كيف تعامل الإسرائيليون مع الحرب وكيف أداروها؟، هل كانت هناك تعبئة دينية بالفعل للجنود الإسرائيليين؟، ومن هو العدو الرئيسى الذى أشعل الصهاينة الحرب ضده؟، هذه الأسئلة وغيرها نحاول الإجابة عنها من خلال قراءتنا فى بعض الوثائق الإسرائيلية التى نشرها الجيش الإسرائيلى على موقعه الإلكترونى.
حملة تحريض وتعبئة كبيرة سبقت الحرب، مارست فيها القيادة العسكرية الإسرائيلية الدور الأساسى من خلال البيانات والنشرات الداخلية التى كانت توزع على ضباط وجنود الجيش الإسرائيلى، ومن بينها «ورقة الاستعداد رقم ١»، التى صدرت فى ٢٠ مايو ١٩٦٧، بعنوان «الاختبار»، وتم توزيعها على جنود وضباط سلاح الجو الإسرائيلى، كتب عليها «داخلى، سلاح الجو فقط»،
وجاء فيها «وحدات سلاح الجو مستدعاة فى هذه الساعات للدخول فى اختبار إضافى لأمن دولة إسرائيل وللدفاع عن مستقبلها، وكل واحد منا يجب أن يحس بالمسؤولية الملقاة عليه».. كما وجه قائد لواء المظليين، إحدى وحدات الصفوة فى الجيش الإسرائيلى، رسالة إلى جنود وقادة اللواء فى ٢١ مايو ١٩٦٧، كتب عليها «داخلى– ليس للنشر»،
وجاء فيها «المصريون طردوا جنود الأمم المتحدة من على حدودهم، وأدخلوا قواتهم إلى وسط سيناء، ويمثلون تهديداً على الدولة، وقد اتخذ جيش الدفاع تدابير من شأنها وقف هذا التهديد، ومن بينها وضع اللواء تحت أى مهمة تطلب منه، كما حدث فى عملية سيناء، عندما كنا أول من تقدم العملية، وهكذا نحن مستعدون أيضاً أن نكون اليوم رأس حربة لجيش الدفاع الإسرائيلى».
انتهت حملة التحريض، وبدأ العدوان المخطط له مسبقاً، صباح الخامس من يونيو ١٩٦٧، حيث أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى عن وقوع المعارك فى وثيقة جاء فيها «متحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلى يعلن: منذ ساعات الصباح تجرى فى الجبهة الجنوبية معارك شديدة بين قوات جوية ومدرعات مصرية حاولت دخول إسرائيل،
وبين قواتنا التى خرجت لمقابلتهم»، بعدها وجه وزير الدفاع الإسرائيلى، آنذاك، «موشى ديان»، رسالة إلى جنود الجيش «الإسرائيلى» قال فيها «طائراتنا تخوض معارك شديدة مع طائرات العدو، وقواتنا البرية خرجت لإسكات المدفعية التى تقصف مستوطناتنا المقابلة لقطاع غزة بنيران كثيفة، وللاشتباك مع قوات المدرعات المصرية»،
ومضى «ديان» فى تعبئة جنوده قائلاً «المصريون جندوا لمساعدتهم وأصبح تحت قيادتهم القوات السورية، والأردنية، والعراقية، وانضم إليهم أيضاً وحدات عسكرية من الكويت والجزائر، هم أكثر مننا، ولكننا سنتغلب عليهم، نحن شعب صغير ولكن شجاع، يحارب للدفاع عن حياته وأرضه»، وبعد كلمة «ديان» توالت البيانات الإسرائيلية، ومنها «بيان عسكرى رقم ١» عن لواء الجنوب الإسرائيلى، جاء فيه «على مدار ١١ سنة، قوى فيها حاكم مصر قدرة جيشه فى أكثر من جانب، فى إعلان واضح عن استعداداته للقضاء على دولة إسرائيل،
حيث إنه بعد الوحدة السورية المصرية والاتفاق الأردنى المصرى، وصلت القوة العربية المتأهبة ضد إسرائيل إلى ذروتها، كما ركز ناصر معظم قواته فى سيناء، وطرد قوات الأمم المتحدة من على حدودنا، وأغلق مضايق تيران فى طريق إيلات، فى انتهاك للقوانين والالتزامات الدولية، إن حربنا مع مصر لم تنته مع حرب الاستقلال، ولكنها مستمرة».
وعن الأوضاع على الأرض قال البيان الذى وقعه «يشعياهو جبيش» قائد لواء الجنوب «طائراتنا حلقت اليوم فوق سيناء، وأصابت ودمرت طائرات العدو وممراتها، وهاجمت وحدات جيش الدفاع الإسرائيلى مراكز القوة المصرية فى سيناء وعلى حدود القطاع، جنود الجنوب.. إلى الأمام، إلى المعركة والنصر».
وفى إحدى القواعد الجوية الإسرائيلية، صدرت «نشرة خاصة» بعنوان «الإقلاع»، مكتوبة بخط اليد يوم ٥ يونيو ١٩٦٧، على ورقة حمراء، كان عنوانها «فى لقاء خاص مع قائد القاعدة .. قواتنا بدأت الاشتباك مع العدو منذ الصباح»، وجاء فى الورقة التى تم توزيعها على جنود القاعدة الإسرائيلية «معارك جوية توقع خسائر كبيرة للعدو، إسقاط وتدمير حوالى ٧٠ طائرة ميج ٢١ على الأرض، وعشرات من طائرات الميج ١٧، بالإضافة إلى عشرات أيضاً من الطائرات الأخرى، ليبلغ إجمالى الطائرات المدمرة للعدو ١٥٠ طائرة»،
أرسلت قيادة العمليات برقية إلى قائد لواء المركز حملت رقم ٠٦٠٧٠٩٤٥، تدعو لاحتلال القدس، كان نصها «يجب احتلال المدينة القديمة، الدخول بداخلها أفضل من حصارها، مطلوب تفعيل المدفعية مع مساعدة جوية لمهاجمة أهداف وسط المدينة القديمة، ماعدا المسجد الأقصى ومسجد عمر وكنيسة القيامة، يراعى عدم إصابتهم».
سقطت القدس، وتوالت انكسارات النكسة، حين أرسل قائد لواء الجنوب فى الجيش الإسرائيلى «يشعياهو جبيش»، برقية إلى رئيس أركان الجيش آنذاك «إسحاق رابين»، كان نصها «يمكن الإعلان الآن أن كل قواتنا على شواطئ قناة السويس والبحر الأحمر، شبه جزيرة سيناء فى أيدينا، تحياتى لك ولجيش الدفاع الإسرائيلى».
وفى آخر أيام الحرب، ١٠ يونيو ١٩٦٧، صدر بيان عن لواء الشمال الإسرائيلى بعنوان «الهضبة «السورية» فى أيدينا»، ووجه قائد اللواء حديثه إلى القادة والجنود، قائلاً «المهمة أنجزت كاملة»، وجاء فى البيان «اليوم، يوم السبت، ١٠ يونيو ١٩٦٧، انتهت حربنا ضد الجيوش العدوة الثلاثة.
فى الأزمات، يتحول الإعلام الإسرائيلى بأكمله إلى آلة فى يد السلطة العسكرية الإسرائيلية، لا فرق فى ذلك بين يسار ويمين، الكل يخضع فى النهاية إلى نفس العقيدة الصهيونية، ويأتمر بأمر نفس القائد العسكرى، هكذا كان المشهد الإعلامى فى إسرائيل فى حرب الأيام الستة، بحسب التسمية الإسرائيلية للنكسة، حيث خيمت أجواء الحرب على الصحافة الإسرائيلية حتى قبل اندلاعها، ففى عدد «يديعوت أحرونوت» الصادر قبل يوم واحد من الحرب، فى ٤ يونيو ١٩٦٧، كان المانشيت الرئيسى، «جونسون: ثقوا فى وعود الولايات المتحدة».
اندلعت الحرب فى الخامس من يونيو، وكان المانشيت الرئيسى لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فى هذا اليوم هو «معارك برية وجوية اندلعت جنوب البلاد»، وفى اليسار نشر خبر احتل عنوانه صدر الصفحة الأولى وجاء فيه «ناصر يوفد مساعده إلى جونسون»، وسقطت القدس فى ثانى أيام الحرب، ٦ يونيو ١٩٦٧، لتخرج الصحف الإسرائيلية يومها مبتهجة بما وصفته بـ«تحرير القدس العتيقة»،
وهى الجملة التى كانت المانشيت الرئيسى لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية فى هذا اليوم، وعن نتائج العمليات التى تمت فى القدس القديمة كتبت الصحيفة تحت هذا المانشيت «أكثر من ٥٠٠ مواطن مقدسى أصيبوا فى الهجوم»، ونشر خبر فى أعلى يمين الصفحة الأولى كان عنوانه «أبوعجيلة احتلت»، كما نشرت صورة كبيرة فى نصف الصفحة الأولى السفلى لـ«الحائط الغربى» وكتب فوقها «الحائط الغربى لنا مرة أخرى».
و«الحائط الغربى» هو التسمية اليهودية والإسرائيلية لحائط البراق، وهو الحائط الذى يحد الحرم القدسى من ناحية الغرب، وعودة إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ففى ثالث أيام الحرب، ٧ يونيو ١٩٦٧، احتل خبر سقوط رام الله وانسحاب الجيش المصرى صدر الصفحة الأولى، حيث جاء المانشيت ليعلن «رام الله احتلت والمدرعات المصرية تنسحب»،
وكتب تحته عنوان يقول «مصر فقدت أمس ٢٠٠ دبابة، وانتصارات لجيش الدفاع الإسرائيلى فى الأردن»، ثالث أيام الحرب شهد طبعة ثانية لجريدة «يديعوت أحرونوت»، كان المانشيت الرئيسى فيها «جنودنا بجوار الحائط الغربى»، وكتب تحته عنوان آخر يقول «الحاخام الرئيسى لجيش الدفاع الإسرائيلى وصل للمكان مع لفائف التوراة»، وتحته عنوان آخر يقول «المنتصرون بكوا كما الأطفال»، ونشرت صورتان إحداهما لاجتماع لبعض القادة الصهاينة.
«وقف إطلاق النار فى الجبهة الأردنية» كان المانشيت الرئيسى لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فى رابع أيام الحرب، ٨ يونيو، وكتب تحته عنوان «القاهرة تجند دولا عربية أخرى لاستمرار الحرب.. والشقيرى فى دمشق»، وكان المانشيت الرئيسى لـ«يديعوت أحرونوت» فى خامس أيام الحرب، ٩ يونيو، «سوريا أيضاً تتفق على وقف إطلاق النار»، وكتب تحته عنوان يقول «ممثل مصر فى الأمم المتحدة استقبل مكالمة تليفونية من القاهرة، أعلن بعدها أن مصر موافقة على وقف إطلاق النار.. ثم انهار فى البكاء»،
ونشر خبر فى صدر الصفحة الأولى كان عنوانه «قائد لواء الجنوب لرئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: يمكن الآن الإعلان أن قواتنا على شواطئ القناة»، وبعد الحرب بيومين، فى ١٢ يونيو، خرجت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بمانشيت يقول «الشعب يتحد مع تذكر قتلاه»، ونشرت صورة لأسرى مصريين نائمين على الأرض بملابسهم الداخلية ويقف من خلفهم جندى وضابط إسرائيليان، وفى أسفل الصفحة نشر خبر يقول عنوانه «الزعماء العرب يتناقشون فى اجتماع قمة طارئ»، كما نشر خبر فى أعلى يمين الصفحة الأولى لـ«يديعوت أحرونوت» كان عنوانه «خريطة للمدينة العتيقة» ملحق يديعوت أحرونوت.
وفى ١٥ يونيو، بعد ٥ أيام من الحرب، كان المانشيت الرئيسى لـ«يديعوت أحرونوت» يقول «الاتحاد السوفيتى يدعو إسرائيل للاهتمام بمواطنى الضفة وإعادة اللاجئين»، ونشر خبر يحصر خسائر الجبهة الأردنية فى الحرب كان عنوانه «دمرت تسعة ألوية أردنية»، وفى صدر الصفحة نشرت صورة كبيرة لعدد من الجنود الصهاينة فى سيناء يقرأون كما كتب فوقها صحيفة «يديعوت أحرونوت».
أحمد بلال
Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment