اليوم ٥ يونيو ٢٠١٠، واليوم يوافق ذكرى ٤٣ عاماً على النكسة، مازلنا نسميها كذلك، ولا نسميها هزيمة، المصطلح الأول يحمل ما يحمل من إحساس بالمرارة والخيبة، والثانى لا يعنى أكثر من كلمة هزيمة.
وعلى الرغم من انتصار العسكرية المصرية الباهر فى حرب أكتوبر المجيدة، فى ملحمة لايزال العالم يدرسها، فإن مشاعر المصريين لاتزال مليئة بكل المرارة التى ضاعفتها الأوهام التى صدرتها القيادة السياسية للبلاد آنذاك، كان لدينا الوهم القاتل أننا لن نقهر، فانتكسنا تماماً مثلما ظنت إسرائيل أنها لا تقهر فانقهرت.
«المصرى اليوم» تستعيد مرارة تلك الأيام، ليس بقصد جلد الذات، وإنما بقصد البحث عن تفسيرات لما جرى، من خلال وثائق وشهادات وانعكاسات الحدث داخل مصر وإسرائيل.
المشير عامر: أطحنا بالملكية وأتينا بالفساد.. فكانت الهزيمة
حاول المشير عبدالحكيم عامر، تقديم تحليل لنكسة يونيو ٦٧، يبدأ من الجذور وتحديداً منذ قيام ثورة يوليو إذ قال عامر «لم تبدأ النكسة فى يونيو من هذا العام ولكن مع أول بوادر نجاح ثورتنا، فقد بدأ صراع خفى بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وبدأ بعضهم فى رعاية مصالحهم الشخصية ومناصبهم على حساب الشعب، ولقد حذرت من هذه الممارسات مراراً وتكراراً وبلغت الرئيس بها ولكنه تجاهلها،
وهدد الفشل حركتنا حين لم تعد قادرة فى ظل هذه الظروف أن تصبح حركة شعبية، فالهيئات والجهات القومية التى قمنا بتأسيسها لا تجرؤ على توجيه النقد أو حتى النقد الذاتى، وفى الواقع كان من الممكن تأسيس هيئات وأجهزة مستقلة تتمتع بالحرية وتستطيع أن توجه النقد البناء لأن الجيش لا يزال الحارس الأمين لإنجازات الثورة، ولابد أن يعمل الجيش كضمان للنظام وليس كأداة لفرضه على الشعب، وهذه نقطة خلاف أساسية بينى وبين الرئيس».
ومضى المشير يقدم قراءة لجذور الهزيمة فيقول: «لا يوجد أى نقد جوهرى فى أى جريدة مصرية لأى حدث سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو اجتماعياً هل أنتم خائفون إلى هذه الدرجة من النقد حتى تفرضوا على الصحف التزام الصمت الأمر الذى لم نشهده أثناء أحلك أيام الملكية والإقطاع؟ للأسف الشديد عدنا إلى عصر المماليك وقصورهم ومحاكمهم وانتشرت الانتهازية والأنانية وكلما قمت باسترعاء انتباه الرئيس لهذا أصبح من الواضح لى أنه كان يشجع ذلك سامحه الله.
وفى أحد الأيام سألت الرئيس إذا كان قد سمع أن السيد «أ» و«السيد» «ب» قد أعطيا تراخيص استيراد للأقارب واقتسما معهم الربح فقال: أعرف هذا وأكثر منه، وحين قلت له إنه قد آن الأوان لوضع حد لهذا الفساد قال لى: لا تقلق يا عبدالحكيم أنا أمسك بمصائرهم فى يدى وأضمن دعمهم غير المحدود لى سواء من خلال المصلحة أو الخوف، كان هذا فى عام ١٩٦٤ بعد ثورتنا باثنى عشر عاما، فهل أطحنا بالملكية والإقطاع ليحل محلهما الفساد؟!»
ويصل المشير لبيت القصيد- نعنى الأسباب المباشرة لوقوع الهزيمة- فيقول: «لقد ورطنا أنفسنا فى حرب مع إسرائيل دون أن نريد ذلك، ودون أخذ زمام المبادرة، ودون التخطيط لها أو اختيار تاريخها، وحين بلغتنا الأخبار بوجود حشود إسرائيلية بطول الحدود السورية أخبر الرئيس كبار القادة بأن ميزان القوى لصالحنا،
ولكن ينبغى أن ندمر إسرائيل على مراحل وألا يبدو أننا بدأنا بالعدوان، وقال جمال إن إسرائيل لابد أنها سترد على أفعالنا بالعدوان، ولكن الاتحاد السوفيتى سيقف إلى جانبنا دون أن يعلن أنه يدعم تدمير إسرائيل ووعد السوفيت بأنهم سوف يوقفون أى تدخل أمريكى طالما كان من الممكن إثبات أننا لم نبدأ بالعدوان، وقلت للرئيس إننا ينبغى أن ننتظر حتى ترتكب إسرائيل عدوانها وتبدأ تنفيذ خطة عدوانها ضد سوريا فى الشمال قبل تحرك قواتنا،
وقلت إن هناك احتمالية أخرى وهى أن إسرائيل لن تتحرك على الإطلاق وأن حشد قواتها فى الشمال كان مقصوداً به التحذير أو الضغط، وفى هذه الحالة سيكون لدينا الوقت لتنفيذ خطتنا على حسب رغبتنا وليس على حسب رغبات العدو، وهناك احتمالية أخرى تتمثل فى أن نأخذ المبادرة وندمر إسرائيل، وعنصر المفاجأة سيكون إلى جانبنا، ولكن الرئيس رفض هذا الاحتمال الأخير،
وقرر أن يترك العدو يوجه الضربات للقوات ويدخل شبه جزيرة سيناء، وهذه الخطوة كانت تعتبر ضرورية لمتطلبات الوضع السياسى وحذرت الرئيس شفهياً وكتابة ضد خطر هذا الأمر، وإذا لم أكن أعتمد على القوات الجوية لكنت استقلت قبل تنفيذ الأمر الذى عرض قواتنا المسلحة- خصوصاً وحدات المشاة والمدرعات- لخطر الإبادة..».
وفى نهاية تحليله قال المشير: «لقد ظل الجيش السورى بالقرب من دمشق لحماية نظام حزب البعث، ولو كان الجيش السورى شن هجوماً كاملاً فى المنطقة الشمالية من إسرائيل أثناء الأيام الأولى من الحرب لأجبر إسرائيل على سحب عدد كبير من قواتها من سيناء والأردن».
هذا بعض مما ورد فى شهادة المشير عامر المؤرخة فى ٧ سبتمبر ١٩٧٦ وعليها توقيعه ونشرتها بعض الصحف والمجلات الأجنبية، هناك شهادة عسكرية أخرى وردت فى كتاب «مذكرات قادة العسكرية المصرية ١٩٦٧» ونقرأ فيها ما قاله الفريق أنور القاضى، الذى تولى رئاسة هيئة الأركان فى أبريل ١٩٦٤، واختير فى عام ١٩٦٦ ليكون رئيس هيئة العمليات للقوات المسلحة وكان الرجل الثانى فى القوات المسلحة بعد الفريق فوزى، مع الفريق مرتجى للقوات البرية وسليمان عزت للقوات البحرية ومحمد صدقى محمود للقوات الجوية.
ونقلب فى صفحات من مذكرات الفريق مرتجى التى نشرت على حلقة واحدة مركزة ومطولة، فى مجلة «آخر ساعة» تحت عنوان «الهزيمة وكيف حدثت فى ٨٠ ساعة» وألقت الضوء على كثير من الحقائق التى لم تتناولها المذكرات الأخرى بنفس القدر من الوضوح خاصة عند نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧.
ولعل أهم ما فى هذه المذكرات حديث الفريق مرتجى بتفصيل معقول عن إلغاء الضربة الجوية التى كان مفترضاً توجيهها إلى إسرائيل فجر ٢٧ مايو ١٩٦٧ لإصابة القوات الإسرائيلية بالشلل المؤقت قبل أن تتم استعداداتها، غير أن الأوامر صدرت بإلغاء هذه الضربة فى الثالثة صباحاً أى قبيل تنفيذها بدقائق بعد تأهب كل المشاركين فيها، وبالضرورة أصاب هؤلاء الإحباط من جراء قرار الإلغاء .
ويذكر الفريق مرتجى أن قرار إلغاء الضربة تم على أثر مقابلة عاجلة جرت بين الرئيس عبدالناصر والسفير السوفيتى، ومعنى أن السفير السوفيتى كان يعلم بنوايا المصريين فى توجيه هذه الضربة فإن الروس كانوا على علم بخططنا وأنها لم تكن مستترة عن أعين غيرنا كما يعنى هذا أيضاً أن الروس تواطأوا علينا إذ حرمونا من خطوة كانت كفيلة بتجنيبنا الكارثة.
يقول الفريق القاضى فى مذكراته «كان الهدف من هذه الضربة أن نصيب الحشود الإسرائيلية التى تدفقت نحو الجنوب بـ«الشلل» ثم نقوم بالعمليات الاعتراضية لها».
ويضيف القاضى أنه كان يتردد فى تلك الفترة أقاويل عن خلاف بين المشير والرئيس عبدالناصر وصل ذروته فى الأيام الخمسة الأخيرة قبل وقوع النكسة، وكان القاضى قد دخل على المشير فى مكتبه بالقيادة العليا قبل ٥ يونيو بأيام وكان معه شمس بدران وزير الحربية وقتها، وكان المشير ثائراً ويقول لبدران «روح قول له المسألة مش مقامرة إذا كان عاوز يحارب لازم يدفع كذا مليون فى اليوم وكذا مليون ميزانية حرب مش يخفض ميزانية الجيش وبعدين يقول لى حارب»، وكان شمس بدران يحاول التوسط بينهما وهذا إنما يعكس حالة التمزق التى كانت موجودة فى القيادة العليا وكانت تنعكس على جميع القيادات.
كما أشار الفريق القاضى لمسألة بالغة الأهمية وهى أن السوريين أنفسهم سألوا رئيس الأركان المصرى فى نهاية زيارته عن حقيقة مسألة الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا ومن أين جاءت القاهرة بهذه التفاصيل التى نشرتها الصحافة المصرية.. وقد عرف الفريق أنور القاضى من المشير عامر لاحقاً أن هذه المعلومات استقاها ناصر من مصدرين أحدهما سوفيتى والآخر بلغارى، والغريب أن سوريا نفت هذا ولم تكن لديها معلومات الأمر الذى حدا بعبدالناصر والمشير معا أن يطير الفريق فوزى إلى دمشق ليتحقق من الأمر وهناك لم يكن لدى السوريين معلومات مؤكدة عن الأمر..
ويذكر القاضى أن ثلثى القوات المصرية كانا موجودين فى اليمن وكانت هيئة العمليات التى يرأسها القاضى قد أوصت بسحب قواتنا من اليمن وترك عدد رمزى هناك فضلاً عن تحذير هيئة العمليات لضعف الإمكانات المتاحة وتهالك الأسلحة والمعدات بسبب حرب اليمن وطلبت الهيئة اعتماد ميزانية حرب والمعروف أنه تم تخفيض موازنة القوات المسلحة مرتين الأولى فى فبراير ١٩٦٧ والثانية فى أبريل من العام نفسه. وألغيت الاعتمادات المخصصة للتدريب وإنشاء الدشم والمطارات السرية وتجهيز الخطين الأول والثانى فى سيناء.
ماهر حسن
Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment