Wednesday, September 09, 2009

الأقلية المسلمة فى مصر


المسلمون فى مصر، هم الأغلبية، هذا ما تؤكده أرقام وإحصاءات التعداد، والنسب معروفة، معلنة ومنشورة، يليهم المسيحيون الأرثوذكس ثم البروتستانت والكاثوليك، وهناك بضع عشرات من المصريين اليهود، وهم فى طريقهم إلى الانقراض، ثم هناك البهائيون الذين لا يتم الاعتراف بهم وتجرى مضايقتهم وإكراههم فى معتقدهم.
ومع أن المسلمين هم الأغلبية المطلقة بين المصريين، فإن الأغلبية تسلك وكأنها الأقلية، فتتعامل بروح ومنطق الأقلية، الأقلية غالباً ما تكون حريصة على أن تعلن عن نفسها وتؤكد حضورها وتثبت وجودها وهويتها فوجودها قد يكون موضع شك، وحقوقها قد تكون معرضة للإهدار أو للانتقاص، وهويتها ربما كانت موضع تهديد أو عدم احترام من بعض أطراف الأغلبية، أو يتم المساس بها،
أما الأغلبية فتكون فى غنى عن ذلك كله، لا يهم أفرادها الإعلان عن وجودهم، لأنهم موجودون بالفعل ولا أحد يشكك فى هذا الوجود، لكن لنتأمل بعض المظاهر فى حياتنا ومجتمعنا، سيارات يكتب أصحابها على الزجاج الخلفى وبخط كبير الشهادتين وتحتهما سيف كبير، عمارات ضخمة تتأملها تجد مكتوباً عليها من أعلى الشهادتان، عمارات تحت الإنشاء، ومكتوب فى خانة المالك: الملك لله، ولابد أن نفكر فى ذلك الذى يريد أن يعلن للجميع أنه مسلم..
هل طالبه أحد بإثبات عقيدته الدينية والإعلان عنها، وهل شكك أحد في ذلك المعتقد فيبادر إلى الإعلان عنه والصراخ به.. هل لديه خوف من أن يفتنه أحد فى دينه أو أن يهدده آخر دينيا من معتقده، هل يرى أن دينه ضعيف وهش فيبادر إلى الصياح به أم أنه يرى تمسكه هو الهش فيحاول تأكيده وإثباته؟!
قد يرى بعضنا فى ذلك التمظهر شيئاً إيجابياً، ويعده دليل تدين وأن لديهم اعتزازاً بدينهم وفخراً ومباهاة به، وأنهم لذلك يلتمسون كل السبل والوسائل للإعلان عن هويتهم الدينية، وعلى هذا فيجب أن نحمد لهم ما يقومون به، وأن نسعد بسلوكهم ونشجعه،
وأظن أن الأمر ليس كذلك، دعك الآن من خطورة ذلك على مجتمع يجب أن يكون مدنياً لا دينياً وأن يكون إنسانياً منفتحاً وليس عقائدياً مغلقاً (دوجما)، فالذى يعتز بدينه فعلياً، يتمسك بقيمه النبيلة وروحه العالية، وأزعم أننا هجرنا كثيراً قيم الإسلام التى تتمثل - أولاً - فى الحرية، والتى وصلت إلى حد قول الله تعالى فى القرآن الكريم «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وخطابه سبحانه إلى نبيه «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» والتساؤل هنا للاستنكار،
ومن قيم الإسلام العدالة والصدق ورفض الغش وعدم التدليس وإدانة التزوير والمطالبة بإتقان العمل وأن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، وغير ذلك كثير، وهذه قيم مهجورة بيننا، ولنتأمل صاحب السيارة الذى يكتب الشهادتين على الزجاج الخلفى وتحتهما السيف الضخم، ثم يكون زجاج السيارة كله «فيميه» بالمخالفة لقانون المرور ويتحايل على ذلك بالرشاوى، تسمى «إكراميات»، لبعض رجال المرور..
فأين التدين هنا..؟!
والرجل الذى يكتب حول جدران عمارته من أعلى «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ويرفض أن يكتب اسمه فى إعلان العمارة مكتفياً بعبارة: الملك لله، ثم يبيع الشقق بأسعار تصل إلى أربعة أو خمسة أضعاف التكلفة، مستغلاً فى ذلك أزمة الشباب ورغبتهم فى الحصول على الشقة، فهذا لا يعرف من الدين إلا اسمه ولم يفهم منه إلا طقسه، وهو يستغل تلك الطقوس للسرقة واستغلال احتياج الآخرين للشقة..!!
المسلمون فى مصر هم الأغلبية المطلقة، ويمارس بعضهم سلوك الأقلية المضطهدة، ليس خوفاً على الدين من الآخرين، وليس لأن هناك تهديداً حقيقياً لدينهم، فالإسلام لا يواجه بتهديد فى مصر، بل إن مصر واحدة من معاقل الإسلام الكبرى، والآخر الدينى فى مصر لا يهدد الإسلام والمسلمين،
بل إن هذا الآخر يثبت كل يوم احترامه وتقديره للدين الإسلامى وللمسلمين، حين ظهرت الرسومات المسيئة للرسول فى الدنمارك، كان المسيحيون المصريون المسارعين إلى إدانتها واستنكارها، وحين قتل شاب عنصرى فى ألمانيا د.مروة الشربينى، أقيم قداس على روحها فى إحدى كنائس الإسكندرية، وهناك وقائع أخرى كثيرة وعديدة، أقصد منها أنه لا يوجد تهديد للإسلام فى مصر، ولا مساس به من قريب أو بعيد، فمم يخاف ويقلق هؤلاء المسلمون، الذين يصرخون بأعلى الصوت «نحن مسلمون».
ظنى أنهم قلقون وخائفون من أنفسهم، فى داخلهم خواء روحى حقيقى ومجافاة لقيم الإسلام وروحه، لم يكن المسلم فى مصر بحاجة إلى أن يعلن فى كل لحظة أنه مسلم أو حتى أنه متدين، فالثقافة المصرية تعتمد أن «ربك رب قلوب»، أى أن الله ليس بحاجة إلى هذا الصراخ وتلك الإعلانات الفجة والممجوجة، فالله مطلع على القلوب ويعلم السرائر، هناك فى مصر أزمة روحية عميقة، أزمة قيم إنسانية فقد صرنا مجتمعاً مظهرياً، يقدس الشكليات والطقوس،
وبقدر الصراخ بالطقوس والشكليات نبتعد عن قيم وروح الدين، وإلا.. كيف نفهم أن كل تاجر مخدرات لابد أن ينشئ زاوية للصلاة أو مسجداً، وكيف نفهم أن كل تاجر للممنوعات ومهرب وهارب من العدالة يحمل لقب «الحاج» ويعتمر عشرات المرات ويباهى بذلك.. هجرنا قيم الحرية والعدالة والنزاهة والشرف والاستقامة، وحاولنا تعويض ذلك بالشكليات والصراخ ليل نهار بأننا مسلمون، والإعلان عن عقائدنا ليكون لبعضنا حق التفتيش فى عقائد الآخرين
بقلم حلمى النمنم
Almasry-alyoum

No comments: