Thursday, November 12, 2009

لماذا يحلم شباب مصر بالعيش في الخارج؟

يدفع المئات من المصريين كل يوم مبالغ طائلة من المال للمهربين لكي يساعدوهم على الانطلاق في رحلة غالبا ما تكون محفوفة بالمخاطر، مسافرين على متن قوارب لا تصلح لركوب أمواج البحر، قاصدين البر الأوروبي، وبشكل رئيسي عبر ليبيا
لا يصل البعض من هؤلاء إلى حيث يقصدون الوصول، إذ يقضون في اليم، وذلك لأن القوارب المكتظة براكبيها، إما أن تكون قد انقلبت بهم في عرض البحر، أو تكون قد غرقت في قاعه في ظل طقس رديء.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الأخطار المحدقة بهم، لا يبدو أن الناس يتراجعون عما يقدمون عليه أو يميلون إلى إرجاء خططهم بالهجرة.
حتى أولئك الذين استطاعوا الوصول إلى أوروبا في مرة أو مرات سابقة، لكنهم اُبعدوا عنها لاحقا، تراهم قد حاولوا إعادة الكرَّة مرة أخرى وسافروا إلى تلك القارة من جديد
في الواقع، ووفقا لأحدث دراسة أجراها مركز الأرض للدراسات، فإن حوالي نصف مليون (460 ألف) مصري قد نجحوا بدخول أوروبا بشكل مشروع خلال العقد الماضي. ويعيش 90 ألف شخص من هؤلاء في إيطاليا لوحدها
هذا وتحمل دراسة أخرى لمواقف المصريين من قضية الهجرة، أجرتها منظمة العمل العربية، قدرا مساويا من الأهمية، وذلك نظرا لما تكشف عنه من نتائج.
فقد توصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن 50 بالمائة من الطلاب الذين يتابعون دراساتهم العليا في أوروبا والولايات المتحدة لا يعودون إلى مصر بعد انتهاء دراستهم، الأمر الذي يعني أن البلاد تخسر بعضا من ألمع طلابها وأكثرهم موهبة
هذا وقد شارك ألفا شاب وشابة في الدراسة المذكورة، إذ أجاب 50 بالمائة منهم بكلمة "نعم" لدى سؤالهم ما إذا كانوا يرغبون بالعمل والعيش خارج البلاد.
رشا محمد، هي واحدة من أولئك المشاركين في الدراسة، وهي خريجة من كلية الحقوق.
تقول رشا إنها لم تحظ بفرصة عمل بعد. وتضيف بالقول إنها لا تعتقد بأنها ستجد عملا لها في القريب العاجل
وتردف قائلة: "إن الوظائف نادرة للغاية، وإن أردت أن تعمل، عليك أن تعرف شخصا هاما
تقول رشا إنها وضعت نصب عينيها العمل في بلد آخر غير مصر، "وستكون السعودية مكانا جيدا، أو لربما لندن"، كما ترى الشابة المصرية.
وتقرُّ رشا بأنها تخشى من العيش بمفردها في أوروبا، لكنها ستسافر إلى لندن في حال لاحت لها الفرصة، وذلك على الرغم من حقيقة أن الاقتصاد البريطاني لا يزال في حالة انكماش وركود.
ووفقا للأرقام الرسمية، فإن حوالي 10 بالمائة من سكان مصر، البالغ عددهم 70 مليون نسمة، هم عاطلون عن العمل
لكن بعض المحللين يعتقدون أن الرقم قد يكون أكبر من ذلك بكثير، كما كان هنالك ثمة دعوات لكل من الحكومة والقطاع الخاص للعمل بجد أكثر من أجل إيجاد وظائف للملايين من الأشخاص العاطلين عن العمل.
تقوك عزة كريم، وهي أستاذة لمادة العلوم الاجتماعية في جامعة القاهرة، إن البطالة وتدني مستويات الدخل هما اللذان يدفعان الناس للسعي لإيجاد حياة أفضل في الخارج.
وتضيف قائلة: "إن نسبة البطالة المرتفعة والدخل المتدني للعاملين هما سبب هجرة الناس."
وتردف بالقول: "يؤدي الظلم الحاصل في سوق العمل إلى إعطاء الوظائف للأغنياء، أو لأقارب الأشخاص الهامين، وبذلك يحرم الشباب من حقهم بالأمل
ويوافق آخرون بشدة على وجهة النظر هذه، إذ يقول موظف مدني اسمه سعيد: "لم تعطني بلادي أي شيء. فقد أمضيت سبع سنوات أعمل بناء على عقد عمل مؤقت، ولا أكسب منه أكثر من 50 دولارا أمريكيا في الشهر."
ويضيف سعيد قائلا: "سوف أهاجر بدون تردد في حال سنحت لي الفرصة بذلك."
وينظر معظم المصريين إلى الهجرة، سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة، على أنها طريقة لإيجاد فرصة للعمل أو من أجل الغنى، وذلك على الرغم من المخاطر التي تحيق بمثل هكذا خيار أو الكلفة التي قد تنجم عنه
كما أنه لا يوجد ثمة نقص في عدد المهربين الذين يتقاضون حوالي 5500 دولار أمريكي لقاء كل شخص يقومون بتهريبه.
وقد غادر البلاد بالفعل مئات آلاف الأشخاص، ويمكن للمرء أن يرى ويشعر بآثار مثل تلك الهجرة في بعض المناطق
فلنأخذ مثلا على ذلك قرية ميت بدر حلاوة، إذ يُشار الآن إلى تلك القرية باسم ميت بدر جاتو (حلاوة بالفرنسية)، وذلك لأن معظم الرجال ممن هم من دون سن الأربعين من العمر من سكان تلك القرية يعملون في أسواق الفواكه والخضار في فرنسا
ويقوم بعض الأشخاص بإرسال حوالات مالية إلى بلدهم، الأمر الذي قد يكون له جوانب سلبية تدعو للدهشة.
وقد كشف تحقيق نُشر مؤخرا في إحدى الصحف المصرية اليومية أن إحدى القرى الواقعة في أفقر المحافظات المصرية قد شهدت ارتفاعا حادا بأسعار الأراضي.
فقد ارتفعت الأسعار ببساطة لأن 13 ألف شخص من سكان تلك القرية يعملون في إيطاليا، وقاموا بتحويل الأموال إلى عائلاتهم لشراء الأراضي في قريتهم وبناء الفلل على الطريقة الإيطالية
كما أن بعض المصرين يودن مغادرة البلاد، وإن كان ذلك على سبيل الهجرة المؤقتة وليس بشكل دائم، كما هي حال سالم، وهو يعمل كمحاسب في القاهرة، إذ يقول:
"لن أبقى في الخارج إلى الأبد، إذ أنني سأسافر إلى هناك وأعمل، وعندما يتوفر لدي المبلغ الكافي من المال، سوف أعود وأعيش هنا من جديد."
إلا أن آخرين يقولون إنهم لن يفكروا حتى بمجرد مغادرة البلاد، وذلك مهما ساءت الأمور من حولهم.
وكمثال على هؤلاء، يحدثنا محمد، وهو مدرس، عما يجول في خاطره في هذا الشأن إذ يقول: "أفضِّل التعامل مع أي متاعب تواجهني هنا، وذلك بمساعدة أسرتي وأصدقائي

محمود السعيد ودينا النجار
بي بي سي-القاهرة
BBC

No comments: