عندما ينادي اليوم حاجب محكمة جنايات الإسكندرية قائلاً: «محكمة» !! علينا أن ننظر للمشهد بعمق يتجاوز صورة القضاة، وهم يدلفون للمنصة، متوشحين بالأوشحة الخضراء، وممثلي الادعاء بأوشحتهم الحمراء، والمخبر عوض ورفيقه الفلاح وهما يقفان خلف القفص بملابسهما البيضاء..
.. علينا أن ننظر بعمق في خلفية المنصة، لنجد صورة ـ أشبه بالعلامة المائية ـ يتوسطها وجه خالد سعيد مبتسمًا وإلي جواره صور لغرقي عبارة السلام في قاع البحر الأحمر، وأخري لغرقي علي شواطيء الهجرة، وأخري لقتلي عربات الترحيلات، وأخري لحرقي القطارات وأشلاء مزقتها عجلات المركبات.. ضحايا كثر للإهمال والفساد والفقر والاستبداد.
.. وفي الصورة موتي آخرون، لكن علي قيد الحياة، أدقهم الظلم والقهر، وأرقهم الشوق للعدل، فدفعوا ثمناً من حريتهم أو وظيفتهم وهم يسعون لتلك اللحظة التي وقف فيها حاجب محكمة جنايات الإسكندرية وقال: «محكمة»!! من بين هؤلاء مئات من الشباب المصري الذي خرج مدافعاً عن شخص لا يعرفونه، وهم يعرفون جيدًا ما يمكن أن يتعرضوا له.
.. في قلب الصورة «المضيئة» لمن دفعوا ثمناً باهظاً للوصول لكلمة «محكمة» وجه إعلامي بارز ترددت الأنباء مؤخرًا أنه أُبعد عن عمله، وتوقف بث برنامجه، بسبب موقفه الرائع والمشرف من قضية خالد سعيد!! فلم يعد سراً أن الإعلامي معتز مطر توقف برنامجه «محطة مصر» علي قناة «مودرن مصر » بسبب طلب الأمن ذلك من إدارة المحطة عقابًا له علي حماسه في الدفاع عن الشهيد خالد سعيد وفضحه محاولات إغماط حقه وتلويث سمعته حياً وميتاً..
.. فوق صورة معتز مطر الماثلة إلي جوار صورة خالد سعيد تبدو علامة استفهام كبيرة حول مصداقية بعض الإعلام نصف الحكومي الذي يسمي نفسه القنوات الخاصة، ومدي الحقيقي والزائف في استقلال يدار من مكاتب الأحلام في أمن الدولة ليمنع هذا، ويسمح بذلك!!
.. هذه الصورة البانورامية تعكس صورة وجه مصر الحقيقية، المظلومة، المقهورة، المثخنة بجراح عميقة كالتي أحدثها الاعتداء الوحشي علي وجه الشهيد خالد سعيد!!
.. بعد ساعات قليلة من مصرع خالد، استقبلت في منزلي بالإسكندرية شقيقًا وصديقًا مشتركًا، وحضرت اللقاء زميلتنا في الغد نجلاء فوزي التي طلبتُ منها أن تضع فورًا الصور التي قدمها لي شقيق خالد لجثته علي صفحتي بالفيس بوك مشفوعة بصورته الجميلة قبل العدوان الوحشي عليه!!
.. عندما امتعضت الزميلة نجلاء من نشر صورة الجثة حرصاً علي مشاعر الناس والرأي العام الذي لم يكن اتصل علمه مطلقًا بعد بالحادثة قلت لها: ضعي الصورة الأولي لوجه هذا الشاب الوسيم قبل ما تعرض له وضعي تلك الصورة الصادمة لهذا الوجه المحطم والمشوه، لعل الناس تري فيه الفارق بين مصر التي نحبها، ومصر ووجهها بعد أن فعل بها الاستبداد والفساد ما فعل!!
.. هكذا كانت قضية خالد منذ بدايتها بمثابة مؤشر جامح لأوجاع المصريين المتقاطعة، التي اجتمعت فجأة تحت صورة خالد لتقول «لا » عالية مدوية لكل أشكال غياب العدالة، والكرامة، والإنسانية!!
.. عندما نشرت صور خالد لأول مرة علي موقعي وصفحتي بالفيس بوك وبعدها 14 مقالاً بجريدة «الدستور» لم أكن أتوقع حجم الوجع الذي ستفجره هذه القضية داخلنا، لكني كنت علي يقين أنها ستترك بصمة عميقة وغائرة في ضمائرنا وذاكرتنا..
.. وعندما اشتدت حملة النظام والإعلام ضد خالد وكل من يطلب حقه أدركت أن قضية خالد ستخرج من النفق المظلم وتصل إلي القضاء لتبدأ رحلة جديدة في البحث عن الجناة، كل الجناة والمحرضين.
.. أذكر أنه في عام 1985 قتل شاب مصري في مركز شرطة " فوه " وخرجت المدينة لتعرب عن غضبها، وإذ بمباحث المركز تعلق أن القتيل كان يتعاطي المخدرات فنشرت يومها بالوفد صورة رئيس المباحث ومعاونه وهما يدخنان الحشيش ويقطعانه بأسنانهما والدخان الأزرق يحوم فوق رأسيهما!!
وكانت تلك الصورة ـ شاهدوها علي صفحتي علي الفيس بوك ـ مؤشرا قلب معايير القضية التي ألقي فيها القبض علي زميلنا بالغد المحامي الكبير أحمد عاشور بتهمة تحريض الجماهير، ثم أفرج عنه، وحوكم رئيس المباحث وسجن!!
.. وأذكر أنني عندما نشرت سلسلة من المقالات والصور، عن التعذيب في السجون المصرية -استمر نشرها منذ 1985 وحتي 1988- حققت معي نيابة أمن الدولة عدة مرات بتهمة بث شائعات كاذبة تكدر الأمن العام وانتهي الأمر بإحالة 44 ضابطاً من أمن الدولة للمحاكمة الجنائية في واقعة فريدة في تاريخ مصر..
.. فالمحاكمة التي بدأت اليوم هي حلقة مهمة وبارزة في مسلسل نضال الشعب المصري ضد القهر والاستبداد الذي قد يفلت مرة أو مرات، لسنة أو لبضع سنوات، لكنه لن يفلت أبدًا..
.. اليوم سنجد صورة خالد في صدارة منصة المحكمة، لكن علينا أن نسأل عن آخرين اختفوا وأزهق الفساد والاستبداد أرواحهم ولم يحاكم أحد.. علينا أن نسأل اليوم: أين معتز مطر؟.. ولو صح ما أشيع أنه دفع الثمن فعلينا أن نتضامن جميعاً معه.. كي يعود حق خالد سعيد ويعود معتز مطر
.. علينا أن ننظر بعمق في خلفية المنصة، لنجد صورة ـ أشبه بالعلامة المائية ـ يتوسطها وجه خالد سعيد مبتسمًا وإلي جواره صور لغرقي عبارة السلام في قاع البحر الأحمر، وأخري لغرقي علي شواطيء الهجرة، وأخري لقتلي عربات الترحيلات، وأخري لحرقي القطارات وأشلاء مزقتها عجلات المركبات.. ضحايا كثر للإهمال والفساد والفقر والاستبداد.
.. وفي الصورة موتي آخرون، لكن علي قيد الحياة، أدقهم الظلم والقهر، وأرقهم الشوق للعدل، فدفعوا ثمناً من حريتهم أو وظيفتهم وهم يسعون لتلك اللحظة التي وقف فيها حاجب محكمة جنايات الإسكندرية وقال: «محكمة»!! من بين هؤلاء مئات من الشباب المصري الذي خرج مدافعاً عن شخص لا يعرفونه، وهم يعرفون جيدًا ما يمكن أن يتعرضوا له.
.. في قلب الصورة «المضيئة» لمن دفعوا ثمناً باهظاً للوصول لكلمة «محكمة» وجه إعلامي بارز ترددت الأنباء مؤخرًا أنه أُبعد عن عمله، وتوقف بث برنامجه، بسبب موقفه الرائع والمشرف من قضية خالد سعيد!! فلم يعد سراً أن الإعلامي معتز مطر توقف برنامجه «محطة مصر» علي قناة «مودرن مصر » بسبب طلب الأمن ذلك من إدارة المحطة عقابًا له علي حماسه في الدفاع عن الشهيد خالد سعيد وفضحه محاولات إغماط حقه وتلويث سمعته حياً وميتاً..
.. فوق صورة معتز مطر الماثلة إلي جوار صورة خالد سعيد تبدو علامة استفهام كبيرة حول مصداقية بعض الإعلام نصف الحكومي الذي يسمي نفسه القنوات الخاصة، ومدي الحقيقي والزائف في استقلال يدار من مكاتب الأحلام في أمن الدولة ليمنع هذا، ويسمح بذلك!!
.. هذه الصورة البانورامية تعكس صورة وجه مصر الحقيقية، المظلومة، المقهورة، المثخنة بجراح عميقة كالتي أحدثها الاعتداء الوحشي علي وجه الشهيد خالد سعيد!!
.. بعد ساعات قليلة من مصرع خالد، استقبلت في منزلي بالإسكندرية شقيقًا وصديقًا مشتركًا، وحضرت اللقاء زميلتنا في الغد نجلاء فوزي التي طلبتُ منها أن تضع فورًا الصور التي قدمها لي شقيق خالد لجثته علي صفحتي بالفيس بوك مشفوعة بصورته الجميلة قبل العدوان الوحشي عليه!!
.. عندما امتعضت الزميلة نجلاء من نشر صورة الجثة حرصاً علي مشاعر الناس والرأي العام الذي لم يكن اتصل علمه مطلقًا بعد بالحادثة قلت لها: ضعي الصورة الأولي لوجه هذا الشاب الوسيم قبل ما تعرض له وضعي تلك الصورة الصادمة لهذا الوجه المحطم والمشوه، لعل الناس تري فيه الفارق بين مصر التي نحبها، ومصر ووجهها بعد أن فعل بها الاستبداد والفساد ما فعل!!
.. هكذا كانت قضية خالد منذ بدايتها بمثابة مؤشر جامح لأوجاع المصريين المتقاطعة، التي اجتمعت فجأة تحت صورة خالد لتقول «لا » عالية مدوية لكل أشكال غياب العدالة، والكرامة، والإنسانية!!
.. عندما نشرت صور خالد لأول مرة علي موقعي وصفحتي بالفيس بوك وبعدها 14 مقالاً بجريدة «الدستور» لم أكن أتوقع حجم الوجع الذي ستفجره هذه القضية داخلنا، لكني كنت علي يقين أنها ستترك بصمة عميقة وغائرة في ضمائرنا وذاكرتنا..
.. وعندما اشتدت حملة النظام والإعلام ضد خالد وكل من يطلب حقه أدركت أن قضية خالد ستخرج من النفق المظلم وتصل إلي القضاء لتبدأ رحلة جديدة في البحث عن الجناة، كل الجناة والمحرضين.
.. أذكر أنه في عام 1985 قتل شاب مصري في مركز شرطة " فوه " وخرجت المدينة لتعرب عن غضبها، وإذ بمباحث المركز تعلق أن القتيل كان يتعاطي المخدرات فنشرت يومها بالوفد صورة رئيس المباحث ومعاونه وهما يدخنان الحشيش ويقطعانه بأسنانهما والدخان الأزرق يحوم فوق رأسيهما!!
وكانت تلك الصورة ـ شاهدوها علي صفحتي علي الفيس بوك ـ مؤشرا قلب معايير القضية التي ألقي فيها القبض علي زميلنا بالغد المحامي الكبير أحمد عاشور بتهمة تحريض الجماهير، ثم أفرج عنه، وحوكم رئيس المباحث وسجن!!
.. وأذكر أنني عندما نشرت سلسلة من المقالات والصور، عن التعذيب في السجون المصرية -استمر نشرها منذ 1985 وحتي 1988- حققت معي نيابة أمن الدولة عدة مرات بتهمة بث شائعات كاذبة تكدر الأمن العام وانتهي الأمر بإحالة 44 ضابطاً من أمن الدولة للمحاكمة الجنائية في واقعة فريدة في تاريخ مصر..
.. فالمحاكمة التي بدأت اليوم هي حلقة مهمة وبارزة في مسلسل نضال الشعب المصري ضد القهر والاستبداد الذي قد يفلت مرة أو مرات، لسنة أو لبضع سنوات، لكنه لن يفلت أبدًا..
.. اليوم سنجد صورة خالد في صدارة منصة المحكمة، لكن علينا أن نسأل عن آخرين اختفوا وأزهق الفساد والاستبداد أرواحهم ولم يحاكم أحد.. علينا أن نسأل اليوم: أين معتز مطر؟.. ولو صح ما أشيع أنه دفع الثمن فعلينا أن نتضامن جميعاً معه.. كي يعود حق خالد سعيد ويعود معتز مطر
د. أيمن نور- الدستور
No comments:
Post a Comment