Monday, July 12, 2010

لن تغرق السفينة.. ولكن لماذا؟

فى آخر مقال الأسبوع الماضى توقع ابنى الأكبر أن سفينة التخلف مصيرها الغرق ولذلك فإنه لم يمانع بل شجع ابنه- حفيدى- على السفر إلى كندا، وعلى كره منى وافقت من أجل مستقبل علمى ومهنى أفضل بالنسبة له. وإذا كان حفيدى قد وجد وسيلة الهجرة المشروعة إلى كندا فإن عشرات الألوف من أترابه لا يجدون هذه الفرصة ويركبون موج البحر فى موجات من الهجرة غير الشرعية إلى اليونان أو إلى إيطاليا أو غيرهما من بلاد أوروبا، منساقين وراء أحلام سرعان ما تتبدد إما بغرقهم فى قاع البحر أو بسجنهم فى بلاد الهجرة غير الشرعية أو بعودتهم إلى حيث يلقى بهم فى غياهب المعتقلات، لأن الدولة لم توفر لهم فرصة عمل ولم تضع خططاً للتنمية وباعت أرض مصر لمن يساوى ومن لا يساوى بيع سماح، ثم يجرؤ هؤلاء الأوغاد على الهجرة غير الشرعية لكى تكون فضيحتنا عالمية.

هكذا علل ابنى أسباب غرق السفينة.

ولكن أريد- ولعله من باب التمنى- ألا أوافق على فرضية الغرق- غرق سفينة التخلف- وأتصور أن هناك احتمالات أخرى كثيرة.

هناك احتمال قد يكون ضعيفاً وقد يرى البعض أنه يوشك أن يكون فرضاً مستحيلاً، وهذا الفرض يذهب إلى أنه مازال هناك احتمال أن يفيق النظام أو بعض سدنته من غفوتهم لكى يفتحوا باب إصلاح سياسى ودستورى واقتصادى حقيقى، ينقذ البلاد من كارثة محققة إذا لم يتحقق هذا الفرض، ويراهن أصحاب هذا الأمل على بعض أعضاء لجنة السياسات من أمثال دكتور حسام بدراوى وبعض من هم فى مثل وعيه وتقديره، والبعض الآخر يرى أن هذا الفرض هو أقرب إلى أمل إبليس فى الجنة، وأن حسام بدراوى نفسه لا يدرى ماذا سيصيبه غداً أو بعد غد نتيجه آرائه الإصلاحية التى يريد أن ينقذ بها نظاماً ينتمى إليه وبلداً أعطاه وأعطانا كل ما نملك من أسباب الحياة والحقوق وجعلنا أساتذة وجهابذة وعلماء.

ومع ذلك ومع أن الاحتمال فى نجاح هذا الفرض يبدو ضعيفاً إلا أنه فى تقديرى ليس مستحيلاً.

وإذا استبعدنا هذا الفرض ونظرنا إلى من هم على ظهر السفينة، فإننا سندرك عند تدقيق النظر أنهم ليسوا على شاكلة واحدة، ولكن يجمع بينهم جميعاً حال من الضيق وحال من الرفض لما هو قائم. البعض يرفض وهو نائم لا يفعل شيئاً وينتظر المجهول، والبعض الآخر يرفض ويفكر فى كيفية الخروج من المأزق. كيف يمكن إنقاذ السفينة؟ وهؤلاء أيضاً يختلفون فيما بينهم ولكنهم يقيناً موجودون على ظهر السفينة أو بعبارة أخرى على أرض هذا الوطن البائس.

وعلى أى حال فهم جميعاً يجمعون على ضرورة التغيير. تغيير النظام وتغيير السياسات والسعى نحو نظام يقترب من الديمقراطية. والديمقراطية الحقيقية التى يعرفها العالم كله الآن إلا حكام مصر المحروسة والكثرة من حكام العرب.

نظام يحقق تداول السلطة وعدم تأبيدها ثم توريثها. نظام يحقق وجود أحزاب سياسية قائمة بإرادة الناس لا بوساطة الأنابيب. نظام يقوم على توازن السلطات وليس على سيطرة فرد واحد وحوله مجموعة من الأفراد من السدنة والكهنة يعملون لمصالحهم ومنافعهم الخاصة.

نظام يؤمن بأن إرادة الشعب الحقيقية يجب أن تظهر فى كل انتخابات تشريعية أو محلية، لا أن تزور تلك الإرادة على النحو المهين الفاضح الذى حدث فى انتخابات الشورى الأخيرة وكانت محل استهجان العالم كله إلا حزبنا الشامخ العظيم.

هناك على ظهر السفينة أو على أرض مصر من يفكرون فى أن هذا التغيير ضرورى وحتمى ولكنهم يختلفون فى طرائق وأدوات هذا التغيير. منهم من يذهب مذهباً سلبياً ويقول نترك الأمور للزمن وهو وحده كفيل بإصلاح الأحوال. وهذا نوع من اليأس والتفكير غير العلمى وغير المنتج. ومنهم المغامر أو المقامر والذى يرى أن وسيلة التغيير لابد أن تكون بالعنف وعن طريق ثورة دموية كاسحة تزيح هذا النظام وتبنى مكانه نظاماً آخر يليق بمصر.

والسؤال الذى يطرح نفسه: هل عوامل الثورة متوفرة؟ وهل القدرة عليها موجودة حتى لو كانت عواملها متوافرة؟ تقديرى أن كثيراً من عوامل الثورة موجود، ولكنها ليست ناضجة بدرجة كافية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن أجهزة القهر الرهيبة وأجهزة الأمن التى لا تغيب عنها شاردة ولا واردة تتابع كل حركة وسكنة وتقمعها فى مهدها. أحد علماء السياسة الإنجليز الكبار- هارولد لاسكى- يقول: فى القرن السابع عشر والثامن عشر وحتى التاسع عشر كانت إمكانية الثورة على الأنظمة الطاغية موجودة لأن الدولة كانت تملك رصاصاً وكان الناس يملكون زلطاً ورصاصاً، ولكن فى القرن العشرين تبدل الحال غير الحال. لم يعد الغاضبون يملكون غير الزلط والرصاص الفشنك والدولة من الناحية الأخرى تملك وسائل قهر رهيبة لا قبل للشعوب بمواجهتها إلا إذا حصدت أرواح الآلاف، وقد حدث ذلك على أى حال فى بعض البلاد.

هذا الاحتمال تؤمن به وتدعو له قلة من الرافضين الغاضبين وهو فى تقديرى احتمال ضعيف وغير مأمون العواقب. وقد ينقلنا من نظام مستبد إلى نظام مستبد آخر «وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا».

وهناك من يرى من سكان المحروسة أن الحل فى أن التيار الدينى الذى هو أكثر التيارات شعبية وتنظيماً وارتباطاً بالبسطاء يعد العدة للانقضاض على السلطة بوسائل متعددة منها السلمى ومنها العنيف ولكنه يعد نفسه ليوم يرون أنه لن يكون بعيداً.

والخشية الكبرى من هذا الفرض أن يذهب هذا التيار إلى إقامة «دولة دينية» وليس هناك فى تقديرى ما هو أسوأ من الأوضاع الحالية إلا «الدولة دينية» ذلك أن استبداد الدولة الدينية لا يدانيه استبداد آخر، والتاريخ شاهد على هذا الذى نقول.

ولكن التيار الدينى بدوره ليس كله على شاكلة واحدة- من هذا التيار فئة أقرب إلى العقل والعلم بل العلمانية بمعنى أخذ الأمور مأخذاً نسبياً وليس مطلقاً- وهذا التيار يقترب من الفرض الباقى الذى أراهن عليه ويراهن عليه دعاة التغيير السلمى المخطط والمدروس.

كيف يكون ذلك؟

بتعبئة من يمكن تعبئته من طوائف الشعب حول مطالب التغيير وهى واضحة غير خافية.

دستور جديد يحقق تداول السلطة ويضمن سيادة القانون واستقلال القضاء، وعدالة اجتماعية ضرورية وحتمية، وسياسة خارجية غير منحازة إلا لمصر ومصالح مصر. وأظن أن هذا كله أقرب إلى من يقال لهم الجمعية المصرية للتغيير، التى تنتشر الآن فى كل فئات الشعب خاصة فئات الشباب والتى لا ترهن نفسها بأسماء معينة وإن كان لها بعض الرموز التى أثبتت مصداقيتها وإخلاصها فى غير شخصانية ولا ادعاء.

والاهتمام بقضية العدل الاجتماعى وقضايا الصحة والتعليم فى بؤرة اهتماماتها. إن السفينة لن تغرق لأن أرض مصر منجبة وغير عقيم. وحية وليست ميتة. ودائماً أقول إن الشعوب الحضارية- والشعب المصرى منها- شعوب قد تتخلف وقد تهمد بعض الوقت، وقد يطول التخلف والهمود كما حدث فى الفترة الأخيرة، ولكن الشعوب الحضارية أبداً لا تموت.

تحيا مصر- وحىّ على التغيير.

د.يحيى الجمل - Almasry Aloum

No comments: