Thursday, July 01, 2010

مصطفى النحاس زعيم مصرى لا نعرفة

انحني محمد عبدالوهاب علي يد الزعيم مصطفي النحاس يقبلها كعادته فجذبها منه زاجرا لأنه غني بحبه مهما أشوف منه ومهما الناس قالت عنه فكيف بالله يرضي الهوان من أي مخلوقة ولو كانت ست الحسن والجمال‏,‏ وهو الذي غني حب الوطن فرض علي‏,‏ وأيها الخفاق‏..‏ وعاد عبدالوهاب يسترضيه فأواصر المعرفة قديمة بين الزعيم والمطرب تعود إلي زمن استمع فيه إليه لأول مرة في كرمة ابن هانيء علي شاطئ النيل عام‏1926,‏ وكان مصطفي وكيلا لمجلس النواب مدعوا مع سعد زغلول إلي فرح علي شوقي ابن الشاعر الكبير أحمد شوقي‏,‏ حيث غني عبدالوهاب للعريس بين يدي سعد باشا‏:


دار البشاير مجلسنا وليل زفافك مآنسنا
انشالله تفرح يا عريسنا انشالله دايما تفرحنا
الشمس طالعة في التللي وردة وعليها توب فللي
ملحة في عين الحسود اللي ما يقولشي ع النبي صلي


وظل عبدالوهاب من المقربين للنحاس حتي أنه كان المطرب الوحيد الذي أحيا حفل عقد قرانه علي زينب هانم الوكيل‏,‏ حيث نشرت الصحف الخبر الهام في‏13‏ يونيه‏1934‏ تحت عنوان دولة النحاس باشا الاحتفال بعقد قرانه أمس‏,‏ وجاء في السطور قبل أن وافت الساعة السادسة من بعد ظهر أمس أخذت السيارات المقلة للعظماء والكبراء والوزراء السابقين والوجهاء تيمم تجاه ضاحية حدائق القبة إلي شارع شفيق باشا‏,‏ حيث تقوم دار آل الوكيل الكرام أصهار حضرة صاحب الدولة الرئيس الجليل مصطفي النحاس باشا ففي هذه الدار تولي حضرة صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم الغاياتي صيغة عقد قران دولته بسليلة المجد الآنسة النجيبة زينب الوكيل هانم كريمة حضرة صاحب العزة عبدالحميد الوكيل بك عضو مجلس النواب السابق‏,‏ وكان ذلك في حفل كريم من العظماء‏.‏ وقد وزعت عليهم الحلوي والمرطبات وأخذ المصورون صورا عديدة لدولة الرئيس والحفلة الأنيقة‏.‏ ثم جلس دولة الرئيس في وسط الحفل المبتهج واستمعوا إلي قصيدة عامرة ألقاها الشاعر الكبير عباس محمود العقاد‏,‏ ثم وقف المطرب المبدع الأستاذ محمد عبدالوهاب فأطرب الحاضرين بصوته العذب الحنون في قطعة ترنمت بها نبرات الموسيقي‏:‏


النيل يهنئ بفرحة شخصك الغالي
والأمة تهتف وصوتها في الهتاف عالي

دولة مصطفي النحاس‏..‏ الوحيد المتفرد علي أرض مصر أول من سبق اسمه لقب دولة‏..‏ كان لقاؤه الأول بسعد زغلول في عام‏1909‏ عندما كان يشغل موضع العضو الشمال في إحدي الدوائرالقضائية بمحكمة القاهرة في الدائرة التي يرأسها صالح حقي باشا‏,‏ وأثناء نظر إحدي القضايا مال رئيس الدائرة علي عضو اليمين وتحدث معه‏,‏ ثم مال علي عضو الشمال مصطفي النحاس وقال له باستخفاف‏:‏ سنصدر حكما بكذا‏,‏ فقال النحاس‏:‏ أنا لي رأي آخر ويجب في هذه الحال الانتقال إلي غرفة المداولة‏,‏ ولكن حقي باشا لم يستجب لطلب النحاس ونطق بالحكم‏,‏ فما كان من الأخير إلا أن قال لكاتب الجلسة بصوت عال وعلي مرأي ومسمع من جمهور المتقاضين وغيرهم من المواطنين داخل قاعة المحكمة‏:‏ اكتب أنه لم يؤخذ برأي عضو الشمال في هذا الحكم‏..‏


وحدثت ضجة كبري داخل القاعة مما اضطر حقي باشا إلي رفع الجلسة والانتقال إلي غرفة المداولة‏,‏ وترتب بعدها بطلان الحكم‏,‏ ولم يجد حقي باشا ما يشفي غليله إلا أن يشكو النحاس إلي وزير الحقانية وقتها سعد زغلول الذي استدعي إليه النحاس لتكون المقابلة الأولي بينهما التي أسفرت عن اعتزازه بموقف النحاس فأصدر قرارا بنقله قاضيا جزئيا تكريما وإعجابا بشجاعته‏,‏ وتمضي مسيرة سعد زغلول الوطنية ليتم تأليف الوفد المصري في نوفمبر‏1918‏ استعدادا للسفر إلي بريطانيا من ثلاثة من المنتمين للحزب الوطني كان النحاس أحدهم‏,‏ ومن يومها أصبح النحاس سكرتيرا عاما للوفد وأقرب الشخصيات إلي قلب سعد‏,‏ وعندما اشتعلت ثورة‏1919‏ كان زميل المنفي بعدما اعتقلت السلطات سعد زغلول ومصطفي النحاس وفتح الله بركات وعاطف بركات وسينوت حنا ومكرم عبيد في‏23‏ ديسمبر‏1921‏ وقامت بنفيهم إلي جزيرة سيشل‏,‏ وأمام الثورة العارمة للشعب اضطرت انجلترا إلي إطلاق سراح الثوار‏

وبعدها صدر دستور‏1923‏ الذي جعل السلطة للشعب وليست للملك‏..‏ وتوفي سعد في‏23‏ أغسطس‏1927‏ ويجتمع الوفد المصري ليقرر في‏19‏ سبتمبر‏1927‏ انتخاب النحاس رئيسا له وبالتالي زعيما للأمة‏,‏ ومع افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس النواب ينتخب مصطفي النحاس رئيسا خلفا لسعد زغلول الذي قال عن النحاس‏:‏ رجل ذو قلب طيب‏,‏ ومبدأ ثابت‏,‏ يميل إلي الثرثرة ولكنه خفيف‏,‏ به خفة ورعونة‏,‏ يميل إلي الخيال‏,‏ سريع الانفعال ولكنه لا يتغير بتغير الأحوال‏,‏ وطني مخلص‏,‏ وهو فقير مفلس‏.‏ ذكي غاية الذكاء‏,‏ وفي كل الوفاء‏,‏ وله في نفسي مكان خاص ولم يكن سعد حتي النهاية يخفي حبه للنحاس حتي أطلق عليه النحاس سيد الناس‏.‏

يحيا النحاس‏..‏ نداء دوي في سماء مصر منذ أواخر العشرينيات حتي أوائل الخمسينيات قام فيها النحاس بتوقيع معاهدة الاستقلال عام‏1936‏ أفضل ما كان يمكن أن يحصل عليه في ظل الاحتلال‏,‏ وفي عام‏1951‏ قام بإلغائها معلنا الكفاح الوطني الشعبي ضد الاحتلال ليقول مقولته الشهيرة في‏8‏ أكتوبر‏1951‏ في مجلس النواب‏:‏ لقد وقعت معاهدة‏36‏ وها أنا اليوم أطالبكم بإلغائها‏..‏ وقام بتوقيع أول ميثاق لجامعة الدول العربية عام‏1945‏ كأول خطوة للوحدة العربية‏,‏ وقام بإصدار أول قانون لنقابات العمال‏..‏ و‏..‏ تولي الوزارة في‏4‏ فبراير‏1942‏ بمفهوم إنقاذ مصر من شر مستطير كانت ستتعرض له لو رفض‏..‏ وأيده الكثيرون وعارضه البعض بدعوي لقد أتي النحاس علي أسنة رماح الإنجليز‏

وأيا كان الحكم وأيا كان الدفاع فسيبقي النحاس رمزا للديمقراطية ورمزا للدستور ورمزا للكفاح الوطني الطويل الذي تم التعتيم علي صاحبه ليدرج عنوة وبفعل فاعل في أضاريب النسيان‏,‏ فقد حددت إقامته حتي وفاته في بيته بجاردن سيتي‏,‏ وحذف اسمه من كتب التاريخ المدرسية ليتم العبور من فوقه كأن لم يكن ليذكر من أسماء الزعماء المصريين محمد كريم وعمر مكرم ومحمد علي وابنه إسماعيل وعرابي وهوجته مرورا بالأفغاني الضيف ثم مصطفي كامل ومحمد فريد وسعد زغلول‏,‏ وبعدها قفزة واسعة تهبط إلي اسم جمال عبدالناصر ويسقط اسم مصطفي النحاس الجليل الذي قضي سنواته الأخيرة كالأسير يعاني مرارة الجحود والظلم والإهمال


حيث كانت الصحف لا تذكر اسمه إلا تهجما أو تهكما أو تحاملا علي جيل بأكمله‏..‏ جيل السياسيين المصريين الذين انتزعوا مقاليد مصر من براثن الترك والشركس والأغوات‏,‏ ومن بعد ما ختمت علي أسماعنا أسماء نوبار وباغوص ورفقي ولاظوغلي أصبح الوزراء يحملون أسماء زغلول والنحاس والغرابلي وأبو علم وويصا واصف رجال من طين مصر عشقوا مصر فأفنوا حياتهم فيها‏,‏ ومع ذلك تعرض تاريخهم لأبشع أنواع التلطيخ والتزوير بينما لا يملكون دفاعا عن أنفسهم فيلوذون بجدران بيوتهم حتي يأتيهم الموت فقراء فيحسبهم الجاهل أغنياء من شدة التعفف‏.‏


الزعيم الذي كان جيرانه في جاردن سيتي يشاهدونه قبل وفاته محمولا فوق مقعد بواسطة البوابين وسياس الجراجات للانتقال لمكان العلاج ترشيدا للنفقات التي تتضاعف إذا ما تم العلاج في مسكنه‏..‏ السياسي النزيه الذي أجبر علي اعتزال الحياة السياسية لم يكن له دخل إلا معاشه الصغير في عام‏1953‏ الذي لم يتجاوز‏120‏ جنيها فهو لم يرث الأطيان ولا القصور فاضطرت زوجته إلي بيع مصاغها وبعض قطع أثاث منزلها لمواجهة أعباء المرض‏,‏ واضطر النحاس إلي التخلص من سيارته الخاصة بالبيع مع تسريح سائقها‏,‏ وفي عام‏1955‏ عجز تماما عن مواجهة الحياة فقامت زوجته




ــ كما جاء علي لسان النحاس ذاته في مذكراته التي أملاها علي سكرتيره الخاص محمد كامل البنا ــ بالاتصال بجمال عبدالناصر تطلب إليه أن يدفع إليها مبلغا من إيراد أملاكها التي صودرت‏,‏ ورد عليها سامي شرف وسألها ماذا تريد من الرئيس فقالت في أمر شخصي قتركها علي التليفون وغاب طويلا‏,‏ فعادت لتطلب محمد أحمد أحد أعضاء سكرتارية عبدالناصر الذي أوصلها به‏:


-‏ أنا زينب الوكيل حرم الرئيس السابق مصطفي النحاس‏.


‏‏-‏ أهلا وسهلا‏..‏ فيه حاجة؟‏-‏


تعلم أن كل ما أملك قد صودر وأصبحت لا أجد ما أستطيع أن أواجه به مطالب الحياة‏,‏ وأنا مسئولة عن زوجي الذي مهما يكن رأيكم فيه فلا ينكر أحد أنه ظل يخدم الوطن أكثر من ثلاثين عاما وقدم له ولغيره من الأوطان العربية ما قدم فهل ترضي أن يهان في أخريات أيامه وألا يجد ثمن الدواء؟


-‏ لا لست راضيا ولا أقبله فماذا تطلبين؟‏


-‏ أطلب أن تأمر بصرف مبلغ لي من إيراد أموالي التي تحت يد الحكومة لأنفقه علي مطالب الحياة‏.‏‏


-‏ سأفعل وسآمر المختصين بأن يصرفوا لك مبلغا يكفي لنفقات النحاس الذي لا ننكر أنه تولي زعامة مصر أكثر من خمسة وعشرين عاما فلم يستغل ولم يسرق ولم يختلس‏..‏ وانتهت المحادثة وبعد يومين اتصل بها محمد أحمد قائلا إن سيادة الرئيس أمر بأن يصرف مبلغ ثلثمائة جنيه شهريا للإنفاق منها علي النحاس‏,‏ وحينما انتقل الزعيم إلي جوار ربه في‏23‏ أغسطس عام‏1965‏ توقف صرف معاشه الرسمي في أول سبتمبر‏1965‏ وورثت الحكومة نصف معاشه الأصلي المستحق له وصرفت لحرمه النصف الباقي وقدره‏62.5‏ جنيها


وهو نفس ما حدث له مسبقا في عام‏1930‏ عقب خروجه من الحكم عندما أراد إسماعيل صدقي باشا أن ينكل به فخفض هذا المعاش إلي النصف بحجة أنه أضاف مدة النفي التي قضاها في سيشل وهي حوالي عامين إلي مدة خدمته في الحكومة‏,‏ واعتبر صدقي أن تلك الإضافة أمر لا تجيزه اللوائح‏,‏ ووقتها أسقط في يد النحاس فقد كان يعطي شقيقته من معاشه قبل تخفيضه عشرة جنيهات وأولاد أشقائه خمسة عشر‏,‏ وكانوا يسكنون معه في شبرا في شقة بالدور الأخير‏..


واضطر النحاس للاقتراض من بنك مصر ووافق طلعت حرب علي إقراضه بالتقسيط‏,‏ ورفع النحاس دعوي وحكم له القضاء وتم رد قيمة القرض من المبلغ المتجمد من فرق المعاش‏,‏ لكنه عاد لاقتراض مبلغ‏3000‏ جنيا وهو ما كان يعادل معاشه لمدة عامين كاملين‏,‏ وفي عام‏1950‏ أرسل إليه الدكتور محمد مصدق رئيس الحكومة في إيران سجادة صلاة هدية كان حجمها لا يزيد عن ثلاثة أرباع متر‏,‏ ولما لم يكن من حق أي شخص سوي الملك استلام هدية من الخارج دون تحصيل رسم الجمارك قبل النحاس الهدية وظل يدفع القسط المطلوب شهريا وكان المبلغ كله‏200‏ جنيه بما يعادل مائة في المائة من قيمة السجادة‏..‏


زعيم الأمة الذي بدأ حياته موظف تلغراف في مسقط رأسه سمنود ضمن سبعة أخوة لتاجر الأخشاب محمد النحاس‏,‏ وهم بالترتيب أحمد‏,‏ وسالم‏,‏ ومحمد‏,‏ ثم مصطفي وبعدهم ثلاث شقيقات‏..‏ الذي ثار وغضب وانفجع لأن أطفالا لا جريرة لهم قد تناولوا في مصر القديمة خبزا مخلوطا بنشارة الخشب فما كان منه وهو رئيس للوزراء إلا إرسال الأساتذة المحامين لبحث المسألة ورفع دعوي علي الحكومة بطلب التعويض والحكم بالسجن علي الذين قاموا بالغش‏,‏ وفي اليوم التالي توجه إلي مسجد عمرو بن العاص لتأدية فريضة الجمعة


وسأل عن منزل والد الأبناء الذين تناولوا الخبز المخلوط فدله الكثيرون علي البيت المتواضع فجلس وحوله الأطفال يواسيهم ويعطي كلا منهم مبلغا فضيا‏,‏ واختلي بالوالد ليمنحه مبلغا يستعين به علي الحاجة فتعفف طويلا عن قبوله‏..‏ الفلاح الذي كان يحلو له أمام الملك فاروق أن يخلع طربوشه ويمسح عرق رأسه بالمنديل كما يفعل أي شيخ غفر‏..‏ الوطني الذي قطع أجازته بعد أول يوم فيها ليعود بالطائرة التي يركبها لأول مرة ليهنئ بقيام الثورة في مبني قيادة الجيش في كوبري القبة بعد منتصف الليل فيلاقيه محمد نجيب معانقا متحمسا‏..‏


أما الضباط الذين كانوا في الحركة ولم أكن أعرفهم فقد استقبلوا حضوري بصمت وسكون عزوته إلي المفاجأة وعدم معرفتهم بي‏..‏ الثوري الذي لم يقف أمام محكمة الثورة وهو ما يعني أنه لم يكن لدي الثوار ما يمكن إدانته به أو حتي الشوشرة عليه‏..‏ الحريص علي الصلاة في أوقاتها الذي جاء والده ليدخله المدرسة في القاهرة فذهب به رأسا إلي ضريح سيدنا الحسين ليقف به أمام المقام قائلا في خشوع‏:‏ سلمت لك مصطفي وظل مصطفي يذكر تلك الوقفة طيلة حياته‏..‏ من لم يتناول خمرا ويكره السجائر ويعزف عن القهوة ويشرب الينسون بدلا من الشاي علي الإفطار‏..‏


شديد النظافة إلي حد الوسوسة من الميكروبات حتي أنه كان لا يلمس الدواء بيده وإنما ينقله بمشبك بعد تطهيره في كل مرة قبل تناوله‏..‏ من صفعه مواطن علي وجهه وهو رئيس وزراء فذهب يشكوه في أقرب قسم‏.‏ من قال في مذكراته إنه هزأ من الخبر المؤسف ورأي أنه إلي الهزل أقرب منه إلي الجد‏,‏ عندما قالت الصحف إن جلالة الملك المعظم ينتسب من جهة والدته الملكة نازلي بنت عبدالرحيم صبري إلي الرسول الأعظم محمد صلي الله عليه وسلم‏,‏ وأعلنت الصحف أن هذا الكشف قد توصل إليه وزير الأوقاف الهمام صاحب المعالي حسين الجندي باشا وأن الذي أرشده إلي هذا الاكتشاف الخطير وباركه هو السيد محمد الببلاوي نقيب الأشراف في مصر وخطيب مسجد الإمام الحسين‏..‏

فاروق ابن نازلي التي يتصل نسبها بلاظوغلي تصبح بين عشية وضحاها من آل البيت النبوي الكريم ويتصل نسبها بخاتم المرسلين سبحانك‏..‏ ضحكت كما لم أضحك في حياتي وتذكرت المثل اللي يعيش ياما يشوف‏..‏ من وصفته فاطمة اليوسف بأنه بسيط للغاية طيب القلب ذو وجه صريح القسمات‏,‏ وعندما نشرت روزااليوسف مقالا عن حياته الشخصية ثار وغضب بشدة معترضا بأنه ليس إحدي زهرات المجتمع‏..‏ من شاهدوه وهو يلقي خطبه وصفوا كيف كان في منتصف الخطاب يتوقف عن الاسترسال ليعنف شخصا قاطع حديثه حتي ولو بالهتاف‏..‏ من كان يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه‏..‏


من تعرض في حياته إلي سبع محاولات اغتيال منها ما حدث في‏25‏ أبريل‏1948‏ حيث تم تفجير سيارة ملغومة أمام منزله‏:‏شاءت قدرة الله أن تنزل قطعتان كبيرتان من الديناميت فوق الناموسية التي كنت أنام تحتها وأمامي كتاب الله علي الكومودينو ونجا النحاس‏.‏ وكتب السادات أن ناصر كان يري في النحاس وليا من أولياء الله ومن يجيء عليه لا يكسب‏.‏

ويدخل مصطفي النحاس في‏12‏ مايو سنة‏1943‏ قاعة البرلمان الخاصة بالنواب منتصب القامة ومن خلفه أحد الحراس يحمل حقيبة كبيرة يفتحها خلال ردوده علي استجواب الكتاب الأسود الذي قام بإعداده مكرم عبيد الرجل الأول في الوفد بعد النحاس وسكرتير الوفد ووزير ماليته الذي أطلق عليه في شبابه ابن سعد البكر‏..‏ وكان بين مكرم والنحاس مودة وثقة بالغة زادها نفيهما معا إلي سيشل‏


وكان لمكرم يد في اختيار زوجة صديقه حيث توثقت العلاقة بين السيدتين أيضا‏,‏ وبقي شهر العسل الدائم بين الرجلين حتي مايو‏1942‏ عندما طلب النحاس من مكرم الاستقالة فحدث الخلاف الحزبي‏,‏ وخرج مكرم من الوفد ليؤلف حزب الكتلة الذي سانده القصر‏,‏ وأعد مكرم كتابه الأسود بمعاونة القصر ومندوبه أحمد حسنين وتم توزيع الكتاب سرا ليحدث ضجة في مصر وخارجها‏,‏ ويقدم بعدها مكرم استجوابه الشهير لصاحب المقام الرفيع ليضم ملخصا للكتاب يقع في‏260‏ صفحة ويحوي‏52‏ سؤالا حول وقائع هامة قام النحاس بالرد عليها‏,‏ فنال تجديد الثقة بإجماع‏76‏ نائبا ما عدا عشرة‏..‏


يفتح النحاس الشنطة ليخرج منها للمجلس ست قطع من الفراء الحريمي الثمين‏,‏ كل منها فراء لثعلب كامل‏..‏ طول القطعة من الرأس إلي الذيل‏70‏ سم وطول الذيل‏27‏ سم وعرض الظهر والبطن‏18‏ سم وكان يفردها وهو يقول للمجلس‏:‏ هذه هي قطع الفراء التي ترتديها زوجتي انظروها‏..‏ هل تساوي القطعة‏5000‏ جنيه‏,‏ كما نقل مكرم عبيد عن كتاب الجغرافيا الاقتصادية‏(‏ ضحك‏)‏ أم تساوي ستة عشر جنيها علي أكثر تقدير‏,‏ وكما قدمنا الدليل المادي علي ما نقول‏..‏ أترك لكم بعد كل هذا تقدير ما سمعتم وما رأيتم ومقارنته بما سمعتموه وتبينتموه من صاحب الاستجواب‏!(‏ تصفيق حاد‏).‏


وكانت صحف أخبار اليوم تهاجم النحاس وتخصص مقالاتها وعناوينها ورسوماتها الكاريكاتيرية للنيل منه‏,‏ وبعد وفاته كتب مصطفي أمين حزينا نادما آسفا قائلا‏:‏ عرفت الرجل عشرات السنين‏..‏ أحببته وحاربته‏,‏ وسجنت من أجله وفصلت من المدارس بسببه واختلفت معه في الرأي وهاجمته وهو رئيس حكومة‏,‏ فلم يفكر أن يضعني في السجن ولو كنت كتبت في عهد الدكتاتورية عن سكرتير أحد الوزراء ما كتبت عن النحاس لشنقوني أو أعدموني رميا بالرصاص‏


ومن حق النحاس علي أن أشيد به وأن أذكره كرجل قاد كفاح هذه الأمة‏,‏ وضحي في سبيلها ونفي من أجلها‏,‏ وحمل الزعامة بعد سعد زغلول وأخطاؤه كانت جنحا بالنسبة للجنايات والجرائم التي ارتكبت بعد ذلك‏..‏ و‏..‏ لقد خرجت الملايين لتشييعه إلي مثواه الأخير هاتفة عشت زعيما ومت زعيما‏,‏ وعندما قبض علي بعض من مشوا في الجنازة قيل إن قرار القبض يقضي باعتقالهم إلي الأبد‏..‏ فأتي الرد عليهم‏:‏ أنتم لا تملكون الأبد‏..‏
لقد استمد الوفد شرعيته من موقفه الوطني تحت قيادة رجلين هما‏..‏ سعد والنحاس‏..‏ والناس الآن عندما تتكلم عن الوفد تقعد تفتكر وتتذكر وتقلب الصفحات‏,‏ وكان زمان وعلي ذكر الأيام‏,‏ فالوفد أصبح تاريخا بعدما انتقل حاضره من صفحة السياسة إلي صفحة الحوادث‏....‏لقد كانت الأحزاب بما فيها الوفد جزءا من حيوية مجتمع أعضاؤها لاعبون وليسوا متفرجين أو كومبارس‏..‏ في زمن النحاس كانت المباراة الديمقراطية حامية الوطيس بين أحزاب الأمة‏


فإلي جانب الوفد كان حزب الأحرار الدستوريين بزعامة محمد حسين هيكل باشا‏,‏ وحزب السعديين بزعامة الدكتور أحمد ماهر باشا‏,‏ وحزب الكتلة الوفدية بزعامة مكرم عبيد باشا والحزب الوطني بزعامة حافظ رمضان باشا‏,‏ وحزب مصر الفتاة بزعامج أحمد حسين‏,‏ وجماعة الإخوان المسلمين بزعامة الشيخ حسن البنا‏,‏ وأربعة أحزاب شيوعية غير معلنة‏,‏ وحزب الفلاح‏..‏


وبجانب الأحزاب الرسمية المعلنة كانت هناك عشرة أحزاب أخري معلنة ورسمية‏,‏ ولكنها غير مؤثرة أو منتشرة علي أرض الملعب‏..‏ و‏..‏ لقد أصبح حضور الوفد في الإدراك الوطني نحيله إلي النحاس الميراث المشترك لكل المصريين‏,‏ وبالتالي أصبح مصطفي النحاس هو الحاضر الغائب‏..‏ موجود وغير موجود‏,‏ وما هو غير موجود نفتقده‏,‏ وكما يقول الصوفية‏:‏ إذا غاب‏..‏ حضر‏

الاهرام -
الكتاب
السبت 8 سبتمبر 2007
النحــاس -
بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

No comments: