Friday, June 04, 2010

الخلوة الغيرالشرعية بين الإختلاء والخواء

بينما كنت أتصفح بعض الصفحات من على الإنترنت وقع تحت بصرى هذا الخبر نقلا ًعن جريدة الوطن السعودية ..وهالنى ماجاء فيه وأحسست أنه جدير بطرحه وإثارته عبر صفحات موقع الحوار المتمدن .

" حسم قاضي محكمة مدينة الشملي (170 كيلومتراً جنوب مدينة حائل) قضية الخلوة غير الشرعية التي اتهمت فيها السورية ( خ.م.س ) بالحكم عليها بالسجن 4 أشهر مع جلدها 40 جلدة وتسفيرها ومنعها من دخول المملكة مستقبلاً.. هذا ما نقلته جريدة الوطن السعودية في عددها يوم اول من امس.
وتضيف الجريدة قائلة "وتعود تفاصيل القضية التي نشرتها "الوطن" في حينه إلى يوم 14/4/1429، عندما ألقى عضوا هيئة الأمر بالمعروف في مدينة الشملي القبض على الشابين "ف" و"ه" إثر دخولهما منزل "خ .م .س"، حيث أكد الأول أنه ابنها من الرضاع واصطحب معه الثاني لتوصيل خبز للمرأة... لكن قاضي المحكمة الشيخ فهد عبدالله السويلمي ووفقاً لما جاء في صك الحكم اعتبر أن فهد ليس ابن "خ .م .س" من الرضاع، حيث سبق ميلاده ميلاد ابنة المتهمة بثلاث سنوات ونصف", كما حكم على الشاب ايضا بالسجن اربعة شهور مع 40 جلدة "

من المؤكد أن قصة كتلك ستصيبنا بالإستنكار والتنديد من هذا الحكم القاسى الذى نالته العجوز ذات ال75 عاما ً وكذلك لهذا الشاب الصغير البائس..وقد نصاب أيضا ًبحالة من الإشمئزازعلى مثل هكذا حكم ..وقد يصل البعض منا للتندر والسخرية من هكذا عقول تحكُم وتتحكم فى البشر .

ما هالنى فى هذه القصة أننا أمام عجوز وصلت إلى ال75 عاما حيث بدأت تعد عدتها لتوديع الحياة وتعقد عزمها على الرحيل والموت ..إمرأة خاصمت كل بوصة من جسدها أى ملمح للحيوية والجمال ..عجوز لم يبقى لها فى الدنيا سوى الضعف والوهن وكم لا بأس به من التجاعيد يرسم ملامح وجهها وترهلات تغزو أنحاء جسدها .
نحن أمام إنسانة تقترب من أن تودع الحياة وتسرع الخطى لتتعاقد مع الموت .. فقد تركها الزمان بما يكفى لتعيش ولكن يبدو أن قسوة البشر لن يجعلوها تغادرالحياة إلا بقسوة غبية وغير مبررة .
القاضى حكم عليها هى والشاب تحت منظور الخلوة الغير شرعية ولم يفكر فى أنه أمام إمرأة عجوز بكل معنى الكلمة خاصمت الجمال والفتنة ولا يوجد ما تقدمه للشباب ..ولم يحاول قاضينا أن يتفهم بأن الشابين كانا يحضران لها الخبز ..فلم تتسلل الرأفة إلى قلبه ولا حُسن النية إلى عقله ولا أى مفهوم للتراحم الإنسانى إلى وجدانه.. فلم يجد فى كل هذا المشهد إلا خلوة غير شرعية بين إمرأة وشابين لا تستوجب إلا الجلد .

حكم قاسى بالفعل يُمارس ضد عجوز بائسة وشابين كل جريمتهما أنهما أحضرا بعض الخبز للمرأة التى أكل منها الدهر وشرب لتجلس فى بيتها تنتظر بعض الأرغفة تعينها على الحياة ..وليس لدينا ما نقوله سوى أننا أمام حكم لا يفهم ولا يقدر ولا يحفل بأى ملمح إنسانى .

وفى فتوى لا تقل غرابة عن قصة العجوز .. انتقد كبير المفتين في دبي الدكتور أحمد عبدالعزيز الحداد وجود "مسعفين ذكور مع مريضات في سيارات الإسعاف" واصفا ذلك بأنه "خلوة غير شرعية"، وذلك في فتوى أصدرها الخميس 15-1-2009.
وقال إن "هذه الخلوة لاتبيحها إلا الضرورة التي تتمثل في سوء الحالة الصحية للمريضة، مايستدعي أن تسعف على ذلك الوجه، ويرافقها مسعف أجنبي في سيارة واحدة". واستدرك أن "هذه الضرورة ترفع عن المريضة الحرج، فلا إثم عليها".
وقال الحداد لـ"العربية.نت" "إنه تلقى أسئلة من مريضات تعرضن للنقل في سيارات الإسعاف، وتولى إسعافهن مسعفون ذكور، وطلبن رأي الشرع في ذلك."

لك أن تندهش من هذه العقلية التى يفكر بها هذا المفتى والنساء السائلات لتكتشف حجم التشوه الذى يهيمن على عقولنا ..وهذا الهوس الذى يجتاحنا .

الغريب أن الخلوة الغير شرعية ليست معنية بممارسة الزنا , فالزنا قضية أخرى ولها حكم أخر كما نعلم ولكن الخلوة تعنى في الشرع أن يخلو الرجل بامرأة على وجه لا يمنع من الوطء.. والخلوة من اللمم وهى من صغائر الذنوب .
إذا ً نحن أمام عقاب يوجه للرجل والمرأة على فعل التواجد فى حد ذاته وتمارس الشريعة والقاضى عقابها على فعل التواجد بغض النظر فى أن وجودهم قد يكون بدافع الرحمة والتكافل الإنسانى .

لا أريد أن نغرق فى قضية العجوز ونصب جام غضبنا على القاضى أو نتوقف عند الإندهاش من هذه العقلية التى تجعل من الرجل حيوان ما يلبث أن يرى إمرأة غارقة فى دمائها فبدلا ً من أن يحاول إسعافها ينصرف ليتحسسها ويتلمسها ولا مانع من أن يطئها .!!
أأمل أن ألقى الضوء على القضية فى جوانبها الفكرية والمنهجية و ما تصدره لنا من رؤى وتصورات ومنهج حياة ... فالقاضى لم يكن أكثر من مُنفذ للشرع لذا من الأجدى أن ننظر للقانون والتشريع ذاته ونبحث فى رؤية وذهنية من سن هذا التشريع وكيف يقكر ويرى الصورة للرجل والمرأة .؟

صاحب فكرة الخلوة الغير شرعية لا ينظر للإنسان سواء رجلا ً أو إمرأة إلا كونهما كائنات هائمة على وجهوهها شبقة للجنس ..نعم هو لا يرى فى وجود الرجل والمرأة فى مكان واحد إلا عبارة عن قنابل جنسية على وشك الإنفجار..فلا يدرك سوى أن المشهد الجنسى هو الحاضر فقط بين الرجل والمرأة متى إجتمعا فليس هناك سوى طلب النزال والمضاجعة ..ولا يوجد فى ثنايا تفكيره إلا هذا الأمر ..كما لا يتسلل إلى فكره أن هناك فعل إنسانى أو رعاية إجتماعية وإنسانية بينهما ... لذا لا تطالبه بأن يقدر وجود مشاعر إنسانية مشفوعة بالمحبة والرحمة والإحترام لأنه لن يقدرها بل سيعتبرها جنونا ً ومجونا ً.!!

هذه الرؤية هى التى تسيطر على تفكير التراث والذى يتم تصديره لنا ليترسخ فى وجداننا وأذهاننا ويحولنا لكائنات بوهيمية ما أن نرى المرأة حتى نطلب النزال .
هى رؤية تختزل الرجل فى مجرد قضيب يُحركه ويسيطر على كيانه فلا يوجد له هَم ولا فكر سوى الجنس والإعتلاء , كما لا يدرك من المرأة سوى أنها وعاء للجنس لا يزيد عن كونه ثقب للمتعة دون أن تمتلك أى إرادة منها أو وعى أو كرامة .

هناك فكر شديد الإختزال للإنسان يختزل سلوكه على الفكر والممارسة الجنسية فقط ..ولا يعطى أى قيمة أو معنى لسلوكيات خارج هذا المضمار لتهيمن مفاهيم شديدة السطحية والتشوه لأى علاقة بين الرجل والمرأة فلا يفهم الرجل من المرأة سوى جسدها ولا تعرف المرأة من الرجل سوى فحولته و كونه ذئب يرغب فى الإنقضاض .

للأسف يتسلل هذا المفهوم لدينا لينتهك إنسانيتنا وكرامتنا الإنسانية فلا نخرج عن الإطار الذى رُسم لنا لنكون أسرى ثقافة لا ترى من الرجل سوى قضيب وفعل جنسى والمرأة ليست اكثر من رحم بلا عقل ولا إرادة .
نحن نعيش حالة من الهوس الجنسى فلا ندرك وجود أى علاقات إنسانية تبعد عن دائرة الجماع ..ولا يوجد لدينا أى مفهوم لعلاقات إجتماعية أوتعاونية تتجاوز دوائر الجنس والوطء.

لقد تجاوزت الإنسانية هذه النظرة الضيقة لعلاقة الرجل والمرأة رغما ً عن أنف التشريعات القديمة ولكن يبقى التراث القديم بحضوره حائلا ً ومعرقلا ً لعلاقات إنسانية راقية ومتقدمة لمجتماعاتنا ليشدها نحو جب النظرة الدونية للرجل والمرأة على السواء لنصبح أسرى هوس جنسى ... ولانعى معنى وقيمة لعلاقات إنسانية يسودها الإحترام والكرامة والتعاون .

سامى لبيب
fairouzatef@yahoo.com
الحوار المتمدن

No comments: