرك شُفت تقسيم طبقى عنصرى يمارسه القطار على صاحبه؟ تُرى ماذا ستكون مشاعر ركاب ينزلون من القطارات قبل وجهتهم التى يقصدونها ودفعوا ثمن التذكرة للوصول إليها؟

وماهو لون نظرتهم للركاب الآخرين أصحاب الحظوة الذين لن يكتب عليهم النزول إلا حيث يريدون؟ ينزلون لأنهم درجة ثالثة ويستمر غيرهم لأنهم درجة أولى، بالذمة ده كلام؟ أى مخ عبقرى أنتجت قريحته هذا الحل الغريب العجيب الذى لم تعرفه بلد قبلنا على الإطلاق؟ القطارات تسير دائماً بوتيرة واحدة لم تتغير ولم تتبدل منذ اختراع السكك الحديدية، الجميع يركبون القطار وينزلون منه سواسية البعض فقط من الباب الأمامى أو الأوسط والآخر من الباب الخلفى،

وقد يكون القطار كله قشاش أو قطار أقاليم كله درجة واحدة لكن القطار هو القطار والمحطة هى المحطة والوقت المحدد لقيام ووصول القطار هو واحد والمواطن هو الآخر يجب أن يكون واحداً متساوياً ومتكافئا لامقسماً إلى مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثالثة، تكفيه القسمة الظالمة لمواطن يأكل حتى التخمة ومواطن يعيش على الكفاف، لمواطن يسكن قصوراً وآخر يعتبر حصوله على حجرة حلماً بعيد المنال، لمواطن يتعلم بالأجنبى ومواطن يزداد جهلاً وحرماناً من التعليم ومن العمل ومن الأمل ومن المستقبل.

لماذا نفكر فى اتجاه تقسيم المواطنين إلى فئات ومراتب وطبقات وأنواع ومجموعات بينما يجب أن يظلوا سواسية متساوين متآلفين ومتحابين غير متصارعين أو كارهين أو حاقدين؟ الفصل التعسفى لن يفيد فى تخفيف الزحمة فى وسط البلد التى وصلت إلى حد الانفجار لكن يفيده التفكير والتدبير فى حلول مبتكرة من ذوى الاختصاص والخبرة ومن تجارب الأمم، حلول واقعية ودائمة وهى كثيرة ومتعددة وأشهر محطات القطارات فى العالم مازالت فى وسط المدن والأمور تجرى حولها فى سهولة ويسر.

مسألة تقسيم المواطنين على أساس مادى وممارسة التفرقة بينهم عينى عينك فى أماكن الخدمات العامة مبدأ مرفوض وغير عادل وغير إنسانى، والقطار يا مسؤولى السكك الحديدية لايجب أن يكون قطاراً طبقياً أو عنصرياً.

د. درية شرف الدين

dorria_sharaf@yahoo.com

No comments: