الغالبية العظمى من الشعب المصرى فى هذه السنين العجاف ترزح تحت حكم مفرط فى ظلمه بعد أن أسقط من حساباته وقاموسه كلمتى العدل والمساواة. صحيح أن الموبقات والخطايا التى يرتكبها هذا النظام فى حق شعبه أكثر من أن يعددها شخص أو أن يحتويها مقال، مثل النهب المنظم والمستمر لثرواته وانعدام الكفاءة فى إداراته وتجاهل مطالب وحاجات فقرائه وسيادة الجهل وفقر الفكر بين قياداته ونشر التطرف والخراب بين ربوع أرجائه وقهر وترويع من لا يروق له من أبنائه..
ولكن بالتأكيد فإن ما سيعجل بنهاية هذا النظام الفاشل هو انتشار الظلم والظالمين وكثرة الجُبر والمتجبرين وشيوع الفُجر والفاجرين.. وما حوادث الأمس القريب التى هزت المجتمع المصرى إلا نتاج هذه الحالة البائسة التى عمت ربوع الوطن، مثل اشتباك أبناء الدراسة والكلية الواحدة من قضاة ومحامين فى تحد غريب لبعضهما البعض يؤججه شعور دفين بانعدام العدالة، وحادث مقتل الشاب خالد سعيد على أيدى المتجبرين من رجال النظام العاملين بالداخلية وما تعرض له المسكين من اغتيال معنوى بعد اغتياله الجسدى بيد بعض الإعلاميين الذين يستخدمهم النظام. يؤكد ما أقوله مانُشر بصحيفة «المصرى اليوم» فى ٣٠/٦ حيث كانت هناك ثلاثة تعليقات على واقعتين حدثتا على أرض المحروسة، أو المنحوسة بتعبير أدق حاليا، تدل على تجاوز هذا النظام لأقصى مدى يمكن أن يصل إليه الظلم والقهر.
الواقعة الأولى: علق عليها الكاتبان المحترمان محمد البرغوثى وأحمد الصاوى، وهى قصة لا يمكن أن تحدث إلا فى مجتمع تجاوز فيه الظلم كل الحدود.. مجتمع لا دين له ولاخلق ولا ضمير.. فقد انتحرت الطفلة «منة الله» التى لم تبلغ الرابعة عشرة من عمرها بإلقاء نفسها من الدور الخامس وودعت الحياة بين يدى والدها وهى تردد «الظلم حرام يابابا»، وقد فعلت ذلك إشفاقاً على والدها العاجز عن رد الاعتداء عنها وعن نفسه، وكانت قد وصلت لقرارها فى اليوم السابق لانتحارها بقولها لوالدها «إنت تعبت كتير.. حرام نعيش فى الدنيا دى». قصة عجيبة ولكنها ليست كذلك فى هذا الزمن الردىء على أرض مصر، فهى بالنسبة للظلمة الجبابرة الفجرة شىء عادى وحادث فردى وتجاوزات تحدث فى كل مكان!
طفلة تتعرض للسرقة بالإكراه بعد الاعتداء عليها بمطواة.. يثبت كل ذلك فى محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة ويتم القبض على المتهمين ويستمر حبسهما تسعين يوما على ذمة القضية دون أن يتم التصرف فيها.. وبسبب مشاجرة بين عم الطفلة المحامى وضباط مركز شرطة رشيد، قرر الجبابرة الانتقام من هذا العم فى شخص ابنة أخيه الطفلة، فتم التلاعب فى ملف القضية وإضافة محضر تحريات جديد وإشاعة كلام لتشويه سمعة الطفلة وأهلها، وخرج المتهمان المجرمان وقررا رفع قضية تعويض على والد الطفلة الذى وجد نفسه مطلوبا للمحكمة! لم تحتمل نفسية طفلة فى هذه السن الإحساس بالظلم البين، واليأس من وجود عدالة على الأرض فقررت الهروب من الحياة كلها لتستريح وتُريح!!
الواقعة الثانية جاءت فى رسالة العالم الكبير أ.د. مينا بديع عبدالملك، رئيس قسم الرياضيات بهندسة الإسكندرية، إلى باب «السكوت ممنوع» فى اليوم نفسه، سرد فيها قصة طالب نابغ اسمه جون ضياء فهمى مرقس هو الأول على جميع أقسام كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية ومجموعه التراكمى أهله لأن يكون الأول على كل كليات جامعة الإسكندرية، وبالفعل ملأ استمارة التفوق لدى إدارة جامعة الإسكندرية استعدادا لتكريمه فى اليوم الذى يقوم فيه رئيس الجمهورية بتكريم أوائل الجامعات المصرية مع أوائل الكليات العسكرية كل عام.. ولكن فجأة يتم استبداله بطالب آخر من كلية الحقوق بمجموع تراكمى أقل منه لأن والده أستاذ بكلية الحقوق ويشغل منصب نائب رئيس الجامعة وكان ترتيبه الثالث وليس حتى الثانى!
المذهل فى الموضوع أن الأستاذ الفاضل ذكر أن نفس القصة قد حدثت منذ ثلاثة أعوام مع طالب اسمه تونى ألفى مرقس كان الأول على قسمه وكليته والجامعة ولكن تم استبعاده وتكريم أحد آخر بعده فى الترتيب! بقية القصة- كما هو متوقع- أن المهندس تونى مرقس قد تقدم باستقالته بعد عام واحد من تعيينه قضاه والمرارة والإحباط يملآن نفسه، وهاجر إلى أمريكا وهو الآن أحد نوابغ إحدى الجامعات الأمريكية. لايمكن أن تقوم لدولة قائمة وقد تأسس بنيانها على الظلم وغياب العدالة وتلفيق القضايا.. الظالمون هم من خانوا ماقسموا عليه حين تولوا مسؤولية الحكم، وهؤلاء توعدهم الله فى الدنيا والآحرة بأقسى العقاب وأشد العذاب..
والنظام الظالم يعتمد فى فرض بقائه وجبروته على أدوات بطش وإرهاب من المتجبرين من رجال أمنه الذين يمارسون الظلم والاستغلال والاستعلاء وتحقيق المكاسب الشخصية نظير ما يقدمونه من خدمات لاستقرار النظام الظالم وحمايته.. ويعتمد فى تحسين صورته وخداع البسطاء والجهلاء على الفاجرين ممن يستخدمهم النظام فى وسائل إعلامه الحكومية والخاصة فيبررون ظلمهم وفسادهم بطريقة فجة تبدو فى أكثر صورها بشاعة فى مقالات رؤساء تحرير صحفهم عديمى الكفاءة والشعبية، نظير ما يلهفونه من أموال ومغانم..
حتى إن بعضهم قد بلغ بهم الفُجر حد أن يستنكروا غضب الشعب لمقتل شاب برىء بعد تعذيبه بواسطة زبانية الأمن فيصفونه بأنه مجرد حشاش، ولا تهتز شعرة فى رأس أحدهم لتعذيب مواطن أو اغتصاب حقه أو إهدار كرامته، فكل ذلك فى نظرهم مجرد تجاوزات فردية لا أكثر ولا أقل، لا تستدعى أن نقلق بسببها أو نُشغل سادتهم الظلمة أو أيادى بطشهم الجبابرة! حقاً.. لقد جاوز الظالمون والمتجبرون والفاجرون كل مدى.. فيا شعب مصر.. كيف يمكن لهؤلاء أن يجيبوا صوتاً لنا أو صدى؟
د. طارق الغزالى حرب- Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment