Thursday, June 03, 2010

د. نوال السعداوى تكتب: من وحى النخبة فى مصر والبرتغال

كنت فى مدينة برشلونة عاصمة البرتغال من ١٦ إلى ١٩ مايو ٢٠١٠، بدعوة من المجلس الأوروبى، بمناسبة مرور عشرين عاما على إنشاء مركز الشمال والجنوب، تحت شعار «عالم واحد» من أجل التضامن العالمى، التعاون والتنمية والتبادل المشترك بين البلاد،

أو ما يسمى بالعربية «الشراكة»، منذ عام ١٩٩٥ بدأ مركز الشمال والجنوب يمنح جائزة سنوية لشخصيات تبرز عالميا بسبب أعمالها الهامة، فى مجال الفكر أو الفلسفة أو الفن أو العلم أو السياسة والاجتماع، من أوائل من حصلوا عليها «بيتر جابرييل» الموسيقار البريطانى مؤسس «موسيقى العالم» عرفت باسم «ويرلد ميوزيك»، وحصلت عليها «مارى روبنسون» رئيسة أيسلندة عام ١٩٩٧،

اختارونى عام ٢٠٠٤ لهذه الجائزة، تقديرا لأعمالى الأدبية والفكرية، قدمها لى رئيس البرتغال فى اجتماع كبير فى مدينة لشبونة، حضره رئيس البرلمان وأعضاؤه والوزراء والسفراء (منهم سفير مصر فى البرتغال) والأدباء والمفكرون والفنانون والموسيقيين، طلبوا منى إلقاء كلمة كما هو متبع بعد استلام الجائزة، قلت فيها إن الأهداف والكلمات التى سمعتها جميلة، لكن كلمة «الشراكة» تصيبنى بالشك فأتساءل: هل يمكن أن تحدث الشراكة الحقيقية بين شركاء غير متساوين؟

هل يحدث تضامن أو تعاون أو سلام بين بلاد تملك السلطة والثروة والسلاح النووى وبلاد سلبت مواردها بالحرب العسكرية أو الحرب الاقتصادية؟ ألا يتخفى الاستعمار دائما بالكلمات الجميلة؟ ألم تحتل بريطانيا مصر عام ١٨٨٢ تحت اسم الحماية والرعاية؟ ألم يحتل الجيش الأمريكى (وبعض الجيوش الأوروبية) العراق عام ٢٠٠٣ تحت اسم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق النساء؟ ألا تحتل إسرائيل كل عام المزيد من أرض فلسطين تحت اسم عملية السلام؟

عام ٢٠٠٨ حصل على الجائزة «جورج فيرناندو سامبايو»، منذ كان طالبا بكلية الحقوق فى جامعة لشبونة انخرط فى الحركة الثورية ضد النظام الفاشستى فى البرتغال، ورأس اتحاد الطلبة فى ١٩٦١، تخرج محاميا ثوريا يدافع عن المسجونين السياسيين، ثم أصبح أحد مؤسسى حركة اليسار والحزب الاشتراكى البرتغالى، أصبح عضوا بالبرلمان حتى انتخابه رئيسا للجمهورية عام ١٩٩٦، أعيد انتخابه وظل رئيسا للبرتغال من ٢٠٠١ إلى ٢٠٠٦، فى عام ٢٠٠٧ أصبح ممثل الأمم المتحدة لتحالف الحضارات.

كنت من المشاركين فى المائدة المستديرة يوم ١٨ مايو ٢٠١٠، فى حوار حول تحالف الشمال والجنوب، التضامن العالمى، التنمية، الديمقراطية، تحالف الحضارات، ضمن المشاركين : جورج سامبايو، وأولافور جريمسون (الرئيس الحالى لدولة أيسلندة، يقود فكرة استبدال الفحم والبترول بالطاقة الخضراء النظيفة، الكهرباء، كما تفعل أيسلندة والهند والصين)، وماريو سوياريس (زعيم المعارضة فى البرتغال ضد حكم أنطونيو سالازار الفاشستى، دخل السجن ثلاث عشرة مرة ونفى عدة سنوات، قبل أن يصبح رئيس الوزراء عن الحزب الاشتراكى، تم انتخابه رئيس دولة البرتغال عام ١٩٨٥،

وأعيد انتخابه عام ١٩٩١)، ضمن المشاركين أيضا شخصيات من الشمال والجنوب منهم: عبدالرحمن يوسفى (رئيس الوزراء السابق فى المغرب، دخل السجن مرتين ونفى عدة سنوات، برز فى اتحاد المحامين العرب مدافعا عن العدالة وحقوق الإنسان، أصبح رئيسا للوزراء عام ١٩٩٨، حصل على جائزة الشمال والجنوب عام ١٩٩٩) جلست إلى المائدة المستديرة وسط هذه النخبة من الطبقات العليا، شعرت بالغربة رغم تاريخهم النضالى ضد النظام الرأسمالى الاستعمارى، ربما لانضمامهم إلى الطبقات الحاكمة، أو ثرائهم الواضح وملابسهم الفاخرة.

حصل كوفى عنان (السكرتير العام السابق للأمم المتحدة) على جائزة الشمال والجنوب عام ٢٠٠٧، لدوره فى تدعيم تحالف الحضارات، وقد شكل لجنة من الشخصيات العالمية، ضمت محمد خاتمى (رئيس إيران السابق) لوضع أسس التحالف بين الحضارات، بين عام ٢٠٠٥ وعام ٢٠٠٦ عقدت هذه اللجنة أربعة اجتماعات أولها فى إسبانيا ثم قطر ثم السنغال ثم تركيا، نتج عنها الوثيقة الدولية لحوار الحضارات،

يفخر بها جورج سامبايو ويقول: هذه الوثيقة حدث هام جدا لأنها تدل على تغير الفكر العالمى خلال السنين الأخيرة، انهزمت فكرة صراع الحضارات وحلت مكانها فكرة التحالف بين الحضارات، حين جاء دورى للكلام فى اجتماع المائدة المستديرة قلت: نحن فى حاجة إلى نزع الحجاب عن هذه الكلمات الجميلة مثل التحالف والتعاون والشراكة والتسامح والحماية والسلام، التى لا تتحول إلى فعل فى الواقع والحقيقة، لأننا نعيش فى ظل نظام عالمى رأسمالى أبوى غير عادل قائم على القوة والظلم والحرب والاستعمار، وليس العدل والمساواة بين البلاد أو بين الأفراد أو بين النساء والرجال، كلمة التسامح لا تعنى المساواة بل تسامح الآلهة الأقوياء للعبيد الضعفاء،

أقبل نحوى سفير مصر فى البرتقال، قال: اسمى أمجد عبد الغفار، نحن فخورون بك يا دكتورة، أنا متزوج من ابنة صديقك الأستاذ المرحوم أحمد بهاء الدين، ضحكت وقلت: يعنى بهاء كان حماك وما أدراك ما الحما؟ ضحك وقال : كان حمايا أستاذا ومفكرا كبيرا، قلت له فعلا، ثم سألنى: هل نشرت الصحف المصرية عن حصولك على هذه الجائزة الكبيرة عام ٢٠٠٤؟ ضحكت: لا حس ولا خبر، قال: غير معقول سوف أرسل الخبر اليوم ومعه تحقيق صحفى كامل عن كلمتك اليوم، عدت إلى الوطن يوم ٢٠ مايو، مرت أيام دون أن ينشر شىء فى أى جريدة حكومية أو معارضة، رأيت الصفحات الضخمة عن المعركة الحامية بين فصائل النخبة السياسية والأدبية، وتبادل الاتهامات بالخيانة الوطنية والعمالة لأمريكا وللحزب الوطنى الحاكم، ووووووو، همس فى أذنى شيطان الشعر:

شلل الانتخابات الموسمية

والمهرجانات الأدبية

رأسمالية شيوعية ليبرالية نيوليبرالية

حكومة معارضة يتشابهون

الحركة والمشية والكلام

إلى الداخل والخارج يسافرون

ظهورهم نحو شعبهم المقدس وجوهم نحو الحكام

ثمانون مليون مصرى ومصرية

داخل العبودية الأبدية

قانون الطاعة، وسجن الزوجية

لا يعرفون الطريق إلى الملعب الكبير

حيث الجماعة إياها وجمعية التغيير

سرقوا منهم شرف المقاومة والأرض والطين

وأحجبة النساء وأغشية البكارة من الصين

No comments: