Friday, June 25, 2010

طلب لجوء غير سياسي

لم يتملكني كل هذا الفزع و الرعب ، مثلما عشت الايام الماضية بعد مشاهدة صورة(عمرو موسي ) المعلق علي مشنقة نصبها لنفسة علي كوبري ( قصر النيل ) ، وصورة حطام وجة ( خالد سعيد ) .
لم اكن أتصور أن تهون الحياة بهذا القدر ، فيضج (عمرو ) منها ، ليخلف صورة –تفوق أية كلمات – لعلها توقظ مشاعر ماتت ،أو كادت تموت ..أو أن يستفحل ارهاب النظام ودمويتة ليقتل شابا، ويمثل بجثته بمثل هذه البشاعة ، وعلي مرأي ومسمع من أصدقائة و جيرانه.
ليس القتل بجديد علي هذا النظام ، فنشر صور حطام (خالد) ، أقعدني عن حضور إجتماع لاحياء ذكري إغتيال الكاتب و المفكر و المناضل ( شهدي عطية الشافعي ) الذي اغتيل تحت التعذيب في أحد معتقلات ( عبد الناصر) ، منذ نصف قرن .
لم يكن (شهدي عطية) أول ضحايا التعذيب ، ومن التفاؤل ألقول "يجب ان يكون خالد آخر هم " .. فالقمع و الاستبداد و الهمجية يزدادوا شراسة.. و الفزع و الارهاب يزدادا هولآ .. و الصفاقة و البلادة لا تعرفان حدا.
في الصباح ، الشوارع المكتظة بقوات الامن ، و عصابات الموت و فرق ( مكافحة الارهاب !) ، تثير الرعب و الفزع ، و تثير المخاوف من حدث جلل .. لكن كل هذه الحشود كانت كالمعتاد لمواجهة مئات المحتجين علي قتل (خالد) ، و مئات المحامين المعترضين علي سجن زملاءهم بعد محاكمة عاجلة، تذكر بمحكمة " الثورة " في غدرها وعدم شرعيتها .
كثيرا ما سمعنا و شاهدنا أفلاما في السبعينيات و الثمانينات عن ( فرق الموت ) التي تغتال المعارضين السياسيين ، في الخفاء و العلن ، في أمريكا اللاتينية ، المحكومة بأنظمة إستبدادية تجمع بين اسوأ النظم العسكرية و الدول البوليسية التي عرفها العالم .. لكننا لم نكن نتصور أننا نتفرج علي أنفسنا في أفلام امريكا اللاتينية .
في المساء .. إتصل إبني من وسط القاهرة ، يطمئننا علي سلامتة و نجاحة في الوصول إلي "نقابة السينمائيين " بعد أن أوقفوه و فتشوه ، وإسترابو فيه لانة يحمل كتاب "كليلة و دمنة" حمدا لله أنة لم يكن " الف ليلة و ليلة " ..وإلا كانو حرقوها و حرقوه .. و حزرني من الذهاب لاحياء ذكري ( شهدي عطية ) .. فالدولة المصرية تحييها بطريقتها .
اكثر من نصف قرن ، نعيش كابوسا لا ينقطع ، بلا هدنة ، بل يزداد هولا . و كلما لاح أمل في مجرد الحد من قسوتة ، تبدد الامل بهول افدح و اكثر همجية .
رغم انني لم ارغب يوما في العيش خارج مصر، و (شبرا) علي وجة التحديد ، رغم ان فرصا كثيرة أتيحت لي ، خاصة في اوروبا ، وقت أن كانت لا تتخوف من العرب و المسلمين ، ولا غيرهم من مهاجري العالم التعيس..إلا أن تفاقم الاستبداد و الوحشية و الاجرام ..يدفعنا للحلم بخروج آمن من هذا الكابوس ، أفر باسرتي إلي الخارج .. أي مكان .. شرط الا يكون محكوما بدولة عسكرية بوليسية ، و ألا تعتبرني الدولة المضيفة لاجئا سياسيا ، ولكن مجرد هارب من الفزع و إنفلات الهمجية و الطغيان .
لكن ، أين هذا المكا ن؟
البلدان المحيطة تعيش كابوسا لا يقل بشاعة و هولا ، فالقومية العربية ، ليست كما نقول عنها .. وحدة اللغة و المصير و التاريخ و غيرهم ، بل عرفناها وحدة الاستبدادو القهر و الاجرام و الفساد و الرقاعة ...و..و..أما الغرب ، أصبح اكثر كرها لامثالنا و يريد التخلص ممن لدية من مهاجرين ..
للاسف الشديد ، ليس لنا خيار .. دائما لم تكن لنا خيارات ..ويبدو أن خيارنا الان إما ان نعلق أنفسنا علي المشانق او أن يحطموا رءوسنا ، او – ياريت – نصحو فجأة من هذا الكابوس .. كيف ؟ .. لا أعرف..
ومن يعرف .. قد نكون مجرد أموات .. و ليس في الامر كابوس ..وإذا كان بعضنا يفزع من صورة (عمرو) علي المشنقة ، وحطام ( خالد ) .. فما أدرانا أنهما لا يفزعان من صورنا .. فصور الموتي دائما مخيفة و مفزعة مهما إختلفت أسبابه . ولا شك أن الموتي المتحركين أشد هولا و بشاعة من الموتي الساكنين

خالد الفيشاوي
kfishawy@gmail.com
الحوار المتمدن

No comments: