Saturday, September 12, 2009

.مراد وهبة يكتب .. نحو عقل فلسفى : الرئيس مبارك وإشكالية الديمقراطية


قال الرئيس مبارك للمذيع الشهير تشارلى روز فى قناة «بى. بى. سى» الأمريكية بتاريخ ١٨/٨/٢٠٠٩: «إن إدارة الرئيس جورج بوش لم تكن على صواب فى الطريقة التى انتهجتها فى نشر الديمقراطية بالمنطقة، حيث إن مصر لا تقبل ضغوطاً من أية إدارة مع احترامنا لكل الحكومات». وأظن أن عبارة الرئيس هذه تعبير موجز عن إشكالية الديمقراطية، وإذا كانت الإشكالية تنطوى على تناقض فما هو التناقض إذن الكامن فى الديمقراطية؟
ونجيب بسؤال:
هل هذا التناقض كامن فى مفهوم الديمقراطية أم فى مسار الديمقراطية؟
نشأ مصطلح «الديمقراطية» فى القرن الخامس قبل الميلاد فى كتاب «تاريخ الحرب البليبونيزية» للمؤرخ اليونانى ثوسيديس «٤٦٠-٤٠٠ ق.م» عندما ذكر عبارة رجل الدولة فى أثينا وهو بركليس: «إن أثينا هى نموذج للديمقراطية لأن دستورنا لا يحاكى قوانين الدول المجاورة، إنما هو نموذج للآخرين، وإدارتنا تنحاز إلى الأغلبية وليس إلى الأقلية، وقوانيننا ضامنة للعدالة بالنسبة إلى الكل فى شأن نزاعاتهم الخاصة، والرأى العام عندنا، يرحب بالموهبة ويجلها فى كل فرع من فروع الإنجاز، ليس لأسباب طائفية بل استناداً إلى التميز وحده».
والبين من عبارة بركليس هذه أن أحداً من الأثينيين لم يكن رافضاً لتقبل هذا المعنى للديمقراطية، إلا أن ديمقراطية أثينا جرت فى مسار بعد ذلك غير الذى كان يتصوره بركليس، إذ اشتعلت الحرب البليبونيزية بين أثينا وإسبرطة فى عام ٤٣١ ق.م، أى قبل موت بركليس بعامين، وانتهت بمعاهدة مؤقتة فى عام ٤٢١ ق.م، ثم استؤنفت الحرب فى عام ٤١٢ ودمرت أثينا بل دمرت اليونان، وتم احتلالها فى عام ٤٠٤.
وإثر هزيمة أثينا ارتأى أفلاطون «٤٢٧-٣٤٧ ق.م»، أن الديمقراطية هى سبب الهزيمة، ومن ثم دعا إلى استبعادها وإحلال الحكم المطلق بديلاً عنها، والحكم المطلق هو حكم الله، والمماثل لهذا الحكم على الأرض هو حكم الفيلسوف، ومن ثم فالفيلسوف فى رأى أفلاطون هو وحده القادر على أن يكون رئيساً لجمهوريته، وتأسيساً على ذلك دعا أفلاطون إلى ضرورة صياغة البشر فى قالب واحد بحيث يسعدون ويحزنون فى أمور واحدة وفى وقت واحد، وبذلك تتحقق وحدة المدينة، ومن هنا قال أفلاطون عن حكم المدينة إنها «إلهية».
ومن بعد أفلاطون توقف استخدام لفظ ديمقراطية لمدة ألفى عام، وانشغل علماء السياسة بدراسة النظام الملكى والنظام الأرستقراطى، وإذا ذكروا الديمقراطية فإنهم لم يذكروها إلا كنظام حكم.
وهنا لابد من إثارة هذا السؤال: لماذا توارى لفظ «ديمقراطية» لمدة ألفى عام؟
ونجيب بإثارة سؤالين: هل بسبب دعوة أفلاطون إلى حكم الله بديلاً عن حكم الشعب؟
أم هل بسبب أن الحروب مناقضة للديمقراطية؟
أظن أن فى إمكاننا العثور على الجواب عن هذين السؤالين عند أوغسطين «٣٥٤ - ٤٣٠ م» فى القرن الرابع الميلادى، فهو أولاً أفلاطونى النزعة، وقد قيل فى ذلك إن الأفلاطونية هى التى قادته إلى المسيحية،
ولا أدل على صحة هذا القول من أنه تفهم المسيحية على ضوء ما انتهى إليه من الفلسفة الأفلاطونية، ثم هو ثانياً قد رتب على ضوء هذه العلاقة بين الأفلاطونية والمسيحية تأليف كتابه التاريخى «مدينة الله»، حيث ارتأى أن ثمة مدينتين: مدينة الأرض ومدينة السماء أو مدينة الله، وبينهما حرب هائلة، الأولى تعمل على نصرة الظلم والثانية تعمل على نصرة العدالة، والمدينتان تلتقيان فى الحياة الراهنة، ولكن الصدارة لمدينة الله، ومن ثم تكون سلطة الدولة عند أوغسطين أدنى من سلطة الكنيسة،
ومن هنا يلزم خضوع الدولة للكنيسة، وبذلك تنتهى المدينة الإلهية عند أفلاطون، إلى مدينة الله عند أوغسطين، وهذه المدينة بدورها تدافع عن العدالة حتى لو أدى الأمر إلى إشعال الحرب، والحرب فى هذه الحالة يسميها أوغسطين حرباً عادلة، ومن مدينة الله ندخل إلى العصور الوسطى، حيث الحق الإلهى للحاكم.
وتأسيساً على هذا المسار يمكن القول إن اختفاء لفظ «ديمقراطية»، مردود إلى السببين معاً: دعوة أفلاطون إلى حكم الله ودعوة أوغسطين إلى الحرب العادلة بحكم خضوع الدولة لحكم الله، ومعنى ذلك أن حكم الله مناقض للديمقراطية.
والسؤال بعد ذلك: ماذا يعنى حكم الله؟
هل يعنى أن الله هو الذى يحكم وليس الإنسان، وإذا كان ذلك كذلك أفليس يعنى ذلك أن الله متغير بتغير البشر، وهذا تناقض غير مشروع بحكم ثبات الله وعدم تغيره؟
والسؤال إذن: ماذا يحدث لو أزيل هذا التناقض غير المشروع هل تعود الديمقراطية؟ وكيف تعود؟
أجيب عن هذا السؤال فى المقالات القادمة تحت عنوان «رباعية الديمقراطية».
almasry alyoum

No comments: