وقف عدد من المبدعين والمبدعات ضد الردة الثقافية والفكرية التى اجتاحت بلادنا خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، وقفوا بشجاعة ضد النقاب والختان والاستعمار والفساد، و قضايا الحسبة التى خرجت من قبور الماضى لتضرب حرية الفكر والإبداع الأدبى والعلمى والفنى.
أصحاب وصاحبات الشجاعة أقلية، يساندون علنا من يتعرض لبطش المتاجرين بالدين فى سوق السياسة والوطنية والأخلاق، يحظى بالمساندة أكثر من غيره ممن تدعمه السلطة الحاكمة فى مجال الثقافة والإعلام.
كانت حملة قوية إيجابية تلك التى ساندت طبع كتاب ألف ليلة وليلة، فلماذا لا يحظى بمثل هذه الحملة مبدعون ومبدعات غير مدعمين بالسلطات الحاكمة؟.
كان يوسف إدريس يقول لى: «لا يمكن لك يا نوال أو لأى كاتب مبدع أن يحظى بلقب كاتب كبير، دون أن تكون له كبارى مع السلطة الحاكمة، مؤسسة الأهرام لها سلطة أكبر من الحكومة، نحن نعارض الرؤوس الكبيرة على صفحات الأهرام بمن فيهم الوزراء ورئيس الوزراء مطمئنين إلى حماية السلطة، يقول لنا رئيس التحرير: «اسحبوا السجادة من تحت قدمى المعارضة، أنا يوسف إدريس أكتب مقالات بالأهرام تنقد الحكومة أكثر شجاعة من مقالات المعارضة، لأن لى ظهراً، ومن له ظهر لا يضرب على بطنه».
قرأت فى جريدة «المصرى اليوم» الصادرة ٢٤ مايو ٢٠١٠ مقالا بقلم الأستاذ أحمد المسلمانى، يقول فيه: «وبات على الأهرام التى تربح أكثر من مليار جنيه سنويا أن تواجه شركات أهرامية خاسرة وإنفاقا يتراوح بين الخطأ والسفه وديونا......... كتب أحد أعضاء مجلس إدارة الأهرام... يضع ألف دليل ودليل على صحة ما تنشره الصحف بشأن فساد الرئيس الأسبق للأهرام، وكانت الصحف تنشر مع اتهاماتها نصوصا ووثائق للرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات.. وقيل وقتها إن ثروة الرجل من الأهرام أكثر من مليار، ووصل أحدهم بالرقم الى أربعة مليارات جنيه، وبعد كل ذلك وغيره كسب المسؤول الأهرامى الكبير كل المعارك فى ساحة القضاء... ثم عاد إلى مبنى الأهرام قبل أيام........ كيف للعقل أن يفهم وكيف للضمير أن يستريح؟»
تصورت أن هذا المقال وغيره سوف يفعل شيئا، إلا أنه لا شىء حدث، وكم من رؤوس كبيرة كشفتها تحقيقات الفساد دون أن يصاب أحدهم بسوء، لا يعاقب فى بلادنا إلا الضعفاء الفقراء الذين ليس لهم ظهر فى السلطة والثروة الحاكمة.
كيف نخرج من هذا المأزق؟ لم تعد الكتابة أو المعارضة فى الصحف تقود إلى التغيير المنشود، تتمزق فرق المعارضة وتسقط فى أى امتحان بسيط، تتعشى مع الحكومة واليمين والدينيين، وتفطر مع المعارضة واليسار والعلمانيين، تحت اسم التعددية والليبرالية والديمقراطية، تصل المسافة بين الضمير الحى والضمير الميت إلى أربعة مليارات جنيه.
الخروج من المأزق يقتضى تغييراً جذرياً فى مفهوم المعارضة ذاتها، بما فيها مفهوم الأحزاب السياسية «يسار ويمين ووسط»، بهدف تغيير جذرى فى شخصية الشعب المصرى نفسه، تغيير عقلية المتعلمين وغير المتعلمين، تغيير التعليم والثقافة والإعلام، لن يتم ذلك عبر الكتابة فى الصحف، أو الحوارات السطحية فى الفضائيات، أو إعطاء النصائح للآخرين، أو اتهام الآخرين.
على كل واحدة أو واحد منا أن يبدأ بنفسه أو نفسها، من هنا والآن نبدأ وليس غدا أو فى مكان آخر غير مكانى، علينا إصلاح أنفسنا وبيوتنا وأسرنا وجيراننا فى الشارع الذى نعيش فيهالضمير الحى لا يموت فى حياتنا الزوجية الخاصة ثم يصحو فى حياتنا الوطنية العامة، ما أسهل تبنى قضايا حقوق الإنسان العالمية، وما أصعب تبنى قضية الزوج أو الزوجة المسلوبة الحقوق فى البيت، وقد جاءت إلى عيادتى النفسية زوجات يعانين القهر والظلم من أزواجهن، وبعض أزواجهن قيادات عالية الصوت دفاعا عن حقوق الإنسان بل حقوق المرأة أيضا.
هذا التناقض الخطير سمة شائعة بين القيادات السياسية، «حكومة ومعارضة، يسار ويمين»، هى نتاج التربية الأبوية الطبقية فى البيوت والمدارس، يرضع الطفل والطفلة احتقار المرأة والخادم فى نفس واحد، يترسب فى وجدان الأطفال أن اسم الأب هو الشرف واسم الأم عار، تنخر الازدواجية فى عصب الشخصية المصرية من الولادة حتى الموت.
الخروج من المأزق يقتضى الصدق وعدم النفاق أو المراوغة فى الكلام، من الواضح أن وجه الإنسان ليس عورة بل شرف وكرامة تدل على الهوية الإنسانية، إنسان ليس له وجه يعنى لا إنسان، من الواضح أن المرأة إنسان فكيف نفرض عليها إخفاء وجهها بالنقاب؟ تحت اسم الدين أو الأخلاق أو الهوية أو حرية الاختيار؟
أى مجتمع إنسانى يجب أن يمنع إخفاء وجه الإنسان بالقانون، سواء كان الإنسان رجلا أو امرأة، كبيرا أو صغيرا، غنيا أو فقيرا، حاكما أو محكوما، فما هذه الضجة حول منع نقاب المرأة بالقانون داخل أى بلد فى الشرق أو الغرب؟ هؤلاء الذين يقولون إن نقاب المرأة رمز إسلامى مثل مئذنة الجامع يسيئون إلى الإسلام، ويراوغون وينافقون التيارات السياسية الدينية، إن منع النقاب بالقانون واجب على كل دولة فى العالم مثل قانون منع العرى، إخفاء الوجه فى الأماكن العامة جريمة إنسانية واجتماعية، مثل تعرية الأعضاء الجنسية فى الطريق العام، هل يمكن أن تمشى عاريا فى الشارع دون أن يوقفك البوليس؟ التغطية الكاملة للإنسان مثل التعرية الكاملة ضد الإنسانية والمجتمع الصحى السليم.
الخروج من المأزق يقتضى منا الشجاعة والصدق والنقد البناء، ومساندة المبدعين والمبدعات وإن كانوا خارج السلطة، كم عدد الذين تصدوا لمساندة مبدعات ومبدعين ليس لهم ظهر فى السلطة الحاكمة؟ وكم عدد المساندين لنشر كتاب ألف ليلة وليلة؟ أليس الفارق ضخما؟ هل يدل هذا الفارق الضخم على ضخامة النفاق فى بلادنا؟ نحن فى حاجة إلى تجميع أسماء كل المبدعين والمبدعات الذين يتعرضون لقضايا الحسبة وغيرها من أساليب القهر والمنع، من أجل التضامن معهم، وشرح أعمالهم للناس، وتحليلها ونقدها علميا أو أدبيا على نحو بناء، فمن يقوم بهذه المهمة؟
No comments:
Post a Comment