Friday, July 02, 2010

جورج إسحق

عرفت جورج إسحق في ثمانينيات القرن الماضي وهو عضو في اللجنة التنفيذية لحزب العمل الاشتراكي، وذلك عن طريق صديقنا المشترك نبيل عبد الفتاح الذي كان يشارك معه في هموم مشتركة تتعلق بالمواطنة والتصدي للفتنة الطائفية هو وعدد آخر من الأصدقاء مثل الراحل جورج عجايبي، وسمير مرقس، والمهندس منير عياد، وغيرهم من المهمومين بمستقبل مصر. وتوطدت بيننا صداقة أحد أسبابها أننا الاثنان من أبناء محافظة بورسعيد، ولأننا لدينا الهموم المشتركة نفسها حول مستقبل مصر.

وعرفت بصداقة جورج بالصديق الراحل الدكتور محمد السيد سعيد، وأنها بدأت بخناقة في سيارة أتوبيس كان ينقل الاثنين من بورسعيد إلي القاهرة عندما جلسا جنبا إلي جنب وكان محمد يقرأ في مجلة الطليعة فسأله من بجانبه، - وكان جورج - ماذا تقرأ؟ فقال له: وإنت مالك ؟ وبالطبع ظن أنه يريد أن يعرف لأسباب أخري ولم يكن يدري أن همومهما مشتركة وأنهما يساريان، ونمت الصداقة التي استمرت حتي وفاة محمد وكان «جورج» أحد آخر الذين رأتهم عيناه.

وجورج إسحق كان دينامو حركة «كفاية» وهذه الحركة كانت في ظل توليه منصب منسقها العام تختلف عنها الآن، وكانت موضوعا للاهتمام الإعلامي في مصر والخارج، وكان أي إعلامي أجنبي يأتي إلي مصر يحرص علي لقاء قادتها والاستماع لهم، وجورج يؤمن بقيم المواطنة، ولا يتعامل باعتباره قبطياً في أي مجال لكن وجوده علي رأس الحركة أعطي انطباعاً لنموذج عملي حول كيفية المشاركة السياسية للأقباط، ومن خلال تحركه ومن معه مثل الدكتور محمد السيد سعيد والمهندس أبو العلا ماضي والدكتور محمد السعيد إدريس، استطاع أن يفرض واقعا جديدا علي الحياة السياسية الراكدة وحدث الحراك في نهاية عام 2004 وارتبكت الحكومة لأنها لم تدر ماذا تفعل؟!، فقد ظنت أنها استطاعت تدجين أحزاب المعارضة، وبالتالي القضاء التام عليها بما يفتح الباب أمام سيناريو التوريث الذي كان يتم التخطيط له.

ولكن بعض المهووسين راعهم هذا الأمر، ووجدوا أن وجود معارضة حقيقية ليبرالية خطر عليهم قبل أن تكون خطرا علي الحكومة، فخططوا للانقلاب من داخل «كفاية» عبر السيطرة عليها وتحويل هدفها من مواجهة التوريث والتمديد لأن تصبح تعبيرا عن مواقفهم السياسية التي لا يوجد عليها إجماع داخل الحركة، وهو ما يتطلب ليس فتح حوار داخلي حول الأفكار التي يؤمنون بها، أو أن تكون الحركة تعبيرا عن القاسم المشترك بين أعضائها المتعلق بالتوريث والتمديد ثم يذهب كل فرد إلي تنظيمه أو حزبه الأساسي ليعبر عن مواقفه الأخري ولكن التخلص من قادة الحركة الذين لا يؤمنون بهذه الأفكار حتي تصبح ملكا لهم.

والمؤسف أن هؤلاء المهووسين لم يحققوا أي إنجازات سياسية خلال سنوات ممارستهم للعمل السياسي، واستعاضوا عن ذلك بالتفتيش في الأنفس والضمائر وتخوين معارضيهم، وقد بدأوا بمن ظنوا أنه الحلقة الضعيفة من قيادات «كفاية» وهو جورج إسحق لأنه فرد ولا يقف وراءه أي تنظيم أو جماعة سياسية، وقالوا في البداية إنه ذهب إلي اسطنبول وحضر مؤتمراً حضره إسرائيليون، وثبت فيما بعد أن ذلك لم يحدث وركزوا جهودهم علي عزل جورج من مهمته كمنسق للحركة وهو تخلي طوعا، لأن الحركة التي ترفع شعار «لا للتمديد» يجب ألا يظل منسقها في منصبه أكثر من دورة، ولكن عندما وصل أحدهم إلي المنصب تغاضوا عن هذا الشرط الأخلاقي حتي يتم تخريب الحركة تماما وتصبح حركة للتخوين والأفكار المنغلقة علي ذاتها. وعندما ذهب جورج والتقي عدداً من المصريين علي مقهي خاص بهم في الولايات المتحدة، قاعتبروا ذلك استجدادء للدعم الأجنبي! قرروا الإجهاز عليه من دون النظر لما قام به للحركة ومن دون النظر إلي أن الحكومة وأجهزتها سوف يمكن أن تستفيد من ذلك للقضاء علي «كفاية» وتشويه صورتها لدي العامة، ومن دون النظر إلي أن جورج نفسه أصدر بيانا ينفي ما قالوه، ومن دون النظر إلي أنه في العمل السياسي لابد أن تكون هناك تفرقة بين التناقضات الرئيسية وتلك الثانوية، ومن دون النظر إلي أن هناك أساليب أخري للاستفسار والمراجعة غير البيانات التي تطلق علي الإنترنت للتعريض بالمختلفين في الرأي.

لقد كتب صديقي الدكتور عمرو الشوبكي عن تراجع حركة «كفاية» بسبب سيطرة قلة عليها، ولكن «جورج إسحق» يستحق الكتابة عنه منفردا، فهو شعلة نشاط لا تهدأ، مهموم بقضايا الوطن ومستقبله، وبالعدالة الاجتماعية، ولا يكتفي بالعمل السياسي وإنما مثقف من طراز فريد، له إنجازات مهمة في التعليم عبر رئاسته لمدارس تخرج فيها ملايين من التلاميذ والطلاب المجتهدين، بعضهم أصبح عالما والآخر مبدعا، وقسم ثالث هجر الوطن بسبب الظلم الاجتماعي الذي وقع عليه.فأي من الذين يتربصون بجورج حقق إنجازاته العملية، أو يملك ثقافته؟

إن جورج ليس مطلوبا بذاته، وإنما «كفاية» هي المطلوبة، وإن كانت مطلوبة بواسطة الحكومة فإن لدينا «دببة» تصورت أن حماية الوطن من جورج هي غاية المراد من رب العباد حتي ولو انتهي الأمر بقتل الوطن نفسه. وإذا كان محتسبو حركة «كفاية» قرروا التحقيق مع جورج، فأي منهم لديه القدرة المعنوية والأخلاقية لكي يحقق معه؟

لقد سطر جورج إسحق اسمه في تاريخ مصر، ومن سيكتب هذا التاريخ بعد 20 عاماً أو أكثر لابد وأن يفرد فصلا منفردا عنه وعن دوره، ومن سيكتب تاريخ الاحتجاجات الاجتماعية وحركات التغيير سيجد نفسه مضطرا لأن يكتب عن جورج إسحق وأن يعطي له حقه من الاهتمام، ولا أريد أن أقول ماذا سيكتب هؤلاء عن الذين يتربصون بجورج إسحق، لأن ذلك معروف. وأعتقد أن ذلك يكفي جورج. ويمكن أن يختار أن يجلس في بيته مكتفيا بما قام به من جهد ودور وإنجازات علي الصعيدين العملي والسياسي، لكن من يملك روح جورج وحركته ووطنيته لايمكن أن يختار السلبية، ولا يمكن أن ينحني للعاصفة حتي تمر، وهو ما يجعلني أطلب منه ألا يبتئس، ولا يتراجع، فكل من في العمل السياسي يعرف دوره، وعليه أن يدرك أنه وإن كان من رواد موجة الحراك السياسي الجديدة فإن هذه الموجة عمادها الشباب، من الذين اختاروا أن يتخلوا عن سلبيتهم والمشاركة عبر الوسائل الجديدة في تحديد مستقبل مصر فعليه أن يتفاعل مع هؤلاء، فهم جمهوره، وهو رائدهم، ولا تجعل «المحترفين» يثنوك عن القيام بواجبك تجاه وطنك .

إن جورج إسحق ليس معتدلاً يواجه الراديكالية كما يوهمنا بعض خصومه وإنما هو راديكالي يواجه المرض الذي سبق أن حذرنا منه «لينين» قائد الثورة الروسية، مرض اليسارية الطفولي وهذا المرض سبق وأن أجهض ثورات، وأفشل حركات احتجاجية، لذا علينا أن ندعو الله أن يشفينا منه. وأن نطلب منه أن يعين جورج إسحق علي أصدقائه، أما أعداؤه فهو كفيل بهم.

No comments: