Sunday, June 06, 2010

من حوار حول الأقباط مع طارق حجي

هذا النص مقتطف من حوار طويل نشرته بالإيطالية المستشرقة الشهيرة فالانتينا كولومبو التى تحاضر عن الأدب العربي بست لغات ومترجمة الجاحظ وبديع الزمان الهمذاني ونجيب محفوظ من العربية للإيطالية ومترجمة كتاب "سجون العقل العربي " لطارق حجي من العربية للإنجليزية (نشر بميلانو فى مارس 2010 ) :


فالانتينا :كيف تري وضع الأقباط اليوم فى مصر ؟
طارق حجي : هو وضع صعب وغير مقبول بأي شكل . فهناك العديد من المضايقات النوعية مثل حالات العنف التى يتعرض لها بعض الأقباط بين الحين والآخر والتى تزهق فى بعضها أرواح عدد من الأقباط ، وهى أحداث لا يمكن النظر لها كأحداث فردية ، إذ أن تكررارها منذ سنة 1972 يجعلها ظاهرة وليس محض أحداث فردية. ومثل الصعوبات التى يواجهها الأقباط عندما يرغبون فى بناء كنائس جديدة. ومثل عدم وجودهم بشكل يقابل حجمهم كسدس سكان مصر فى المناصب العامة وبالذات فى المواقع القيادية ، إلا أن مشكلتهم الكبري (فى إعتقادي) تنبع من تحول المجتمع المصري قيميا (أي من ناحية القيم) وثقافيا من مجتمع تعددي لمجتمعى أحادي النظرة وفيه قدر غير صغير من التعصب . وأقباط ليسوا وحدهم الذين يعانون من مثل هكذا تحول ثقافي ، ولكنهم بسبب حجمهم (الكبير) هم الأكثر وضوحا . ولكن مجموعة أخري مثل البهائيين تشعر بالضيق (وربما بالإختناق) من هذا المناخ الثقافي العام الذى تتناقص قدرته على قبول التعددية وزيادة درجة التعصب فيه. هذا المناخ الثقافي العام هو أكبر مشاكل الأقباط
فالانتينا كولومبو : هل الحكومة المصرية طرف فى هذه المأساة ؟ أي هل هى من عوامل إساءة معاملة الأقباط ؟

طارق حجي : لا أعتقد أبدا أن هناك خطة لإساءة معاملة الأقباط . ولكن هذا لا يعفى الحكومات المصرية المتعاقبة (وبالذات منذ أحداث الخانكة فى سنة 1972) من مسئوليات جسام . فالإنسان يحاسب ليس فقط على الأخطاء التى قام بها ، وإنما أيضا عما لم يقم به وكان من الواجب القيام به . هناك الكثير الذى كان من الممكن القيام به لتقليل آثار المناخ الثقافي المضاد للتعددية وقبول الآخر والذى يتصاعد فى مصر منذ 1967 . ولكن التعامل مع الأعراض لا يمكن أن يكون بديلا عن التعامل مع المرض الأصلي . والمرض الأصلي هنا هو (كما ذكرت) مناخ ثقافي وتعليمي عام معبأ بمفرخات التعصب وإضطهاد الآخر (بل والعمل على إقصائه) . وعلاج هكذا مرض لا يكون إلا بأمرين : (1) تأسيس مناخ سياسي عام يقوم على المواطنة والدولة المدنية وفصل الدين ورجال الدين عن الدولة وسياسات المجتمع التى يجب أن تؤسس على معطيات العلوم الحديثة (2) تأسيس نظام تعليمي معاصر يزرع فى عقول وضمائر أبناء وبنات المجتمع قيم الإنسانية والتعددية والتسامح والغيرية وعالمية المعرفة وإعلاء قيمة الحياة الإنسانية وإعلاء قيمة العقل بوجه عام والعقل النقدي بوجه خاص ، وهى القيم التى أفردت لها كتابي "قيم التقدم" (دار المعارف ، 2001 ) ... وأية حكومة رشيدة تجد نفسها أمام هذا التدهور فى وضع الأقباط فى مصر يجب أن تتعامل منهجيا مع الأعراض ومع المرض الأساس فى ذات الوقت
فالانتينا كولومبو : فى لبنان يتراجع دور المسيحيين ، وفى العراق والأردن والمجتمع الفلسطيني فإن مئات الألوف من مسيحي هذه المجتمعات قد هاجروا لأوروبا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا ، وهناك أكثر من مليون قبطي فى أمريكا الشمالية وأوستراليا وحدهما . ما هو تفسيرك لهذه الظاهرة ؟

طارق حجي : العامل الطارد لكل من هو ليس من الأغلبية السكانية فى معظم المجتمعات العربية هو نفس العامل وأعني إنحسار ثقافة المواطنة بمعناها العصري لحساب هوية قاتلة (وأنا هنا أستعمل تعبير نحته الأديب اللبناني الشهير أمين معلوف) أي الهوية غير المؤسسة على أساس المواطنة وإنما على أساس الدين أو الطائفة . وما لم تؤسس دول مدنية وتنمو مجتمعات مدنية ببلدان المنطقة وتكون المواطنة هى أساس الهوية ، وما لم يرجع الدين ليكون دينا فقط وليس أسلوب ومنهج حياة ، فإن ثقافة الهويات القاتلة ستستمر فى إقصاء وطرد الأقليات التى سيستحيل عليها مواصلة الحياة فى مجتمعات خالية من أوكسيجين التعددية والإختلاف فى ظل الوحدة والتسامح وقبول الآخر

فالانتينا كولومبو : هل تعتقد أن تعاظم دور الإسلام السعودي (أي الإسلام كما تفهمه وتروجه المؤسسة الدينية السعودية - الوهابية ) وتعاظم دور الإخوان المسلمين فى المجتمع المصري هما من العوامل الضاغطة على الأقباط ؟

طارق حجي : لاشك أن ما سميتيه أنت "الإسلام السعودي - الوهابي" هو لاعب أساس على مسرح معظم المجتمعات الإسلامية والعربية من إندونيسيا شرقا لموريتانيا غربا . ولاشك أيضا أن فكر الإخوان المسلمين سواءا فكر القطبيين المصريين أو فكر السروريين السوريين هو (بالمثل) لاعب أساس على مسرح معظم المجتمعات الإسلامية والعربية . ولكن كما أنك لا تمرض عند تعاملك مع إنسان مريض بنزلة برد لمجرد أنك تعاملت معه ، ولكن (بنفس القدر) لأنك كنت ضعيفة المناعة ومستعدة لإلتقاط المرض . وأعني أن معظم المجتمعات الإسلامية والعربية كانت (لعدة عقود) فى قبضة نظم حكم تجسد (الجهل) و (الفساد) وأن ذلك جعلها ضعيفة من الداخل ضعفا سمح لثقافات ماضوية ظلامية رجعية ومضادة للعلم والتقدم

فالانتينا كولومبو
tarekheggy@gmail.com
الحوار المتمدن

No comments: