Wednesday, May 13, 2009

فتنة الخنازير

لا أملك موقفًا قاطعًا من قضية إعدام أو ذبح الخنازير..
لكنها – فى الواقع – كشفت عن الاحتقان الطائفى فى مصر والذى نحاول كثيرًا أن نتجاهله، بينما هو موجود بيننا يرتع وينتعش ويطل علينا بقوة كلما ظهرت مشكله ما..
والآن المشكلة هى ١٦٥ ألف خنزير.فمنذ قرار الحكومة بإعدام وذبح الخنازير وبريدى الإلكترونى لا يتوقف عن استقبال رسائل من أقباط المهجر أو حتى أقباط الوطن، يتحدثون عن إعدام المسلمين لثروة الأقباط، وأن الهدف من القرار - الذى خرج كما يقولون بضغط من جماعة الإخوان المسلمين داخل المجلس – هو إفقار ٢ مليون قبطى مصرى يعيشون على تربية وتجارة تصنيع لحم الخنزير.
ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يمتد إلى التذكرة باتهامات بأسلمة القضاء والشرطة واضطهاد الأقباط، وخطف بناتهم وأسلمتهن..
إلى آخر تلك الاتهامات التى طالما سمعناها من أقباط المهجر.
هكذا تكشف أنفلونزا الخنازير عن أنفلونزا الفتنة، التى تنام ثم تصحو على أى كارثة صغيرة كانت أو كبيرة
.ويبدو الحديث عن الفتنة الطائفية دائما صعبًا معقدًا، فأنت إما مع المسلمين أو مع المسيحيين، ولا أحد مع فكرة الوحدة الوطنية، والمواطنة والتسامح والاعتدال وقبول الآخر.. كل تلك القيم تنهار وتتراجع تدريجيا فى بلادنا هذه الأيام.
لكن قضية الخنازير تكشف عن قصور فكرى من الطرفين،
أولا من جانب الحكومة التى عجزت عن نقل مزارع الخنازير وإقامة مزارع فى بيئة أفضل لا يعيش بها الخنزير مع الطير والإنسان مع القمامة.. وبالتالى اختارت الدولة السبيل الأحوط وهو إعدامها وذبحها، وأظنه السبيل الأفضل، لأن تاريخنا فى علاج الأزمات ليس الأفضل، ولو كنا انتظرنا نقل الخنازير والتلكؤ فى ذلك، ومقاومة أصحاب المزارع، لكانت أنفلونزا الخنازير قد استوطنت وترعرعت وانتشرت.. إذن قتل الخنازير هنا هو السبيل الأحوط، لأننا نعرف أننا لا نستطيع القيام بالأشياء بشكلها العلمى الطبيعى
.طبعا يفضل التخلص من الكبار ونقل الخنازير الصغيرة أو حديثة الولادة إلى مزارع صحية، لكن يبدو أنه، حتى ذلك، لا نستطيع القيام به، فتخرج أخبار عن دفن خنازير حية، وهى أمور غير صحية على الإطلاق، ولا يمكن قبولها حتى لو كان الهدف النهائى سليمًا.
ولكنى أظن أن الإخوة الأقباط يجب ألا يأخذوا الأمر بتلك الحساسية المفرطة، فعلى الرغم من أن كتلة الإخوان فى المجلس مؤثرة، فإن القرار اتخذه الرئيس بنفسه، ورغم أننى لا أنكر أن للإعلام وللمجلس تأثيرًا فى الضغط، لكن هذه المرة - ربما كانت من المرات القليلة – يكون فيها تأثير الضغط للأحوط والأصلح..
مرة أخرى نحن لا نستطيع القيام بالسلوك العلمى الطبيعى (تربية الخنازير فى مزارع صحية).لكن الغريب أن الدولة تعرف عن تلك المزارع والبيئة المحيطة بها منذ زمن، وتلحظ هذا المشهد الرث الردىء، وتلك البيئة المكتظة بالأمراض التى يعيش فيها الناس – مسلمين كانوا أو مسيحيين – لكنهم لم يهتموا بها أو بنظافتها إلا عندما ظهرت حكاية أنفلونزا الخنازير..
وكأن - على رأى إحدى صديقاتى - لا يهم أن يعيش الإنسان وسط القاذورات.. فقد أصبح ذلك أمرًا عاديًا.
الآن يجب أن يكون السؤال الأهم: وماذا عن القمامة التى ستترك وراء الخنازير؟!
هل هناك أى خطة حكومية لإعدام هذه القمامة، أو تدويرها؟ أم أننا سنترك القمامة تولد آلاف الميكروبات؟
بل وربما بها نفسها أنفلونزا خنازير!
فيما يعيش حولها الناس أيضا مسلمين كانوا أو مسيحيين.. فى النهاية مصريون.
إن الاحتقان الطائفى موجود.. علينا أن نعترف به.. علينا أن نواجهه..
القضية ليست من يأكل لحم الخنزير.. القضية أننا نعيش فى وطن واحد.. سيصيبنا مرض واحد، لن يفرق بين مسلم ومسيحى.. لكن قضية الخنازير كشفت مرة أخرى عن احتقان فى الباطن.. يخرج على السطح كلما اقتربنا منه.
بقلم: لميس الحديدى
Lamees@link.net
نقلا عن المصري اليوم

No comments: