Friday, July 02, 2010

الاستبداد بمساندة السماء

في بلاد المسلمين معاهد علمية, مهمتها تخريج مشايخ الدين للدعوة والوعظ والارشاد. ويزعم هؤلاء علي مختلف فرقهم وتنافر مذاهبهم, انهم وحدهم الامناء علي دين المسلمين منذ فجره الاول, وانه لا يحق لأي مسلم خارج المنظومة المشيخية ان يتحدث في شأن الاسلام والمسلمين, لانه حكر علي الدعاة فقط. وهو الزعم الذي يضع مشايخنا أمام مسئولية تاريخية عظيمة وهائلة, ازاء ما آل اليه أمر الاسلام والمسلمين عبر عشر قرون مضت من الهوان والتراجع والانهزام.
والناظر الي الشارع في بلادنا سيجد المسلمين وقد سلموا أدمغتهم للمشايخ بالتمام والكمال, فلا يخطو المسلم خطوة ولا يأتي تصرفا ولا يقول قولا الا بعد استفتاء المشايخ, فهو يسير وفق برنامج من الاوامر والنواهي, متي يصحو ومتي ينام وكيف ينام وبماذا يدعو قبل أو بعد وما هو الوضع المستحب اثناء الدعاء على ظهورهم ام على جنوبهم. لان المشايخ هم حفظة كتاب ما فرط الله فيه من شئ, لذلك كل شئ عند المشايخ كامل كومبليت صالح لكل مكان في مكة أو في الصين أو في المريخ ولكل زمان مضي أو لم يأت بعد.
وأمام الرهاب المستمر للاله الذي يفرض حضوره طوال الوقت فيتدخل في كل كبيرة وصغيرة ، وينشغل بالتوافه الهينات في حياة المسلم ويضع له عقوبات مفصلة مشروحة بعناية, فالعقوبات الربانية ألوان وفنون : من شي البشر علي النار ، الي القلي في الزيت ، الي التمزيق باشواك من حديد ، الي الوثاق بالسلاسل الطوال, من جهنم الحمراء ،الي جهنم البيضاء التي ابيضت نارها لكثرة ما تلظت, ومن عقارب كالبغال الموكفة ، الي ثعابين قرع, الي عقاب دنيوي في المال والعيال والصحة والمستقبل،فكان ان سلم المسلمون المسئولية لمشايخهم الذين يعرفون الدروب والانفاق والمعابر السرية لدين أصبح ثقيلا هائلا لكثرة ما أضافوا اليه, فأوكل المسلمون للمشايخ مسألة ايمانهم الذي يستعصي عليهم فهمه, ويجهلون فنونه مقابل الطاعة العمياء التي هي سبيل النجاة.
ومع هذا التسليم الشعبي الجارف لسادتنا المشايخ فان حال المسلمين كما ترون فضيحة بجلاجل ، فضحونا وجرسونا في العالمين, بمقابل لن يغفره لهم التاريخ وهو : عقل الناس الذي أخذوه منهم ، فقط ليعرفوهم بالله ويشيروا لهم نحو الله.. هذا هو الله؟! أخذوا عقل الوطن مقابل أن يعرفوهم علي الله الذي سيقوم بالتفكير لهم نيابة عنهم ، عبر دعاته من كل لون ومذهب.
وأصبح كل من أتخذ سمت الشيخ من لحية أو زبيبة أو يونيفورم حق له أن يكون داعية ومفتي, يعرف في كل حاجة ويفتي في كل علم ويتحدث في كل شأن مما هو فوق الارض أو تحتها, وفي نهاية الفتوي يختمها بقوله " والله أعلم" !! ...... إن عبارة " والله أعلم" هي تدريب دائم للعقل لينسحب من العلم ولا يتعامل معه كوسيلة وأداه للمعرفة, لأن الله اعلم عند مشايخنا ، بينما في العلم نحن من نعلم وليس في العلم شئ اسمه " والله أعلم" . ان العبارة اخلاء تام وصريح للشيخ من مسئولية تفسيره أو فتواه, ويترك السائل مبلبلا, ذهب يستفتي لتزداد حيرته, السائل مسلوب العقل والارادة يفترض في نفسه أنه لا يعلم شيئا ، فذهب يسأل الشيخ الذي يعلن عن نفسه بالفم المليان انه (عالم) عارف ، فاذا هو به بدوره جاهل لا يعلم ، ورغم انه يقر في النهاية انه لا يعلم فانه يتصرف من البداية علي انه وحده من يعلم مفتاح أي حقيقة أو معرفة صادقة تامة.
ان عبارة " والله أعلم" المشيخية لا تبدو تعبيراً عن تواضع ذات الشيخ العالم, بقدر ما هي تسليم بان الحقيقة شئ مخفي لا يعلمه الا الله, ولأن الله هو من أخفاها فهو وحده من يعرفها, هي دعوة صريحة لعدم البحث أو المعرفة أو العلم استسلاما للمشايخ. هذا بينما لم تنتقل أوروبا الي النهضة الا عندما كسرت قاعدة " والله أعلم" , واعتبرت الحقيقة والمعرفة مشاعاً موضوعياً لمن يبتغيها ويبحث عنها , وقالت: أنا أبحث.. اذن أنا أعلم.
بحث علماء الغرب فاكتشفوا أن سبب الاصابة بالمرض ليس المس الشيطاني ولا الغضب الالهي, انما هي كائنات محايدة لا علاقة لها بغضب او رضي تعمل علي أي جسم حي مناسب لحضانتها لتستكمل دورة حياتها, من ميكروبات وفيروسات وجراثيم. بحث الاوروبي فاكتشف ان عمر الكون مليارات السنين وليس 4000 سنة كما يقرر كتابه المقدس،فعلم وتأكد أن كتابه المقدس يقدم له كتالوجا مزيفا ،لان ماكينة الكون الموجودة تحت حواسنا وآلات رصدنا تقول شيئا غير ما يقول الكتالوج المقدس, لهذا قررت أوروبا أن تنحاز للعلم, وأحالت الكتالوج المزيف الي دار المحفوظات الاثرية, بينما المسلمون حتي اليوم يقبلون كتالوجات مزيفة, من كتالوج الصحيحين الي كتالوج الشعراوى, الي كتالوج قرضاوي الي كتالوج سليم العوا الى كتالوج فهمي هويدي وهلم جرا.. فهم اكثر من الهم علي القلب.
واذا كان الدعاة يرون أن لديهم كل الحلول الربانية الجاهزة كأكمل الحلول واكثرها نجاعة لكل شأن في الحياة, فلماذا نحن دون الامم قبيلة الله المتخلفة التي أختارها رب السماء خيرا للأمم ؟ ؟ !!!! .
لقد كانت حلولنا مع اسلامنا مطروحة في سوق العالم عبر التاريخ ومع ذلك فان العالم الغربي عندما اختار لنهضته ، لم يختر الاسلام انما اختار فلسفة اليونان وديمقراطيتها وفنونها, واختار قوانين الروم ودساتيرهم وفنونهم, ورجع لأوزيريس وعشتار وأدونيس كأفكار انسانية ...كل المعارف والفلسفات كانت مطروحة في سوق العالم للمفاضلة والاختيار, ومن بينها كان الاسلام الذي يتميز عنها جميعا بكونه رباني المصدر, بل انه يجب كل ما قبله, لكن عند الاختيار العالمي لم يختره أحد واختار الجميع غيره, فهل قصر دعاتنا في تبليغ العالم بدعوة الاسلام واكتفوا بالجلوس بيننا يدعوننا نحن الى الاسلام بعدما اسلمنا بألف واربعمائة عام.
كذلك تقوم لغة العلم كله طبيعياً كان أم انسانياً, فلسفة أم سياسة أم اقتصاد أم قانون علي التراث اليوناني والروماني وليس فيه من الاسلام شئ. واختار العالم الذي تقدم قيم الوثنيين وترك القيم الربانية !! لماذا يا تري؟ ولماذا أصبحنا بين بلاد العالم من يحتاج الي اصلاح باعتراف الجميع؟ لماذا تخرج المظاهرات في بلادنا تطالب بالديمقراطية وحقوق الانسان, ولا تخرج في اوروبا وامريكا مظاهرات تطالب بالشوري وبالجهاد وتعدد الزوجات؟ أليس ذلك بعلامة بليغة علي تقصير الدعاة رغم ما حازوه من ثقة شعوبهم وتسليمهم لهم؟ مع ما حازوه من نجومية وأبهة اجتماعية ومنازل سلطوية ورفاة وسعادة ، أدناها منزلة لهط الثريد لهطا, وهو كله ما وفره لهم بسطاء المسلمين الفقراء مخصوما من دخولهم المتواضعة, كي يتمكن الدعاة من نشر دين المسلمين وحمايته.
ما بين عامي 1919 و 1952 تشكلت في مصر نواة لطبقة برجوازية أفرزت ليبرالية وليدة, وفي ذلك الزمان تراجع دور الشيخ تراجعاً كبيراً بل ومهينا, وكان الشيخ هو محل عمل كثير من ألوان الكاريكاتير في المسرح والسينما والصحف , كان توجيه السؤال الاستنكاري لأي محاور "هوه أنت فقي؟" يعتبر اهانة شديدة , فهو استنكار تصغيري يشير الي العقلية الحافظة علة الجمود والببغائية, هو أيضا سخرية مرة من العاملين بشئون الدين علي العباد, صاحبها وعي شعبي واسع بدور رجل الدين في التخلف امام دنيا متسارعة . في ذلك الزمان كان الازهر هو المكان الوحيد الذي يكفل لطلا به مع العلم الديني كل سبل المعيشة من اقامة وجراية طعام وكسوة ، جلبا لزبائن حال الفقر بينهم وبين التعليم المدنى ، فكان علي المستوي الطبقي ملجأ عاما للمعوزين والمعدمين وبخاصة ذوي العاهات منهم. حتي جاءت ثورة يوليو 1952 ( المباركة ) لتقيم شرعيتها علي التحالف مع الازهر, واعلاء شأنه حتي يكون مصدراً محترماً لشرعية حكمها. وانتهي المشروع القومي بهزائم منكرة انتهت بقيام الصحوة الاسلامية (المباركة بدورها) علي انقاض المشروع القومي (المبارك ) المهزوم. ومع الصحوة عاد الشيخ الي الصدارة بقوة أعطته مساحة تسلط علي العباد لم يسبق أن حازها من قبل خلال تاريخه, وهو الامر الذي ساعدت عليه تقنيات الاعلام الحديثة من صحف وتلفاز ومذياع, وهو ما كان في بلادنا من حق الحكومة وحدها تصوغه كيفما تشاء, لكنها - لحسابات سلطوية بحت ، وبقصد قطع شعوبنا عن الحداثة - بدلا من أن تصوغه تركته لحلفائها من مشايخ سداحا مداحا, مما انتهى الي ضياع عقل الوطن, بينما أصبح الدين اسهل مطية لكل من يريد أن يركبنا, ويعمل علينا شيخ.

وكان للظرف الموضوعى دورة الفصيح فى نشوء طبقة رجال دين فى الأسلام منذ فجرة: عندما اعتمد المسلمون على حفظ القرأن كنتيجة طبيعية لانتشار الامية ، اضافة الى صعوبة قراءة القرأن لعدم تنقيط الاحرف ولا تشكيلها بعلامات مميزة ، مماجعل مثل هذة القراءة بدون شيخ معلم وملقن ومرشد تكاد تكون غير ممكنة بالمرة ، ومن ثم ظهرت طبقة القراء التى اسست من بعد لطبقة رجال الدين التى احتكرت الفهم والتفسير بحكم الأستاذية . وابان الصراع السياسى فى الفتنة الكبرى وما تلاها من فتن ، امكن لهؤلاء اكتساب القداسة بمبدأ كان مرفوضا زمن الدعوة وزمن الخلافة الراشدة وهو تدوين السنة ، مع اختراع الأحاديث حسب الطلب وبالقياسات المرغوبة ، أصبح لهم مهمة مقدسة اضافية هى تفسير القرأن بالحديث . ومنذ شرع الخليفة عمر ضرب عنق من يختلف مع الستة المرشحين للخلافة من بعدة ، امكن بالقياس ان يصبح هذا الجزاء بجز العنق من عرشة ، من نصيب من يدلى برأى غير ما يقول بة اهل الدين .
وخلال الفترة القريبة من متغيرات نصف قرن أو يزيد قليلاً,أ ثبت المشايخ علي طول الخط أنهم لا منشغلين بالناس ولا حتي بالدين, انما كانوا مع مصالحهم وحلفهم السلطاني, وهو الحلف الذي تدني بهم الي حد استخدام الدين بانتهازية ورخص وابتذال ، لتبرير كل المتناقضات للسلطان ، كي تدوم انعاماته ورضاه علي اهل حظوته من مشايخ. عندما كانت مصر ملكية كانوا يهتفون والاخوان امامهم " الله مع الملك" ، وعندما دارت الايام وجاء الزمن الناصري اكتشفوا ان الاسلام هو الذي أسس للاشتراكية, وخوطب النبي محمد " الاشتراكيون أنت امامهم" ، وفي الزمن الساداتي اكتشفوا انهم كانوا مخطئين في فهم الدين خطأ فادحا علي النقيض الكامل من مقاصده, لانه دين اقتصاد سوقي مفتوح حر, دين جعل الناس درجات وطبقات. كذلك كان موقفهم عندما كان السلطان يريد حربا, وكيف ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله كأنهم بنيان مرصوص, ومع توقيع كامب ديفيد بين مصر واسرائيل عادوا فاكتشفوا بالرسوخ في العلم ان رسوخهم الاول كان باطلا, لان الله قد امرنا أمرا واضحا ان نجنح للسلم ان هم جنحوا لها.
وهكذا يكتشف المسلم أن منظومته المقدسة المطهرة ذات المصدر الالهي هي الاشد تعرضا للانتهازية والاستغلال من مشايخ يعلنون أنهم أهل هذا المقدس وحماته. وانهم بدلا من أن يصونوا دين الله بابعاده عن العبث والخطأ والطمع البشري, فاذا هم من يضيفون الي شرع الله ما ليس فيه, ثم يكتشفون خطأ اضافتهم في كل مرة, ليعودوا يصوبوا ويضيفوا المزيد, ان مثل هذا التدخل في المقدس هو تدنيس له, ويشير الي ان مشايخنا يشتهون النبوة, أو بعضها.
ومع حضور فوضي الصحوة الاسلامية التبست المعارضة بالتشدد الذي لم يقف عند حد معاداة السلطة او المشايخ الرسميين, بل تجاوزه الي معاداة المواطنين والمجتمع كله. ولم يكن مشايخ المعارضة الاسلامية المسلحة أوفر حظا بالمبادئ والقيم المحترمة من مشايخ السلطان, فقتلونا ، وحاكمونا ، وكفرونا ، وهددونا ، ومزقوا الوطن ، ودمروا السياحة بوحشية فضحتنا أمام العالم. وقد فعلوا ما فعلوا بدورهم بادعاء الرسوخ فى العلم ومعرفتهم وحدهم بالمعاني الصحيحة للوحي الاسلامي, ليعودوا هم انفسهم وليس غيرهم ، ليكتشفوا ان رسوخهم الاول كان باطلا, وانهم قد اكتشفوا رسوخا جديدا, ليكتبوا سلسلة المراجعات التصحيحية التي تحولوا فيها عن العمل المسلح الي خوض العمل السياسي السلمي. ليوضحوا ان رسوخهم الثاني قد نسخ رسوخهم الاول بأمر الله؟!.. الاترونهم...؟.. انهم ينسخون ؟! انهم يقلدون السماء... انهم لا يشتهون النبوة فقط،.... انهم يشتهون الربوبية!!
ومن ثم لم يعد لقب (داعية) قاصرا علي الدهاقنة الرسميين ، وانما حازه امراء الجماعات الارهابية علي كل صنوفهم, حتي تقدم هؤلاء للعمل بمهمة الفتوي ليبرروا جرائمهم بدورهم ، التي هي جرائم دموية بكل المقاييس ويعطونها شرعية سماوية مطهرة . وهكذا يضعك كلا النوعين من المشايخ في مشكلة ، لانهم يتحصنون وراء السلطان ووراء الدين وتفسيرهم له, فان انت اردت اطلاق سهم علي السلطان رشق في الدين ، وان اردت نقداً للشيخ (سلطانيا كان أم ارهابيا) اصبت الدين بنقدك!! ويبقي السؤال : اذا كان موضوع اهتمام المشايخ سلطانيين أو ارهابيين هو الدين , والدين واحد وربه واحد , فلماذا يختلفون؟ انهم يختلفون بشأن دين كامل وليس شيئاً بسيطا هينا. ربما يصح افتراض ان الاختلاف طبيعي لتفاوت العقول والبيئات والثقافات المحلية والمستوي المعرفي .. الخ, لكن الصحيح باطلاق انه خلاف حول المصالح ، والمكاسب ، والسلطة ، وبلهنية العيش فى طراوة السمن البلدى ، بدأ مع الامة مبكراً في فتن وجوائح قسمتها فرقا وشيعا متقاتلة تكفر بعضها بعضا ، لانها تعمل جميعا تحت راية الكتاب والسنة المفترض انهما يعبران عن دين واحد ، وأمة واحدة ، ورب واحد!!
اذن لا مفر عن استنتاج أن الدين في حد ذاته لم يكن هدفا واضحا لصراع الشيوخ وانقسام الفرق وتعدد المذاهب. انما كان الانقسام تسهيلا للشيخ كي يتمكن من السيطرة علي فريق من المسلمين يلتفون حوله, يمدهم بآرائه تشريعا لوجوده ووجودهم مع ضمان الاستمرارية والتنفيذ, وضمان رسوخه في سدة القيادة.
ويلاحظ المراقب قيام تنافس الكهنة حتي داخل الفريق الواحد علي الاستحواذ علي أكبر جمهور, باستخدام فنون الخطابة والبلاغة واللباقة ، مع سمت الورع الملائكي احيانا ،أو سمت القيادي المقاتل الجسور احيانا اخري. لكن جميعهم يقومون بعرض ما يرضي الجمهور ويحببه في داعيته المتبتل ، أو شيخه المقاتل, مع الطعن في ايمان المنافسين . فمن سطع نجمه اصبح مرغوبا فيه من السلطان (مصطفي محمود, متولي شعراوي, محمد غزالي, زغلول النجار, يوسف قرضاوي ، فهمى هويدى.. الخ) وذلك لشهرته وقدرته علي التأثير في العوام, فيصبح شريكا في حاشية السلطان, وينال السيادة والسعادة مع الهبات والانعامات ويعيش فى المهلبية, أما الشيخ المقاتل فانه عندما ينجح فانه يعيش كالخفافيش ماصة الدماء فى الكهوف والبوادى والأصقاع المتبدية فى كهوف تورا بورا أوقندهاراو بوادى الشام والعراق ، يطلب المزيد من الدم البرئ دون أن يشبع أبداً.
وكان اشتداد المنافسة عبر التاريخ وراء فتح الباب لفكرة (التكفير) والاقصاء كحل ناجح مع المعارضين, فقامت الفرق الاسلامية تكفر بعضها بعضا,وقام كل طامع الى السيادة يطرح تأويلة الخاص للدين وفهمة لة فى سوق الأطماع ، بتسوييق فكرة مع تبديع وتكفيركل الفرق الأخرى بحسبانة من يعرف وحدة الأسلام الصحيح . وعادة ما يبدأالتكفير المتبادل بين التأويل الجديد وبين سابقة ليصل الى صدام وقتال. وفى تاريخنا ما كان أكثر القتال للوصول الى السلطة بالدين ، بل ان تار يخنا ليس شيئا غير ذلك ، وما أشنع ما ارتكبوا من مجازر علنية حتى ابيد بعد أل البيت فرق بكاملها مع كل ما انتجت وقالت ، وبقى الفريق المنتصر وحدة سيدا . ولأنة انتصر فلا شك انة كان على الحق ، ولأنة من يملك الحق فهو يؤكد ان الحق واحد فقط لاغير ، ومن ثم فغيرة هو الباطل المطلق وهكذا انتصر القتلة وأصبحوا اسيادا لنا . لقد حاءنا القتلة ومشايخ المنسر بالحق بعد أن ابادوا الباطل ومحقوة وسحقوة ،العباسيون ابادوا الأمويين واخرجوا جثث من مات منهم حتى يجلدونهم ، ثم أين المعتزلة ؟ اين المرجئة ؟ اين الجهمية ؟ اين المعطلة ؟ اين مؤلفات ابن الراوندى والرازى ؟ كانت الاباده تمتد الى الفكرة . ان من يحكم المسلمين اليوم فكر قاتل وسلطات قاتلة وتشكيلات عصابية التكوين قبلية القوانين طائفية عنصرية ، ولو رددنا كلام مقتول سابق لأصبحنا المقتول اللاحق . وكان أكثر هذه الفرق ضراوة ، هو ما يسمي مذهب بن عبد الوهاب الذى تحالف مع ابن سعود للاستيلاء على حكم الجزيرة ، و الذي يتم تعريفه بحسبانه تجديدا لمذهب الامام أحمد بن حنبل . لذلك لا تجد مبدأ التكفير مرفوضاً في بلادنا او مستهجنا ممجوجا ، بل هو يسير فينا مسري الامراض المستوطنة, لانه لو لم يقم عبد الوهاب بتكفير بقية الفرق فلن يحصل على اتباع ... لن يحصل على زبائن مادامت الفرق الاخري سليمة صحيحة, فالتكفير هنا أداة اعلان ؛ وايضا ؛ وهو الاهم ؛ انها اداة ترويج و تسويق يعمل بها لنفسة زبائن ..... لانه لو قال ان الشيعة والمعتزله والاشاعرة علي صحيح الدين فأنة سيترك مجالا للاختيار, وربما ذهب الناس الى هؤلاء وتركوه ها هنا قاعداً, انها باختصار بلاغي ما قالة المثل الشعبي المصري : " ما يكرهك إلا ابن كارك" ، ومن ثم كانت الاختلافات الحادة حتي انهم لم يتفقوا علي الرب الذي يؤمنون به ،و بصفاته, وذاته ، وكلامه مخلوق أم أزلي ؟ والنتيجة التكفير والتقتيل . وهي موضوعات صراع نخبة المسلمين المتخصصين, فما بالك بالعوام منهم؟ وتظل الفرقة أو المذهب يردد ذات الكلام, ويكرر ذات القصص, ويؤكد ذات الاساطير ، كأنهم جميعا غير مصدقين لما بين أيديهم ويريدون التصديق بمزيد من التكرار والترديد دون أي جديد. و مع الصحوة أصبحت المدرسة والصحيفة والاذاعة والتليفزيون أماكن ووسائل مهمتها تعليم الناس الايمان, وبات لا يخلو خبر محايد ، أو برنامج حواري ، أو محاضرة ، أو حتي فنون درامية ، من مهمة دعوية, حتي أمسي الحكم علي الرأي حتي في أخطر الشئون ليس بمدي نفعه او ضرة ، أو صوابه من خطئه ، انما بقدر ما دعم نفسه بالايات والاحاديث أو أي حكاية من حكايات زمن التابعين وتابعي التابعين. والسبب الواضح هو أن الاستعانة بالمقدس والاستناد اليه في الخطاب الموجه للمسلمين, هو من أجل الارغام علي قبول القول والخضوع للأمر حتي يرضخ الجميع, فظهرت مع الصحوة أسوأ أنواع الديكتاتورية لانها الاستبداد بمساندة رب السماء.
في حوارات المشتغلين بالدين وموظفية ، لا يجدون باسا من اظهار بعض الاحترام لمنجز الحداثة وقوانبن العلم والعقل مداورة والتفافا ،لانهم عندما يجدون ان الحوار غير مجد ، مع رغبة الداعية في فرض فكر يتنافي مع العقل ومنطقه ، فانه فوراً يلجأ للحديث والآيات ليرضح المسلم بعد أن تحاور بالعقل وأشبع رغبته في الشغب الحميد ، ليقبل بعد ذلك ما يرفضه عقله احتراماً لآياته وآحاديثه القدسية.
وقد ساعد التطور التقني والعلمي في وسائل الاتصال والاعلام في تطور الدول نحو مزيد من الارتقاء العلمي والحقوقي, بينما في بلادنا تمكن حلف الشيخ والسلطان من استثمار هذه الادوات والتقنيات لمسح وعي المسلمين واعادتهم الي الوراء قرونا ، لأن مثل تلك الاجهزة لا تملكها في بلادنا الا الحكومة التي هي الدولة نفسها (!!) ومن ثم أمكن لهذا الحلف بتلك التقنيات العالية من انجاز أكبر عملية تدجين مجرمة تمت في التاريخ لشعب من الشعوب في أقصر فترة زمنية ممكنة, وأصبحت الزيادة في دين الله ملعباً مشيخياً ، حتي أصبح الحجاب فريضة سادسة, وعادت اللحية مع الجلباب الباكستاني لينتمي الجميع الي هناك وليس الي هنا.. فدخلت البداوة الوهابية العنيفة الي بلاد هي بطبيعتها الزراعية كانت الاميل الي السلم, لتسيطر علي مختلف الاقطار من فاس الي بغداني وعلي كل بلاد العرب أوطاني ، ثم لتتجاوز الجغرافيا مسافرة في كافة مناطق العالم اينما يعيش مسلم. لاثبات أن العرب الفاتحين وان لم يعد لديهم في البلاد المفتوحة جيوش احتلال ، فان لهم ثقافة حولت كل المسلمين الي غزاة فاتحين طول الوقت, ينتمون بالولاء الي حيث جغرافيا الاسلام ، الي الحجاز الوهابي . ثقافتهم بالصحوة الاسلامية جاءت بفتح جديد وغزو غليظ, يفقد فيه المواطن حريته من دماغه, فيسافر شابا يافعا واعدا ، متهربا متخفيا بلدانا وبحارا وصحاري ، لكي ينتحر عند باب مسجد او حسينية او فى تشييع عزاء في العراق, معتقدا انه حر مختار فيما اختار ، وانه علي الحق الذي لا شائبة فيه, وانه قدم حياته فداء لدينه وربه وامته!!
ومن المبادئ الاستبدادية الراسخة بطول التاريخ, أنه اذا أردت نشر شئون لا تقبل المناقشة فعليك بالارهاب ، لأن الارهاب يذهب باللب والعقل فيصبح الانسان مذعورا مرعوبا ، لا يجد معروضا أمامه في سوق الفكرة سوي أهوال يوم القيامة ، وعذاب القبر ، والجن ، والعفاريت ، يحيطون به في كل مكان ، ومع الهلع والبحث عن الامان من هذه الخوف المقدس يصبح المسلم علي استعداد لتسليم أي شئ مقابل الامان حتي لو كانت ارادته أو روحه, وهنا يظهر له الشيخ اللطيف الوديع ليمنحه الامن والطمأنينة ، انها ذات قصة فاوست ، فالشيخ او الشيطان سيحمل عنه كافة أوزاره ببعض الفتاوي ، ويطمئنه أنه المسئول عنه أمام رب الجبروت, ويأخذ منه مع روحه ، ارادته ، و عقله أيضا ، مقابل المسبحة وكتاب الادعية وسجادة الصلاة ، وحزاما ناسفا اذا كان من المحظوظين المختارين ، لجنة عرضها السماء والارض.
لو كنا آمنين ولا يحيط بنا هذا الخوف المقدس الرهيب لفكرنا ، وناقشنا ، وربما قاومنا ، وهنا يخسر الشيخ نفوذه كله, لكنه بالارهاب الدائم يرعبك ليشل تفكيرك, ويشير اليك : هذا هو المخرج الآمن ، وستجد هناك كتب فتاوي بن باز وبن عثيمين وابن قرضاوى وابن جمعة, ثم عليك أن توافق علي كل شروطه التي يعرضها عليك مقابل الامان, لتصبح تابعا صالحا تعلو درجاته بقدر ما يقدم من علامات الخضوع والطاعة والخنوع. فهو يؤكد للمؤمن الطائع الخانع انه قد امتلك كامل حريته ، لانه تحول من عبد للعباد الي عبد للإله, بينما هو في الحقيقة أصبح عبدا لأسوأ انواع العبودية...للمشايخ أوللسلطان!! وهكذا اصبح مشهد المسلمين ومشايخهم وسلاطينهم ، مشهدا بائسا زريا يزري بالعقل وبالشخصية الانسانية, موقف هو منتهي الاستخفاف بآدمية الانسان ، وبعقله ، وبكرامته ؛ أصبح الشيخ يقوم بتلعيب المسلمين علي كيفه, نام نوم العازب.. ينام فورا, قل دعاء طلوع السلم.. يقول, اعمل عجين الفلاحة..يعجن, اقرأ دعاء دخول الخلاء .. يقرأ, لا تركب زوجتك الا بموافقة القرداتي ، بكلمة سر الليل المعروفة بدعاء النكاح , يقرأ ، ليثبت الشيخ حضوره في أخص أوقات المسلم ....... حاشرا نفسه بين الزوجين.
وتري المأساة مجسمة كاملة الاهانة, محزنة جارحة مؤلمة ، عندما تتابع أسئلة المسلمين لمشايخ الفضائيات ، وكم هي تافهة الي درجة تصيب بالدهش والحيرة مما وصل اليه العقل المسلم. ويبدو أن مشايخ الفضائيات يعمدون الي ابراز تلك التساؤلات المزرية عمداً ، لزيادة تحجيم العقل المسلم داخل اضيق الاطر الممكنة ، التي تضيقها الفتاوي يوما بعد يوم. استفسارات الفضائيات تشير الي مسلم سلبي جاهل ، لا يعرف كيف يتخذ ابسط القرارات في خصوصياته البشرية, تمت برمجته ليعود اليهم في كل شأن , سلبوه ارادته بمزاجه وكسب هو ضمان الا يضل ، فهذا الجيش من المشايخ هم من سيختارون له ما هو مضمون الصحة وسليم النتائج, حتي ضمر العقل المسلم ودخل في غيبوبة الاحتضار, في حالة موت سريري طويلة.
كانت السنة المحمدية هي أقوال وأفعال النبي محمد ، فيها ما يجوز الأخذ به والاقتداء به طلباً للثواب, وفيها ما لا يصح الاخذ به لأنه كان من خصوصيات النبي, ومنها ما لا يأثم المسلم ان لم يأخذ به ودون أن يخرج علي الملة. وبموت النبي ظهرت سنن من لا يوحي اليهم : كسنن الراشدين المهديين, ثم أخيراً ومع الصحوة الاسلامية وعودة الفتوحات بقيادة بن عبد الوهاب, ظهرت سنن الائمة الفقهاء والعلماء بطول التاريخ الاسلامي تحت مسمي الفتوي والاجتهاد الفقهي. وتضخم شأن الداعي والمفتي لتعلو منتجاتهم علي المنتجات المحمدية ؛ التي يجوز أخذ بعضها وترك بعضها . لأن سنن العلماء كلها جبرية لا اختيار فيها , كلها ملزمة رغم انها غير موحي بها ، ولم يعلم بها حامل الوحي جبريل اصلا . كلها ملزمة رغم انها جميعها انتاج بشري, انها وضعية, ان سنن الوحي علي لسان النبي الذي لا ينطق عن الهوي فيها ما يجوز تركه دون عقوبة سماوية رغم ان صاحبها هو الله, أما سنن مشايخنا فلا يجوز ترك اي منها, رغم ان الله لم يوح لاحدهم بها, اصبحت سنن مشايخنا هي قول وفعل من لا يوحي له.
والملحظ الهام بشأن الفتوي انها خصوصية اسلامية, فاذا كان الاسلام هو آخر الاديان وتمامها وكمالها وأشملها فلماذا هو بحاجة للفتوي؟ ان الفتوي هي استكمال نقص وهو ما يشين ديننا وهو متكامل بذاته وليس بة من حاجة لمشايخ الفتوي.
ويمكن رصد أنواع الفتوي وحصرها في أربع حزم, الاولي هي الفتاوي الخاصة بالعبادات من صوم وحج وصلاة وزكاة ، والثانية اجتماعية يتلقاها المفتي من السائل وتتعلق بشئون شخصية وعائلية ، وفى هذين النوعين عادة ما يلزم الشيخ السائل بحل بذاته وسلوك بعينه دون تفرقة بين ماهو عبادة وبين ماهو شخصى او اجتماعى، فهم يزعمون ان أى سلوك المسلم هو تعبد وضمن هذا السلوك يأتى التزامة بالفتوى ، التى تصبح أوامرها جزءا من العبادة, بينما الصواب هو أن يقدم الشيخ راية كنصيحة ومشورة غير ملزمة لانه شأن يخص الناس وليس شانا من شئون الدين في ذاته. أما الحزمة الثالثة فهي الفتاوي التي تصدر عن دور الافتاء, والتي تصدرها تلك الدور دون طلب من أحد ولا تتعلق بأمور العبادات , بل هي تأتي لاثبات الوجود كانها قرارات جمهورية تلزم وتمنع وتسمح دون طلب من أحد ، وهو ما أوقع الدبلوماسية المصرية في الحرج أكثر من مرة, حتي تم انذار دار الافتاء رسمياً من وزير الخارجية المصري, للتوقف عن التدخل ذلك التدخل الناشئ عن شعور المفتي بضعف الحكومة واحتياجها للكاهن باستمرار . مصيبة مثل هذه الفتاوي أنها لا تتوقف عند الحدود المحلية بل هي عابرة للقارات, رغم انها ان صلحت في موطن قد تكون خرابا عاجلا غبر أجل في موطن آخر. ورابع انواع الفتوي هو تلك الحزمة من الفتاوي المتبعثرة الصادرة عن غير ذي صفة , تدعمها تيارات شعبية غير رشيدة، بها قتل السادات ، وبها دمرت طابا ،و شرم الشيخ ،ودهب ، والعريش، وبها جرت مذبحة الاقصر ،وبها قتل فرج فودة ، وبها نهبت بيوت الاموال فقراء المسلمين, وبها ندمر العراق ونقتل ابناءه.
حرمت الفتاوي التدخين فاختفت السجائر من البقالات وانزوت في الاكشاك ، وأصبحت قاعدة دينية , ثم حشرت انفها فيما هو اخطر فحرمت الفن ، والاستنساخ ، والتطعيم ، ونقل الاعضاء ، فأغلق بنك العيون أبوابة !! وبما ان الفتوي تشريع قانوني قدسي فانها تصعد الي السماء ، وعلي السماء هنا أن تفهم ، و ان تسمع ، وان تعى ، وان تطيع ، وان تنفذ . فعندما يفتي المفتي بحرمة التدخين ، يصبح من الضروري علي ربنا أن يسمع الكلام ، وأن يلتزم بالفتوي ويدخل المدخنين نار جهنم. كذلك علية أن يعاقب جريمة نقل الاعضاء , وأن يعاقب المشتغلين بالفن ، وأن يدخل غير المحجبة الي النار, دون وجود نصوص عقابية في كلام الله في أي شأن من هذه الشئون, لكن علي الله أن يقوم بالوظيفة التي أناطها به كهنة المسلمين .............. وظيفة الجلاد.
ومع اختلاف الفتاوي باختلاف ألوان الفقه ما بين جعفري شيعي ، وسني ، وزيدي ، وغيره, لابد أن يتساءل العقل المسلم : بأي فقه منهم سيلتزم ربنا ويقوم بدوره التنفيذي ؟.. في نفس البلد الواحد مثل مصر تتضارب فتاوي الازهر بالنقيض الكامل مع فتاوي دار الافتاء (البنوك , ختان الاناث ، كنماذج) ، فهل سيحتار ربنا هنا في تنفيذ الفتاوي المتضاربة ؟.... التي تصعد اليه أوامر من الأزهر ودار الفتوى والتشريع ومن قنوات الجزيرة ، والمجد، واقرأ ، وإكرة ، واخواتهن ، ومن بن باز ، واين عثيمين ، وابن جمعة ، وابن لادن ، وابن الزرقاوي, وابن قرضاوى ، وابن هويدى ، وابن عاكف ،وابن العوا . ثم ماهو المعيار الذي سيستخدمة ربنا في الاختيار والمفاضلة بين تلك الأوامر والنواهى المتضاربة الصادرة الية ، مع ما يفرضه المفتي علي الله لتعذيب من يعصي المشايخ ، واثابة من يرضون عنه.
تحكي لنا كتبنا التراثية, أن نبي الاسلام في مرضه الأخير صلي قاعدا الي جوار أبي بكر, "فلما فرغ من الصلاة أقبل علي الناس وكلمهم رافعا صوته قائلا: يا أيها الناس سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم وإني والله لا تمسكون علي شيئا إني لم أحل لكم إلا ما أحل لكم القرآن ولم أحرم عليكم الا ما حرم القرآن /الطبري سنة 11ص198".
فالرسول صاحب الدين لم يحرم علينا الا ما حرم القرآن ، وترك لنا فيما عدا ذلك مساحة حرة واسعة ، نتعامل فيها بعقولنا وحسب ظروفنا ومصالحنا, وهي المساحة التي لم يأت القرآن علي ذكرها, فأنقض عليها الكهنةا ليؤمموها لصالحهم ليجدوا فيها مكانهم الدائم. ليحرموا علينا ما لم يرد في قرآن ولا سنة ، كتحريمهم مستحدثات العلم والطب كالتطعيم والاستنساخ والتلقيح الصناعي وزرع الاعضاء, وهي شئون لا يعرفها الاسلام ولم تكن فى سنة ولا في قرآن ، فأضافوا للاسلام تحريمات ونواهي دون وحي يوحي. علماً أن من يبدع نصف دين أو ربع دين هو مبتدع لدين جديد غير دين الله, هو كاذب شرير علينا ، وعلي الله ، وعلي الدين, وهي البدعة الملعونة في الاسلام نصا وروحا ، اصطلاحا ولغة, لانها بدعة في الدين، انهم بهذا المعنى من المتنبئين .
الفتوي اسمها فتوي شرعية , والدار الرسمي لها اسمه دار الفتوي والتشريع, لذلك هي قانون ،ومع سيل الفتاوي المنهمر ؛ أصبح كلام الفقهاء والمفتين في منزلة الوحي وشريعته, وأصبحت الفتوي قانون ديني ملزم الزام الوحي. رغم أن كل ما قال الفقهاء ، والمفسرون ، والمفتون ، وأصحاب المذاهب ، قد صدر بعد توقف الوحي بموت النبي, وهو ما يعني انها غير ذات سند سماوي ولا يمكن ان تكون في حجية شريعة محمد, لانها جميعا من وضع البشر ، ............ انها جميعا بهذا المعني "وضعية" بكليتها تشوبها نقائص الوضع مثلها مثل اى منجز انسانى اخر.
الشيخ اذن لا يملك أية قداسة بل هو لاعب بدين الله, ويضع رأيه الشخصي مقدما علي الوحي الالهي ويفرضه علي المسلمين ويلزمهم به, ومع معرفتنا ذلك يجب أن تتراجع مهابة الشيخ الرهابيه من انفسنا, فهي حالة رهابية غير ذات سند ولا سلطان ولا شرع الهى ولا ارضى.
ان السبب الحقيقي وراء فوضي المشايخ والفتاوي والدعاة في بلادنا انه ليس لدينا مجلس تشريعي حقيقي ، ولا قانون مدنى حقيقي, وهو ما أدي الي تأكل الدولة المدنية ومؤسساتها وتراجعها, ليحل الشيخ في كل محال اتخاذ القرار والسيادة الممكنة, وأمسي يمارس حقوقا لا يملكها غيره من المسلمين دون مبرر واحد ديني أو دنيوي يمنحه تلك الحقوق, ويرفض ان يكون لغيره من المسلمين مثل هذا الحق ، ناهيك عن غير المسلمين من مواطنين . الشيخ يفكر .... اذن علي المسلم ألا يفكر. فقد قال الغزالي ، وقرر بن تيميه ، وحسم بن حنبل ، وانتهى ابن عبدالوهاب .. ، هذا هو مقياس الامور ، و بة حسمها أيضا ، أقوالهم هم ، فيلعبون في شغل الله ، ويعبثون بتخصصاته ليسلبوه بعضها, ويتهمون العلمانيين الضعاف من أمثالى بالعبث بدين الله مع تكفيرى بغرض قتلى. فمثل هذه المقالة التي بين يديك مثلا هي عندهم عبث بدين الله ، رغم انها لم تفتر فتوي ، ولم تضف ألى الأسلام ، ولم تحذف منة شيئا ، أنهم يلبسون علي المسلمين ان من مسهم اومس فتاواهم فقد مس الله ذاته ، الم اقل لكم انهم يشتهون الربوبية !!!
ان صحيح الايمان المفترض، يؤمن ان الله عندما ترك ما ترك دون تشريع أو تدخل ، لم يكن سهوا منه ، فلا شئ عنده عبثا. انما ما يجب أن يفهمه المؤمن ان الله ترك ما ترك قصدا ، وعمدا ، لانه لم يرد التضييق علي عبادة بالاكثار من التشريعات ، والتحريمات ، والتجريمات. ليترك لهم عن قصد منة ورغبة مساحة حرية يمارسون فيها انسانيتهم ، يضعون لانفسهم فيها ما يناسبهم من تشريعات, لان الله كان يعلم أن الدنيا ستتطور, وكان يعلم أن الاحوال ستتبدل لانه هو الله, وليس غيره اله ، اليس هذا ما يعتقد المسلمون ؟.
هل يعتقد المسلم البسيط أو المفكر أن رب الاسلام ، كان لا يعلم أنه سيكون في الارض يوما بلدا مثل امريكا وبقدرات امريكا, او بوجود الاتحاد الاوروبي, أو هيئة الامم ........؟ بالطبع فيما يعتقد المؤمن ، ان اللة كان يعلم ، كان يعلم ولم يذكرها ولم يضع لنا اي قواعد تشريعية محددة للتعامل معها ، وترك لنا مواجهة مشاكلنا بأنفسنا فسكت عنها ، لكن مشايخنا يحلون في مساحتنا الحرة ليصادروها ، و ليصدروا فتاواهم ازاء مثل تلك المستحدثات.
واذا كان رب الاسلام قد علم بذي القرنين وفتوحاته كما ورد بالقرأن ، فلا شك انه كان يعلم ان استاذ ذي القرنين كان هو الفيلسوف اليوناني ارسطو, وأن استاذ أرسطو كان افلاطون ، ومع ذلك لم يندد لا بأرسطو ولا بأفلاطون ولا بالفلسفة ولم يكفر المتفلسفين ..... كما فعل الامام حجة الاسلام أبو حامد الغزالي من بعد ، وألجمنا عن التفلسف والكلام ، بكتابه (الجام العوام عن علم الكلام) ، بينما لم يفعل ذلك ربنا فترك لنا ما تركه دون ان يحدد منه موقفا ، ليكون مساحة المؤمنين الحرة للاخذ من السياسة الارسطية ، أو الجمهورية الافلاطونية ، أو قوانين سولون وروما ، او من ديمقراطية اليوم ومقد ساتها القانونية الحقوقية الراقية انسانيا.
ان رب الاسلام أيضا حسبما يخبرنا القرآن كان علي علم بأنظمة الحكم المختلفة ومنها حكم بلقيس لمملكة سبأ, وكيف انها كانت لا تتخذ قرارا الا بعد الرجوع الي مجلسها الشعبي (ملئها) ، ولم يعترض عليها نبي الله سليمان بهذا الشأن ، حسبما جاء فى القرأن، ولم يعب عليها نظامها في الحكم, لكنه عاب عليها دينها, وترك لشعب سبأ نظامهم شبية الديمقراطي في الحكم ، دون ان يندد به أو يعترض عليه. كان ما عابة عليهم هو سجودهم لغير الله وليس طريقة حياتهم.
القرآن والسنة لم يتكلما عن زرع الاعضاء ، ولا عن التدخين ، ولا عن مجلس تشريعي ، ولا عن حقوق الانسان ، لأن رب الاسلام كان يعلم أن التطور وحده وهو قاعدة الكون الازلية, وان هذا التطور سيفرز ما سوف يفرزة في حينه ، وترك ذلك لعباده حرا طليقا لأنها شؤون لم تكن قد وجدت بعد ،و دون أن يدخله تحت قوانين مقدسة ، حتي لا يتجمد المسلمون عند النص, وحتي لا يختلف المسلمون حوله ويتقاتلون, تركها مساحة حرة لهم ليتنافسوا فيما هو الاصلح لهم ؛ بدلا من أن يتقاتلوا لعبا بالدين وبالسيوف وبمصائر شعوب بكاملها.
كذلك لم ينتقد رب الاسلام القيم الانسانية وما يحميها من قوانين وضعية, رغم انها كانت كقوانين من وضع المجتمع عبر جمعيات منتخبه شعبيا, كانت معروفة وموجودة في روما قبل ظهور الاسلام بألف عام كاملة, وسكت عنها القرآن وترك للأجيال اللاحقة عندما تكتمل نضجا وعندما تحتك بدول العالم وترتقي مثلها ، ان تسعي اليها تستلهمها وتستلهم منها, وهو ما سبق وسمحت ببعضة الضئيل الدولة العباسية ، فانجبت كوكبة من المفكرين لم يتكرروا بعدها أبداً.
أليست القاعدة : " مانهاكم عنه فانتهوا, وما آتاكم فخذوه" ؟ اذن لماذا يحرم المشايخ كل يوم شأن مما تركه الله مسموحا؟ ولو كان مضمون الفعل الفتوي أصلا من أصول الدين لقاله لنا ربنا ، ولم ينتظر الدعاة حتي يأتوا من بعد توقف الوحي ليكملوا له شرعه ودينه ويفتون في الارض كالآلهة.....فسادا ..... أنهم يريدون الربوبية ,,,, لا محيص . !!!!! .
ان من حق المسلمين اليوم ان يستردوا ما أخذه منهم المشايخ وما صادروه بفتاواهم, من حقهم ان يقيموا صناعة سياحة حرة طليقة تكفل عيشا كريما في بلد فقير, من حقهم ان يقيموا الكرنفالات السعيدة ، وان يستعيدوا الفرح ، والحفلات ، والفنون التي تروح عن الروح ، من حقهم ان يضعوا شرائعهم بأيديهم كبقية خلق الله , من حقهم النهوض بالمرأة ، وبالسينما ، وبالبنوك ، وأن تصبح مسألة أدخن أو لا أدخن ، أسهر بالحسين أو بكازينو بالهرم ، ألبس الحجاب أو الميني جيب أو طاقية الإخفاء , مسائل حرية شخصية يجب طرد المشايخ منها , حرصا علي الدنيا وعلي الدين وعلي عقول المسلمين.
ان طرد الدهاقنة والسد نة والكهنة والأحبار و المشايخ وكل من اشتغل بالدين من عالم المسلمين ، واجب ديني علي كل مسلم يحب دينه ووطنه, فليس في الاسلام كهانة ولا سدانة ، وليس في كتاب الله ولا في سنة نبيه شيئا اسمه الازهر أو رجال الازهر او جماعات تزعم الإسلام دون كل المسلمين. وتركهم يلعبون بنا ويديننا مأثمة عار علي كل مسلم فرط في كرامته التي منحها له الله (ولقد كرمنا بنى أدم ) ، وفي دينه ، وفي وطنه ، وترك كل شئ لرجال مثلنا لهم مطامع ورغائب ونزعات وحاجات بشرية , رغم أنهم ليسوا بآلهة ، ولا بأنبياء ، ولا بأنصاف أنبياء. ولاهم حتى من الصالحين .
أيها المسلمون أعلنوا ايمانكم بأن محمداً هو خاتم النبوات بطرد الكهنة من حياتكم ، حتي تصحوا وتتعافوا وتلحقوا ببقية الامم ، وربما عليكم قبل ذلك ............ اقامة محاكمات علنية شفافة ، لآخر جيل من هؤلاء في زماننا ، ولأسماء من مات منهم... زيادة فى تحرى العدل .

سيد القمنى
elqemany@yahoo.com
الحوار المتمدن

No comments: