أثارت نقابة الصحفيين المصرية قبل أيام ضجة واسعة ضد الدكتورة هالة مصطفى ، رئيسة تحرير مجلة (الديمقراطية) الفصلية التي تصدر عن مؤسسة الأهرام القاهرية.
والدكتورة هالة مفكرة وصحفية وكاتبة كبيرة، معروفة بمواقفها التقدمية، وكتاباتها التنويرية الداعية إلى الديمقراطية الليبرالية والدفاع عن حقوق المرأة، ومقارعة الفكر الظلامي المتفشي الآن في البلاد العربية. إضافة إلى مواقفها الفكرية التنويرية، فهي شجاعة وجريئة في طرح أفكارها التقدمية، حيث جعلت من مجلة (الديمقراطية) منبراً للكتاب التنويريين من دعاة الديمقراطية الليبرالية في العالم العربي.
وسبب هذه الضجة أنها استقبلت السفير الإسرائيلي في مكتبها بناءً على طلب الأخير ووفق الإجراءات الرسمية.
وبالمقابل، فإننا نعرف أن نقابة الصحفيين المصريين، واقعة تحت هيمنة الأخوان المسلمين ومن يتعاطف معهم من دعاة الفكر الظلامي، ومعاداة التنوير والديمقراطية. ففي عام 2004، وفي مقر هذه النقابة عقد الشيخ يوسف القرضاوي لقاءه الصحفي الشهير الذي أصدر فيه فتواه والتي جاء فيها: «إن كل الأميركيين في العراق محاربون لا فرق بين مدني وعسكري ويجب قتالهم لأن المدني الأميركي جاء العراق لخدمة الاحتلال». وأضاف بشكل لا يقبل أي غموض أو تأويل:«أن خطف الأميركيين وقتلهم في العراق واجب»!! أي فرض عين على كل مسلم ومسلمة!! وقد أيده في ذلك عدد من شيوخ الأزهر الشريف. (الشرق الأوسط، 3/9/2004).
ولما أثارت فتواه هذه استنكاراً عالمياً واسعاً، وكان مهدداً بتقديمه إلى المحاكم الدولية لتحريضه على العنف ودعوته للإرهاب، تراجع عنها وادعى أن العالم أساؤوا فهمه!!!
ولذلك لم نستغرب عندما قرأنا عن قيام النقابة المذكورة بافتعال هذه الضجة ضد الكاتبة التقدمية الدكتورة هالة مصطفى، بسبب لقاء رسمي لها مع السفير الإسرائيلي بناء على طلب الأخير كما بينا أعلاه.
والجدير بالذكر أن السفير الإسرائيلي هذا اتبع الإجراءات الأصولية لهذا اللقاء ومن خلال القنوات المصرية الرسمية، أي بموافقة الوزارة الخارجية، وإدارة مؤسسة الأهرام التي قامت بتوفير الحماية وغيرها من متطلبات اللقاء، وتمت المقابلة في مكتبها الرسمي في المؤسسة علناً وأمام عدسات الكاميرات، وليس من وراء الكواليس، كما وليس هناك أي سر أو تآمر على سلامة الأمن القومي أو كرامة الأمة!!
الضجة هذه مفتعلة والغرض منها معروف، وهو تهديد الكتاب الديمقراطيين الليبراليين، وابتزازهم للقضاء على البقية الباقية من هامش حرية الصحافة والتعبير في مصر.
لا شك أن الذين شنوا هذه الحملة الظالمة على هالة مصطفى ليسوا من أهل الكهف، إذ لا بد وأنهم يعرفون جيداً أن هناك معاهدة سلام (كامب ديفيد) بين مصر وإسرائيل، تم توقيعها قبل ثلاثين عاماً، وبسبب هذه المعاهدة أنعمت مصر بسلام واستقرار، واسترجعت بموجبها كافة أراضيها المحتلة دون سفك دماء، واستثمرت الأموال والأرواح للبناء والإعمار بدلاً من هدرها في حروب لا طائل من ورائها سوى الكوارث.
ووفق هذه المعاهدة تبادلت مصر وإسرائيل إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية، وهناك سفارة إسرائيلية في القاهرة، والعلم الإسرائيلي يرفرف فوق بنايتها ولم تستطع نقابة الصحفيين تقديم أي اعتراض على ذلك.
كذلك قام عدد غير قليل من السياسيين والصحفيين والمثقفين المصريين والإسرائيليين خلال العقود الثلاثة الماضية، بسفرات وزيارات متبادلة ولقاءات بين الجانبين، دون إثارة أي احتجاج من قبل النقابة.
فلماذا كل هذا مسموح به ولم يتحرك للنقابة رمش جفن، ولكن ما أن قام السفير الإسرائيلي بزيارة رسمية لرئيسة تحرير مجلة معروفة، حتى وثارت وأرعدت ضدها وطالبت بطردها من مهنة الصحافة ونقابتها. هل السبب هو لأنها امرأة؟ أم لأنها مفكرة كبيرة وحرة، تتحدى دعاة الفكر الظلامي؟
أعتقد أن السبب هو في الاثنين معاً.
ولذلك تساءلت الأستاذة هالة مصطفى بحق، في لقاء أجرته معها صحيفة الأهرام في هذا الخصوص: "ألم يقم السفيران الإسرائيليان السابق والحالي بزيارة الدكتور عبدالمنعم سعيد -رئيس مؤسسة الأهرام- في مكتبه مرات عديدة من قبل، فلماذا أنا من يقدموننى كبش فداء؟
"نعم، النقابة تبحث عن كبش فداء، وإن سبب هذه الضجة واضح وضوح الشمس، وهو أن الأخوان المسلمين وحلفائهم من المهيمنين على نقابة الصحفيين، يريدون القضاء على كل قلم حر وإسكات كل صوت جريء يطالب بحرية التعبير والتفكير ويقف في وجه قوى الظلام. فهؤلاء يسوءهم أن تكون في مصر منبر حر مثل مجلة (الديمقراطية) التي تترأس تحريرها الأستاذة هالة مصطفى، ولذلك يريدون اغتيالها سياسياً وفكرياً لترهيب الآخرين وكل من لا يسايرهم على نهجهم. وهذا الإجراء هو تمهيد وتحريض لتصفيتها جسدياً.
إذ هكذا بدؤوا مع الشهيد فرج فوده، حيث شنوا عليه حملة تحريض ثم اغتالوه جسدياً، كذلك محاولة اغتيال الراحل نجيب محفوظ. أعتقد جازماً، أن هذه الضجة المفتعلة سوف ترتد على مثيريها، فهي فضيحة كشفت فيها نفاقهم.
لأن من المعروف أن من واجبات أية نقابة مهنية، هو الدفاع عن حقوق أعضائها. وفي حالة نقابة الصحفيين، هو الدفاع عن حق أعضائها في حرية التعبير والتفكير والتصرف وفق قوانين الدولة.
ولكن الذي حصل في هذا الزمن الرديء هو أن النقابة الصحفيين المصريين وقفت ضد حرية التعبير، وضد حقوق عضو بارز من أعضائها، بحجة أن موقف النقابة المبدئي ضد سياسة التطبيع مع "العدو الإسرائيلي"، وهذا نفاق ما بعده نفاق
. فإذا كانت النقابة صادقة في إدعائها، فلماذا لا تطالب الحكومة بإلغاء معاهدة كامب ديفيد، أو تحاسب الصحفيين الآخرين الذين التقوا سفراء إسرائيل من قبل، ولماذا تبرز النقابة عضلاتها الآن على كاتبة سلاحها الوحيد هو القلم؟
لذلك فإني متفائل بأن لابد للرأي العام المصري والعربي والعالمي أن يقف إلى جانب الحق الذي تمثله الدكتورة هالة مصطفى، وينظر باشمئزاز إلى خصومها من أعداء حرية التعبير، فالدفاع عن الدكتورة هالة مصطفى هو دفاع عن حرية التعبير والتفكير
بقلم: د. عبدالخالق حسين
الموقع الشخصي:
No comments:
Post a Comment