Wednesday, September 09, 2009

المنسيون.. أسرى مصر فى الخليج


منذ عام أو يزيد قليلاً ألقت السلطات السعودية القبض على المهندس المصرى الشاب يوسف عشماوى يعمل مبرمجاً فى إحدى شركات المعلومات هناك وأخفته إلى اليوم فى مكان مجهول دون تهمة أو محاكمة،
وفى الثالث من هذا الشهر ذكرت إحدى الوكالات الإخبارية أن هناك ما يزيد على الثلاثة آلاف مصرى محتجزين داخل سجون مصلحة الجوازات السعودية، بحجة مخالفة قانون الكفالة والعمل، وفى الإمارات تعرض سعد المحمدى عوض إلى السجن والمنع من العمل بل المنع من مغادرة الدولة بتهمة الهروب من الكفيل، ومنذ أكثر من عام صدر حكم سعودى شهير بجلد طبيبين مصريين ألفاً وخمسمائة جلدة وحبسهما مؤبداً، وما زالا هناك دون بوادر انفراج قريب لأزمتهما.
وفى عام ٢٠٠٧ جرى تعذيب شابين مصريين بطريقة وحشية فى الكويت بعد توقيفهما هناك دون اتهام محقق، غيض من فيض ينبئ عن حقيقة واحدة أن المصرى المهان فى وطنه مهان فى غربته، وأن الهاربين من جحيم البطالة والفساد فى مصر يصادفون فى غربتهم واقعاً أكثر بشاعة من ذلك الذى فروا منه.
ووفقاً لتقارير صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فإن أعداد العاملين المصريين فى الخارج تصل إلى قرابة اثنى مليون عامل، بلغت قيمة تحويلاتهم المالية عام ٢٠٠٨ أكثر من ستة مليارات دولار، وهو مبلغ يساوى ٣٥% من إجمالى قيمة الصادرات المصرية غير البترولية فى العام ذاته، ومن حقهم جراء ذلك أن يمد الوطن حمايته عليهم دون أن يستجدوها.
يمكن ابتداءً إبداء عدد من الملاحظات على موقف الحكومة تجاه تلك المشكلة، الملاحظة الأولى هى التجاهل، فالتنفيذيون المصريون يصرون على التعامل مع مثل تلك المشكلات بفوقية وعدم اكتراث، فالمواطن المصرى لا قيمة له لدى من يشغلون مواقع تنفيذية، وهو أمر ينعكس حتى على تصرفاتهم فهم يهاجمون الضحايا وينددون بهم بأكثر مما يفعلون بالجلادين.
الملاحظة الثانية هى البيروقراطية، فالسفارات والملحقون العماليون بها لا يقومون بتحقيقات مستقلة للتأكد من حقيقة الشكوى، ولا يملكون المبادرة باتخاذ إجراءات حمائية لصالح الضحايا، ولكن جل ما يقومون به هو نقل الشكوى إلى السلطات المسؤولة فى البلد المعنى منتظرين أن تتكرم عليهم بالرد، إن تكرمت به.
الملاحظة الثالثة هى ضعف الإمكانات فالسفارات المصرية فى البلدان الخليجية تعانى من ضعف الكوادر التى تلتحق بها، فضلاً عن عدم وجود ميزانيات كافية تتيح لها الاستعانة بالخبرات القانونية اللازمة للدفاع عن المصريين هناك، أو تقديم المشورة التى تساعدهم على التعامل مع نظم قانونية غير عادلة وتتسم بالتحيز.
الملاحظة الرابعة هى عدم استخدام العلاقات المتميزة التى تربط مصر بكثير من دول الخليج لصالح تحسين أوضاع العمال هناك، فمن الملاحظ أنه كلما زاد الحديث عن العلاقات الأخوية زادت الانتهاكات بحق العمالة المصرية، وفى بعض الأحيان تشكل تلك العلاقات قيداً على اتخاذ خطوات حازمة إزاء انتهاك حقوق المصريين،
فعندما صرحت وزيرة القوى العاملة بأنها ستصدر قراراً بمنع سفر الأطباء المصريين إلى السعودية رداً على جلد طبيبين هناك، تراجعت تحت ضغط حكومى كاسح كاد يطيح بها، واضطرت إلى الذهاب إليهم معتذرة ومؤكدة أنه «لا يمكن أن تصدر منها تصريحات بمنع دخول العمالة المصرية للعمل داخل السعودية بعد حادثة الأطباء المصريين» مؤكدة «أن العلاقة بين السعودية ومصر ستستمر إلى الأبد فى ظل وجود قيادات حكيمة تسير بالعلاقة إلى بر الأمان»!!
الأمر جد لا هزل فيه، ومصالح المصريين وحياتهم هناك معرضة للخطر بفضل السياسات الحكومية الرخوة، التى ستؤدى فعلياً إلى عودة الآلاف من المصريين إلى بلادهم فلا يستطيع إنسان أن يتحمل آلام السجن فى بلاده فكيف ببلاد غريبة.
عدد من الخطوات ينبغى اتخاذها، يتعين أولا البدء بتطوير آلية لتلقى شكاوى المصريين فى الخليج وحلها بشكل مباشر، دون تعقيدات بيروقراطية، ويمكن أن تبدأ تلك الآلية بأن تنظم السفارات المصرية لقاءات مفتوحة بالمصريين فى تلك الدول أياً كانت المدن التى يعملون فيها من أجل شرح قوانين البلاد لهم وتبسيطها، وربما استدعى تطوير تلك الآلية إيجاد مستشارين قانونيين دائمين فى تلك السفارات يعملون بشكل مباشر أو بالاتفاق مع مكاتب خبرة قانونية، لمساعدة المصريين على التعامل بفاعلية مع نظم قانونية تتسم بالعنصرية،
ويتعين ثانياً إعلان قائمة سوداء بالبلاد التى تكثر فيها انتهاكات العمالة المصرية وتحذير العمال من السفر إليها، مع إلزام الراغبين بالسفر بحضور دورات تدريبية تجرى فى القاهرة حول قوانين وعادات تلك البلاد وطرق التعامل فيها وما يتوقع أن يصادفه العمال من مشكلات وكيفية التغلب عليها.
الأمر الثالث اتخاذ تدابير عقابية ضد مواطنى الدول التى تستبيح دماء المصريين وأموالهم تبدأ من منع دخولهم مصر إلى سحب المزايا المقررة لشركاتهم وفقاً لقوانين الاستثمار، فلا يجوز أن تفتح مصر ذراعيها وأسواقها لمن يشربون دماء أبنائها.
قد أطعمناهم من جوع، وكسوناهم يوم كانوا عرايا، وعلمناهم ما يعلمون، فلا يغرنهم ما نحن فيه اليوم، فالأيام دول والدهر عبر وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون
بقلم نجاد البرعى
Almasry alyoum

No comments: