Thursday, July 29, 2010

مصر تذهب إلى السيرك

أين ذهبت الحرب بين قبيلة المحامين وقبيلة القضاة؟
بعد أن كانت حديث الصباح والمساء، وبعد أن حققت معدلات متابعة غير مسبوقة فى أسبوعى عرضها الأول والثانى، تراجعت القضية إلى ترتيب متأخر للغاية فى قائمة الأكثر مشاهدة، وكأن المنتج قرر فجأة أن يضحى بالإيرادات من أجل أهداف أخرى خفية.

لم نعد نصحو وننام على بيانات من جنرالات الحرب تفوح منها رائحة البارود وتتطاير حمم التهديد بالقتال حتى آخر جندى دفاعا عن شرف القبيلة وامتيازاتها.

الحاصل أن القضية لم تأخذ طريقها للحل، لكن جرى سحبها من دور العرض لتنام فى الأدراج، لم يقل لنا أحد لماذا اشتعلت على ذلك النحو المروع، وماذا جرى فيها، ولماذا سكتت المدافع فجأة، ومتى سنفيق على جولة جديدة من الصراع؟

فى المقابل صعدت قضايا أخرى إلى السطح، وأريد لها أن تستحوذ على نسب مشاهدة هائلة، ولا يزال النفخ فيها مستمرا، منها مثلا قضية قتل مذيع لزوجته، ورغم أنها مجرد حادثة أسرية تحدث أحيانا، إلا أن ثمة إلحاحا غريبا على التوسع فى نشر تفاصيلها، وتعمد المط والإطالة فيها على طريقة مسلسلات الصابون.

وبالتزامن مع ذلك تأتى قضية المصريين المحورية وهى أزمة الصراع على الكابتن جدو، بين الأهلى والزمالك، وهى قضية أرشيفية مؤجلة منذ أكثر من ستة شهور، حيث كانت قد خرجت إلى النور لفترة ثم أرجئت، إلى مرحلة لاحقة.. وهى تكرار سخيف وممل لقضايا عديدة سابقة من هذا النوع.

وبالتزامن مع ذلك، لا مانع من ضخ قضايا أخرى أكثر إثارة فى السوق، اختفاء وعودة زوجة الكاهن، وما تلاها من توابع طائفية مثل صراع الإرادات بين مطران مغاغة ومحافظ المنيا، والاشتباك على أرض عزبة الهجانة بين أقباط ومسلمين، ومسلسل خطف وقتل، فى أسبوع من الاحتقان الطائفى المخجل.

وكأن هناك من يقف خلف الستار يحرك العرائس والمعارك الصغيرة فى سيرك منصوب طوال الوقت يجرى اقتياد المصريين إليه عنوة، بحيث يظل المواطن يلهث وراء تفاصيل ذات نكهة حراقة، بما يجعله مشغولا دوما بأشياء أخرى بعيدا عن الحقيقى والجاد من المشاكل والقضايا.

وإذا كان من الصعب القطع والجزم بمن يقف وراء إشعال كل هذه الحرائق فى هذا التوقيت بالذات، فإن الثابت أن الدولة بدستورها وقوانينها غائبة عن كل هذه الملفات، أو بالأحرى تكتفى بدور المتفرج أحيانا، ودور الوسيط فى أحيان أخرى، بحيث بدا أن هناك نوعا من الاجتراء على القانون، والاستهتار بالدستور، واعتماد سياسة ممارسة الضغوط لبلوغ الهدف، وهذا طبيعى للغاية طالما لا يطبق القانون على الجميع، وطالما يسود أسلوب المواءمات، والمساومات أحيانا

وائل قنديل- الشروق


No comments: