سيدي براني هي منطقة مصرية تابعة لمحافظة مطروح، وسميت بسيدي «براني» على اسم ولي من أولياء الله جاء من ليبيا إلى مصر، أي ولي من خارج الحدود، لذا سمي بالبراني.
و«البراني» في اللهجة العامية المصرية سبة وشتيمة تعني أن الرجل ليس منا، وأنه غريب ولا حقوق له، بل كل الحقوق عليه. ولسيدي براني تاريخ في الحرب العالمية الثانية عندما دمرت الطائرات البريطانية الطائرات الإيطالية، وهي على الأرض، على غرار ما حدث للطائرات المصرية في حرب عام 1967. كانت يومها القوات الإيطالية تتموقع في سيدي براني، ولكن ليس هذا هو الموضوع.
الموضوع هو حديث المصريين اليوم، وتلك الحملة المسعورة التي بدأت تنطلق في بر مصر ضد الدكتور محمد البرادعي، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الذرية الذي أنهى مدته مؤخرا، وأصدر بيانا قرأه المصريون على أنه رغبة في الترشح للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية في الانتخابات القادمة والمقرر عقدها في 2011.
والسبة الكبرى في هذه الحملة هي أن البرادعي هو مجرد «سيدي براني».
والنقطة السوداء في جلباب البرادعي الأبيض ووصمة العار التي قرر أصحاب الحملة عليه أنها «حتجيبه الأرض» هي أن البرادعي «براني»، أي قادم من خارج الحدود، ولا يصح وكذلك أيضا لا يحق له أو لأي مصري يعيش خارج الحدود، من البرانيين، أن يتحدث عن شؤون مصر أو أن يترشح لأي منصب في مصر، هكذا قالت واحدة من الصحف القومية العريقة جدا في هجمة مسعورة ضد «سيدي براني»، الذي قالت عنه الصحيفة العريقة إنه ورغم حصوله على أعلى المناصب العالمية، وكذلك حصوله ووكالته على جائزة نوبل، فإنه «مزدوج الجنسية ويحمل الجواز السويدي، ولعله يتذكر سنوات خدمته القليلة في مصر عندما دخل الخارجية (المصرية) عام 1964، وكان ترتيبه في دفعته الأخير أو قبل الأخير».
بالبلدي الدكتور البرادعي كان «بليدا في المدرسة»، ونجح في اختبارات الخارجية «ع الحروكرك» أي بالعافية كما تقول اللهجة المصرية المحلية.هذا ليس نقدا للبرادعي وترشحه أو رغبته في الترشح لرئاسة مصر، ولكنه نوع من أنواع «فرد الملاية»، على غرار ردح نسوان الأحياء الشعبية. وهنا انتقل البرادعي من عالم وكالة الطاقة إلى عالم وكالة البلح.
وقد نصحت سيادته في مقال سابق بعنوان «من وكالة الطاقة إلى وكالة البلح»، بأن هدومه سوف تتقطع إذا دخل هذه المعركة.البرادعي، وهذه نصيحة لمن يتبنون الهجوم على شخص الرجل بهدف إثنائه عن الترشح للرئاسة، ليس أيمن نور.
البرادعي شخصية عالمية، مثله مثل شيرين عبادي، الإيرانية الحاصلة على نوبل، والتي لم يستطع أعتى الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة أن يمسها بسوء، لأنه، ورغم ديكتاتورية نظام الملالي في طهران، إلا أن النظام يعلم بأن نوبل المرأة هي سياج أخلاقي عالمي يحيط بها ويحميها، وأن التعرض لها سيفقد أي نظام مشروعيته العالمية، وهذا أمر تترد فيه الأنظمة العاقلة وحتى المنفلتة العيار أيضا، فتكلفته السياسية على سمعة أي نظام عالية جدا.
وأتمنى ألا يدخل المصريون هذا النفق.
ما طرحه البرادعي في بيانه، الذي لا أعرف هل هو بيان رغبة في الترشح أم بيان اعتذار، جدير بالدراسة والمذاكرة، بغض النظر عما إذا كان الرجل ينوي أن يرشح نفسه أم لا، لأن فيما قاله الرجل أشياء كثيرة تصب في مصلحة البلد العليا، وليست خدمة لأجندات خارجية كما ادعى مهاجموه في مصر.
في بيانه طالب البرادعي بوضع ضمانات لنزاهة العملية الانتخابية، بمعنى أن يكون هناك «إشراف قضائي كامل، ورقابة دولية من الأمم المتحدة، وإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة تشرف على العملية الانتخابية، ووضع دستور جديد يكفل الحريات وحقوق الإنسان»، لا أعتقد أن في هذا قولا معيبا أو تطاولا، فهذا ما يصبو إليه كثير من المصريين لتحسين أداء نظامهم السياسي.
وطالب البرادعي بأن يكون باب الترشح مفتوحا لكل المواطنين المصريين، ولا أعتقد أن في هذا إجحافا، فالوضع الدستوري الحالي كما قال، لا يسمح بذلك.لم يركز الكتاب المصريون على الجانب الأساسي من بيان البرادعي، ولكن كل التركيز جاء بنفس الطريقة القديمة المعتادة والمملة والتي تتلخص في أن الرجل «براني»، يحمل الجنسية السويدية، في حين أكد البرادعي أكثر من مرة أنه لا يحمل الجنسية السويدية ولم يكن يحملها في يوم من الأيام، كما أنه لا يحمل أي جنسية أخرى غير الجنسية المصرية.
ومع ذلك هناك في مصر وزراء يحملون جنسيات أخرى لا يتحدث عنها مهاجمو البرادعي.
هذه التهمة قد تكون مقبولة في مصر، ولكن شكلها من الخارج شاذ إلى أبعد الحدود.
التهمة التي تصاحب مسألة البرانية والتي يرددها الكتاب في مصر هي أن الرجل بعيد عن مصر ومشاكلها الحقيقية، والحق يقال إن الكتاب الذين يتهمونه بالبعد، هم الأبعد عن واقع مصر والمصريين. البعد عن المشاكل ليس جغرافيا، كما يدعي البعض، فربما يكون «اللي بره، أقرب من اللي جوه من واقع المصريين وهمومهم، لأنه لا مصلحة له بالمتاجرة بهموم الناس».
ولو كنت مكان الدكتور البرادعي لترددت كثيرا في الاستجابة لطلب المعارضات المصرية المختلفة، فدخول البرادعي الحلبة على قمة أحزاب لم تنجح حتى الآن أن يكون لها وجود أكبر من مكاتب صحفها، معناه أن الدكتور البرادعي قد انتقل من عالم وكالة الطاقة النووية، تلك المؤسسة المحترمة التي منحته جائزة نوبل، إلى عالم وكالة البلح، حيث يدخل الرجل في عالم «حلق حوش»، أو عالم الشتائم السياسية التي تحاول أن تنزع منه كل إنجازاته وتحوله إلى رجل «براني»
.الغريب في الأمر، أن التهم الموجهة في مصر للبرادعي، هي تقريبا التهم ذاتها التي وجهتها له الصحافة الإسرائيلية، «رجل براني، ومايفهمش في مشاكل مصر»، فهل هناك توافق بين مناهضي البرادعي في الداخل والإسرائيليين؟
لا أظن أن من ينتقدون البرادعي قبل دخول الحلبة يشرفهم أن يكونوا في ذات الصف الذي يقف فيه الإسرائيليون، ولا أظن أنهم قصدوا ذلك.كما ذكرت في مقال سابق، لقد كنت في القاهرة، وكان مدهشا بالنسبة لي أن قواعد الحوار قد انفلتت لدرجة لا تليق بمجتمع ذي تاريخ به كثير من العقول النيرة، بدا الحوار شخصيا أكثر من كونه موضوعيا، كيديا أكثر من كونه محاولة للفهم، زاعقا بهدف إثارة جماهير الفضائيات، حوارا أقرب إلى عالم وكالة البلح منه إلى عالم وكالة الطاقة، سوق رائج للبضائع المستعملة من قديم القول وسقط المتاع، حوار تتاجر فيه جماعات تسمي نفسها بالنخبة، كما يتاجر الفقراء في الملابس، وفي قطع غيار السيارات والكومبيوترات المستعملة.
لذلك جاءت نصيحتي للبرادعي بأن يبقى في وكالة الطاقة، بدلا من الانزلاق في عالم وكالة البلح الذي «سيقطع هدومه في حفلة زار من الردح السياسي الذي رأينا نسخا مختلفة منه في قضية مباراة مصر والجزائر، وهو أمر لا قبل للبرادعي به».
الأجدر بالبرادعي أن يحتفظ بتاريخه المحترم، وأن ينأى بنفسه عن عملية، لن يناله منها سوى تقطيع هدومه، لأنه ببساطة «براني».
ومدد يا سيدي براني.
بقلم: مأمون فندي
نقلا عن الشرق الأوسط
نقلا عن الشرق الأوسط
No comments:
Post a Comment