لم يكن ليشد الرحال الى القاهرة قبل ثلاثة سنوات لولا استحالة الحياة في دارفور.. لم يأت الى القاهرة لينهل من عطايا السلطان او كرم الشعب او وفرة العمل.. وانما جاء مع عائلته الصغيرة لأن القاهرة تحتضن – او تنوء بمكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين.
خذلته المفوضية، ومنظمة كاريتاس بجنيهاتها القليلة المتأخرة دائما، وخذله المصريون.
يقولون ان القطار كان يذهب الى الخرطوم يوم ما بعد اسوان.. ان هناك جامعة بالسودان اسمها جامعة القاهرة.. وان العديد من الاساتذة والاطباء المصريين عملوا بالسودان لسنوات طوال.. واننا كنا معا “المملكة المصرية”..
عندما اشتد به ضيق الحال، شارك مع زوجته وابنته الرضيعة في اعتصام سلمي امام مكتب المفوضية في ميدان مصطفى محمود بالمهندسين.. وفي مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٥، زحفت جحافل قوات الامن المركزي بدءا من العاشرة مساءا تحتل وتغلق كل الشوارع المؤدية الى الميدان.. وحين سيطرت على الوضع تماما، فصلت عن المنطقة الكهرباء..
في ساعات قليلة، قتلت الشرطة المصرية قرابة ٣٠ لاجيء سوداني معظمهم من النساء والاطفال.. وكانت تعليقات “المتفرجين” لاذعة قاسية..
نجا “صديق” من المذبحة.. وتركت في نفسه ما تركت..
مثله مثل آلاف اللاجئين في مصر، فاضلوا بين خطر الموت بحرا بين سواحل ليبيا واوروبا، او برا علي الحدود المصرية مع اسرائيل.. وجد طريقه الى المهرب.. ٤٠٠ دولارا للرأس الواحد.. باع كل ما يملك.. حتى الاطباق والشراشف.. فهو لن يعود، او هكذا ظن..
على الحدود، من لا يمر ولا يقتل، يصبح دمية في يد حرس الحدود.. اهانات، سفالات، ثم سرقة ما بقي من نقود في الجيوب.. في المحاكم العسكرية يقفون وحدهم، فلا المفوضية تسأل عنهم ولا المنظمات الحقوقية تعني بهم.. يتغاضى المحامون عن واجبهم لانه “لا يمكنهم الدفاع عن شخص اراد الذهاب لاسرائيل”..
يصم المصريون اذنيهم.. يصم العالم اذنيه..
يبقون..
Nora Younis
No comments:
Post a Comment