واحدة من الدراسات المهمة عن الأوضاع فى مصر الآن، كتبها آدم شاتس فى مجلة لندن ريفيو أوف بوكس معلقا ومحللا للأوضاع السياسية فى مصر.. المجلة، كما يوحى اسمها، بريطانية، تصدر منذ ١٩٧٩ كل أسبوعين، وتعد واحدة من أكثر المجلات الثقافية رصانة وانتشارا فى بريطانيا وأوروبا،
وتعنى بنشر المقالات الفكرية والأدبية الرصينة بالإنجليزية بأقلام الكتاب والأكاديميين والصحفيين البارزين، إلى جانب عروض موسعة للكتب الجديدة، ومقالات نقدية قصيرة فى الفن والسينما، وهى تقدم فى كل عدد تنويعة من الموضوعات السياسية والاجتماعية والأدبية والتاريخية.
آدم شاتس كاتب هذه الدراسة هو مدير تحرير فى لندن ريفيو أوف بوكس، ورئيس سابق للقسم الأدبى فى ذى نايشن الأمريكية، وعمل من قبل فى ملحق الكتب بنيويورك تايمز ولينجوا فرانسا وذى نيويوركر الشهرية الأمريكية،
وهو محرر كتاب «رفض الأنبياء: قرن من الكتابات اليهودية المعارضة للصهيونية وإسرائيل» (الصادر عن نايشن بوكس)، وعمل مراسلا لنيويورك ريفيو أوف بوكس من لبنان والجزائر، وساهم فى العديد من المقالات فى السياسة والموسيقى والثقافة فى مطبوعات أخرى. على خلاف المقالات السريعة فى الصحف اليومية التى يميل مراسلها إلى التقاط خيط من معارض أو باحث مصرى ويطوره تبدو مقالة شاتس أكثر شمولية، حيث يتوقف عند مشاهد ووقائع رمزية ذات دلالة مفصلية فى مجمل الصورة التى يضفرها معا.. بالإضافة إلى عمق التحليل تمثل المقالة- ربما- نموذجا للتحقيقات السياسية المثيرة للتأمل.. بعد القراءة!
جماعة الإخوان المسلمين خصم نظام مبارك الرئيسى - وربما أنها أهم أدواته فى ترويج نفسه عند الغرب وتخويف الطبقة الوسطى- تأسست عام ١٩٢٨ لكنها مازالت كبرى حركات المعارضة فى البلاد وأفضلها تنظيما، وقد شهدت الجماعة تحولات استراتيجية عدة على مر السنين لكن رسالتها لم تتغير: العدالة الاجتماعية، والحكم على أساس المبادئ الإسلامية، ومعارضة الإمبريالية ودعم قضية فلسطين، وكان عبدالناصر والسادات متعاطفين مع الجماعة إن لم يكونا عضوين بها فى الأربعينيات.
وفى عام ١٩٧٠ عندما تولى السادات السلطة نبذ الإخوان العنف، والتزموا بهذا الموقف طوال التسعينيات عندما شنت أجهزة الأمن حربا قذرة على الجماعات الإسلامية المتشددة التى استلهمت كتابات سيد قطب، وسعى الإخوان عن طريق الدعوة إلى تحويل مصر تدريجيا نحو القيم الإسلامية، وتوفير الخدمات الطبية والاجتماعية للفقراء.. هذه الخدمات، أصبحت تقريبا دولة داخل الدولة، عن طريق البنوك الإسلامية التى يديرها الإخوان، وعن طريق تبرعات أبناء الطبقة المتوسطة المتدينة وتمويل السعودية ودول خليجية أخرى.
ولم يكن مبارك قريبا أو متعاطفا مع الإخوان على الإطلاق، لكنه وجد طريقة للتعايش معهم -وليس استبعادهم تماما- بسبب تغلغلهم فى المجتمع، وكثيرا ما توصف الجماعة بأنها «محظورة» لكن مسموح بها: «محظورة» لأنها تشكل تهديدا خطيرا للنظام إذا سمح لها بالمشاركة بحرية، و«مسموح بها» لأن وجودها يتيح لمبارك أن يقدم نفسه باعتباره حائط الصد الوحيد فى مصر ضد استيلاء الإسلاميين على السلطة، وفقا لهذا النهج سمح مبارك فى ظل الضغوط الأمريكية لفتح النظام السياسى للإخوان بخوض الانتخابات التشريعية فى ٢٠٠٥.. خوفا من المعارضة الليبرالية وتجنبا لضغوظ إدارة بوش سمح النظام بفوز الإخوان بـ ٨٨ مقعدا فى البرلمان،
ومنذ ذلك الحين خففت الولايات المتحدة من ضغوطها لإرساء الديمقراطية، وتمت «قصقصة» أجنحة الإخوان، فلم يسمح لهم بخوض انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى فى ٢٠٠٧، ولا انتخابات المحليات فى ٢٠٠٨، واستخدمت الحكومة البلطجية لمهاجمة أنصارهم فى لجان الانتخابات، واعتقل المئات منهم، واستهدفت الاعتقالات بدرجة أكبر المعتدلين منهم ممن يحاولون إصلاح الجماعة من الداخل!
وكانت النتيجة تعزيز موقف المتشددين بقيادة المرشد الجديد محمد بديع الذى كان مسجونا مع سيد قطب فى ١٩٦٥- حيث يعرف بديع ومعاونوه باسم مجموعة ٦٥- فتوحدت قوتهم فى انتخابات الجماعة الداخلية فى يناير الماضى، وخسر الإصلاحى عبدالمنعم أبوالفتوح منصبه فى مجلس شورى الجماعة.. أصحاب هذا التوجه المتشدد فى الإخوان لا يحبذون التحالف مع القوى العلمانية ويرفضون ولاية المرأة أو أن يتولى قبطى رئاسة البلاد، وليست لديهم مشكلة مع نظام مبارك طالما أنها تتيح لهم ممارسة الدعوة.
المحافظون فى حركة الإخوان يرون أن انفتاح الجماعة يجعلها عرضة للتدخلات من جانب الدولة ومغريات الليبرالية العلمانية وبالتالى يرون أن السرية هى الوسيلة الوحيدة لبقاء الجماعة وهو الهدف الرئيسى للجماعة، ويستبعدون السعى للوصول إلى الحكم، وحتى يأتى اليوم الذى تسقط فيه الدولة فى أيديهم يفضلون تجنب المواجهة معها، وتكريس جهودهم لأسلمة المجتمع عن طريق الدعوة،
وربما أن الدولة تشجعهم على ذلك، فهى التى سمحت بدور أكبر لرجال الدين على شاشات التليفزيون وفى مجال التعليم: من الخطأ أن نعتبر الحزب الوطنى الحاكم حزبا علمانيا تتعارض مبادئه جذريا مع مبادئ الإخوان المسلمين، والحقيقة أن هناك ترتيبا غير معلن لتقاسم السلطة بين النظام الحاكم والإخوان المسلمين.. لعبة القط والفأر التى تخفى التقاء المصالح بشكل عميق: كلا الجانبين مستفيد من تصوير الإخوان باعتبارهم البديل الحقيقى الوحيد للنظام.
المثال الأوضح على هذا التواطؤ هو تجربة حزب الوسط الجديد تحت التأسيس بقيادة الإسلامى المعتدل أبو العلا ماضى الذى يتمتع بعلاقات قوية مع اليساريين والناصريين والليبراليين، يميل بشكل عام إلى مدرسة فكرية توفيقية هى الدستورية الإسلامية، وتعنى التوفيق بين الرؤى الليبرالية على أساس سيادة القانون وحقوق الفرد وفق التقاليد الإسلامية، والسبيل الوحيد كما يرى أبوالعلا ماضى هو إنشاء حزب يفصل- رغم قيمه الإسلامية- بين السياسة والدين، ويرحب بالأقباط وبحقوق المرأة، وهو ما نجح فيه حتى الآن رغم محاولات ضباط أمن الدولة ترهيب أعضاء حزبه من الأقباط، لكنه حتى الآن لم يحصل على موافقة لحزبه على خوض الانتخابات.
لكن الحصول على رخصة حزبية لا يشكل ضمانة للشعبية، فالأحزاب المعارضة الرسمية لا تتمتع بشعبية حقيقية، بسبب القيود المفروضة على حرية التجمع من خلال قانون الطوارئ، والأحزاب الحالية كما يرى رفعت السعيد زعيم حزب التجمع اليسارى «مجرد تجمعات فردية تطفو على سطح المجتمع»، وتتمثل مهمته فى خلق وهم الديمقراطية، فعدد المقاعد التى يحصلون عليها لا يعتمد على إرادة الناخبين بقدر ما يعتمد على احتياجات الحزب الوطنى، يقول منير فخرى عبدالنور الأمين العام لحزب الوفد الجديد (ستة مقاعد فى مجلس الشعب) والذى ينتمى لعائلة قبطية بارزة: «تجربتنا الحزبية كارثية..
صحيح أننا نتمتع حاليا بحرية غير محدودة فى الصحافة، لكنها عديمة الفائدة لأننا لا نستطيع إقامة علاقة مباشرة مع الشارع، الإخوان المسلمين لديهم هذه العلاقة المباشرة من خلال المسجد، لكننا لا يسمح لنا حتى بعقد مؤتمرات».. يريد عبدالنور أن ينفتح النظام بدرجة معقولة وتدريجية، لكنه يرفض رفع الحظر عن الإخوان.. يقول «فى بلدنا تتعايش ديانتان، لا يمكن إقامة جمهورية إسلامية فى مصر أبدا. لا يمكن أن نقبل حزبا إسلاميا يقول إن القبطى أو المرأة لا يجوز لهما أن يتوليا منصب رئيس الجمهورية.. وأرفض أن يحكمنى شخص يعتقد أن مسلما من ماليزيا أقرب إليه من مسيحى مصرى.
يشترك فى هذه الريبة كثير من أبناء الطبقة المتوسطة، وهذا هو السبب الرئيسى فى استعدادهم قبول حكم مبارك لفترة طويلة، أما قبول جمال مبارك فأمر آخر: فهو مصرفى سابق لم يكن لديه أى خبرة سياسية عندما تم تعيينه فى أمانة السياسات للحزب الوطنى عام ٢٠٠٠، وهو رمز لما خلقته المباركية بالفعل: تزايد نفوذ التكنوقراط المرتبطين بالشركات متعددة الجنسيات؛ تحرير الاقتصاد فى غياب التحرر السياسى، والمحسوبية،
وفكرة توريث السلطة إهانة للكرامة الوطنية فى مصر: فهى دولة جمهورية منذ أن أطاح عبدالناصر بالملك فاروق، لكن عددا قليلا من الناس يريدون لها أن تصبح «ملكية جمهورية بالحمص» على حد تعبير الكاتب خالد الخميسى.. جمال مبارك الذى يعرفه أصدقاؤه باسم «جيمى» صعد بسرعة بين صفوف حزب أبيه، وتمت ترقيته عام ٢٠٠٢ رئيسا للجنة السياسات، وهو مجلس استشارى للحكومة يتكون من عدة مئات من الأثرياء المرتبطين بالنظام، ومثقفين يعتبرون أنفسهم «إصلاحيين ليبراليين»، وهم يعرفون مجتمعين باسم «حكومة جمال».
ورغم نفى الأب والابن إعداد جمال لرئاسة الجمهورية، فإنه تتم الدعاية له بقوة كوجه مصر الجديد على لوحات ضوئية فى مدينة القاهرة وعلى شاشات التليفزيون.. حتى الآن قام جمال باعتباره مسؤولا رسميا فى الحزب الحاكم بعدة رحلات إلى واشنطن، غطتها بحماس وسائل الإعلام الحكومية، وأشادت به صحيفة نيويورك تايمز باعتباره رجل سياسة ذكياً ووسيماً، لكنه يتغنى بالدعوة للإصلاح وشعارات «الفكر الجديد» فقط من أجل فتح الأسواق وبيع صناعات الدولة، ولا يظهر تفهما لظروف غالبية المصريين الذين يقل دخلهم عن دولارين يوميا، وقد أعلن فى ذروة الأزمة المالية أنه لن يحدث أى تراجع عن سياسة الخصخصة.
وما لم يحصل عليه جمال مبارك حتى الآن هو تأييد المؤسسة العسكرية، على الأقل كما يرى أسامة الغزالى حرب، الذى استقال من أمانة السياسات عام ٢٠٠٦ بعد أن أدرك أنها مجرد أداة تصعيد لنجل الرئيس، وبعدها أسس حزبا يحمل اسما جيدا لكنه غير فعال «الجبهة الديمقراطية»، حزب غير فعال بدرجة جعلته يحصل على ترخيص فور تقديم أوراقه، يقول الغزالى حرب إن «جمال يحظى بدعم نخبة رجال الأعمال.. وهم يتآمرون من بعيد، يحاولون حشد تأييد له بين أعضاء الحزب والجيش،
ولكن إذا توفى والده غدا سيستبعدونه على الفور، صدقنى: حسنى مبارك لن يترك منصبه ساعة واحدة قبل وفاته، نحن لسنا فى الولايات المتحدة. ليس لدينا نواب للرئيس. هنا إما أن تكون فى المنصب أو فى القبر. وبعد خمس أو ست دقائق من وفاته ستنزل الدبابات إلى الشوارع» وهذا الاحتمال لا يزعج الغزالى حرب. «فالجيش هو القوة الوحيدة التى يمكن أن تضمن انتقالا سلميا للسلطة»، فى العام الماضى تجرأ الغزالى حرب على قول ما يفكر به كثير من معارضى جمال: إذا تنحى مبارك أو توفى يجب أن
يتولى الجيش زمام الأمور، بحيث يمكن صياغة دستور جديد، ثم بعد سنتين أو ثلاث يعود الحكم المدنى، ويصرح الغزالى حرب دون تردد بأن من سيقود الحكومة الانتقالية هو عمر سليمان ، رئيس المخابرات العامة، وهو برتبة لواء فى الجيش وعضو فى مجلس الوزراء، وهو ثانى أقوى رجل فى مصر، ولاعب رئيسى فى المفاوضات بين إسرائيل وحماس، وأحد أقوى رجال المخابرات فى الشرق الأوسط، ولد فى ١٩٣٥ فى صعيد مصر،
وينتمى إلى جيل من المصريين الفقراء الذين شهدوا صعودهم الاجتماعى مع قدوم عبدالناصر إلى السلطة، وهو مثل الرئيس مبارك درس فى أكاديمية فرونز العسكرية فى موسكو فى الستينيات، وتلقى دورات تدريبية فى فورت براج فى الثمانينيات بعد أن غيرت مصر تحالفاتها باتجاه الغرب، نشأت علاقة وثيقة بينه وبين مبارك فى منتصف التسعينيات، أثناء مواجهة الجماعات الإسلامية المتشددة، وعندما أطلقت مجموعة من الإسلاميين النار على سيارة مبارك فى أديس أبابا عام ١٩٩٥ كان سليمان بجانبه، ولم يصب مبارك لأن سليمان أصر على أن يصطحب الرئيس معه سيارته المصفحة.
سليمان شخصية متزنة، لكنه لم يقل شيئا أو يفعل شيئا يشير إلى ميله للإصلاح السياسى، وليس من الواضح أنه على استعداد لتولى السلطة بعد مبارك: وتشير بعض المصادر إلى أنه رفض فى أبريل الماضى فكرة تولى الرئاسة، وأن المؤسسة الأمنية تدفع الآن بشخصية أخرى.. أحمد شفيق، قائد سلاح الجو السابق، وزير الطيران المدنى الحالى، لكن الغزالى حرب وعدداً كبيراً من المعارضين يصرون على الأمل فى أن يكون عمر سليمان الرجل الذى ينقذ مصر من توريث السلطة وإرساء أسس الحكم المدنى.
الإعلان فى بداية ديسمبر من العام الماضى عن إمكانية ترشح محمد البرادعى للرئاسة شحذ همة دعاة الإصلاح.. البرادعى قضى معظم حياته المهنية فى الخارج، وفاز بجائزة نوبل للسلام عام ٢٠٠٥، وتبرع بعائدها إلى دور الأيتام، اتخذ مواقف شجاعة بخصوص عمليات التفتيش فى العراق وإيران فى مواجهة إدارة بوش، التى حاولت إجباره على ترك منصبه، مما دعا كثيرين لاحترامه، وبعد عودته لمصر فى فبراير الماضى، انتقد الدولة بعنف، لكنه ليس مثل أوباما فى ٢٠٠٨، فهو لا يرى نفسه منقذاً،
ويصر على «ضرورة أن يشارك الشعب لكى يمكن تغيير النظام الاستبدادى الموجود فى السلطة منذ ٥٠ عاما» ومن السهل أن نفهم لماذا يميل المصريون لاعتباره منقذا: هو شخص قادم من الخارج، وبعيد عن الحلول الوسط والمنتمين إلى الأحزاب السياسية فى مصر، هو شخص يمكن تعليق آمال كبيرة عليه، لكنه لم يقل كثيرا حول ما سيفعله كرئيس للبلاد، مما يجعله «غير سياسى» كما وصفه مراسل صحفى.
ومع ذلك تجول «غير السياسى» فى أنحاء مصر، وأدلى بأحاديث عامة فى تحد لقانون الطوارئ، ورد النظام بإلقاء القبض على ناشر لسيرته الذاتية، وأقنع الكويت بترحيل ١٧ من أنصاره من المصريين، ثم جاءت حملة لاذعة من الصحف الحكومية صورته مخلبا لواشنطن أو طهران «يهبط إلى بلده بالبارشوت»، وحملة أخرى من أحزاب المعارضة الرسمية، لكن سمعة البرادعى الدولية توفر له حماية قوية، وترشحه للرئاسة ويمكن أن تصعب من فرص ترشح جمال مبارك: فمساحة التناقض بين جمال والمدير السابق للوكالة الحائز على جائزة نوبل ستكون محرجة جدا.
لكن نظام مبارك لديه العديد من الوسائل لمنع البرادعى، والتعديلات التى أدخلت على الدستور عام ٢٠٠٧ تسمح للرئيس بحل البرلمان، وتعزيز سلطة الحزب الحاكم، بينما يستحيل تقريبا خوض مرشح مستقل الانتخابات الرئاسية فى ظل الشروط الحالية: وحتى لو حصل البرادعى على تأييد ٢٥٠ من أعضاء البرلمان والمجالس المحلية يستطيع النظام ترهيب الناخبين أو تزوير النتائج، خاصة بعد إلغاء الإشراف القضائى، لذلك رفض البرادعى أن يترشح ما لم يتم تعديل الدستور، ووجود مراقبة دولية للانتخابات، لكن مبارك ليس لديه حافز لقبول ذلك- ما لم تضغط عليه الولايات المتحدة.
قبل خمس أو ست سنوات كان يمكن أن يحدث ذلك، عندما كانت إدارة بوش جادة فى الإصلاح الديمقراطى فى مصر: فقد كانت تنظر لـ«نقص الحريات» كسبب رئيسى لإحباط وغضب رجال مثل محمد عطا وأيمن الظواهرى، وقد دعت كوندوليزا رايس إلى إنهاء قانون الطوارئ فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام ٢٠٠٥.
وبينما واصل بوش وكوندوليزا امتنانهما لخدمات مصر فى الترحيلات السرية غير العادية، أصرا على «أجندة الحريات»: تلقت المنظمات غير الحكومية التى لم توافق عليها السلطات فى القاهرة للمرة الأولى دعما مباشرا من الولايات المتحدة، مما أثار غضب مبارك، لكن الولايات المتحدة تراجعت بعد نجاح الإخوان المسلمين فى الانتخابات التشريعية فى ٢٠٠٥، وكان ذلك مجرد بداية، بعد أن كان واضحا أن «أجندة الحرية» تؤدى إلى نتائج عكسية فى بقية المنطقة، وأن تعزيز الإصلاح فى مصر هو تصرف غير حكيم،
وتذكرت واشنطن أسباب تقديرها الدائم للنظام: تعاونه على المسار الإسرائيلى الفلسطينى والحرب على الإرهاب، وعداؤه لطهران، والتسهيلات الممنوحة للسفن الحربية الأمريكية فى المرور السريع عبر قناة السويس، وتزويد الطائرات الأمريكية بالوقود فى قاعدة غرب القاهرة فى طريق عودتها من العراق،
وعندما تم تمرير التعديلات الدستورية فى ٢٠٠٧، كانت إدارة بوش قد غيرت مسارها، وتنازلت عن الشروط السياسية التى فرضها الكونجرس على ١٠٠ مليون دولار من المساعدات العسكرية البالغ حجمها ١.٣ مليار دولار من المساعدات العسكرية، على أساس أن السفن الأمريكية العسكرية تحتاج للمرور عبر قناة السويس فى وقت قصير.
أما باراك أوباما فعمل على إعادة بناء الثقة مع الحكومة المصرية، فى خطابه بالقاهرة فى يونيو ٢٠٠٩، حيث قال إن جميع الشعوب تريد «حكومات شفافة.. لا تسرق الناس»، ولم يفعل شيئا غير توجيه انتقاد متواضع لمبارك، بسبب تمديد قانون الطوارئ، وعادت إدارته إلى سياسة ما قبل ٢٠٠٤، واحتجزت أموال المنظمات غير الحكومية التى لم تعطها السلطات المصرية ترخيصاً بالعمل، وأعلن روبرت جيتس أن المساعدات العسكرية ستقدم «دون شروط»،
ولقد نشر ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية مذكرة «تخطيط لحالات الطوارئ» تدعو لمواصلة دعم نظام يصفه بأنه «ساعد على إنشاء نظام إقليمى أتاح للولايات المتحدة ممارسة قوتها دون تكلفة كبيرة».. أقل تكلفة على أى حال مما إذا استولى الإسلاميون على السلطة،
وهو ما قد يشكل تهديدا أكبر بكثير من الثورة الإيرانية -من حيث الحجم والدرجة- لمصالح الولايات المتحدة، ويبدو أن هذه هى الرؤية غير المعلنة لإدارة أوباما أيضا، وهى بالطبع أخبار سيئة بالنسبة للبرادعى وأنصاره: أخبار سيئة للمصريين، الذين يخشون من ألا يعرفوا الديمقراطية أبدا بسبب «الفيتو الأمريكى».
أيمن شرف- Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment