Saturday, May 30, 2009

شراء الاغنياء اراضي الفقراء: استثمار ام استعمار

يشير تقرير مثير صدر اخيرا الى تسارع استحواذ الدول الغنية على اراضي زراعية في دول فقيرة للاستثمار الزراعي.
ورغم فوائد ذلك في ظل ازمة الغذاء العالمية والحاجة لزيادة انتاج العالم الزراعي، يثير حجم الصفقات وتفاصيلها مخاوف عديدة.
عنوان التقرير "سطو على الاراضي ام فرصة للتنمية"، واعده باحثون بدعم من المعهد الدولي للبيئة والتنمية ومنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد).
يركز التقرير على افريقيا، ويختار للدراسة خمس دول هي السودان واثيوبيا ومالي وغانا ومدغشقر.
ويكتسب التقرير اهمية في ضوء معارضات محلية لبعض تلك الصفقات وجدل اثير حول اخرى كما حدث في مصر مثلا بشأن مشروع توشكى واستثمارات سعودية وكويتية فيه
دفعت ازمة ارتفاع اسعار الغذاء في العامين الاخيرين ودخول الاقتصاد العالمي في ركود باتجاه تحول الاستثمارات من القطاع المالي الى الزراعة وصناعة الغذاء
ولم تكن الدوافع كلها مستندة الى الحاجة لاستثمارات اكبر في القطاع الزراعي العالمي لضمان امن البشرية الغذائي، بل كانت هناك اهداف ربحية تجارية بالمضاربة في سوق الغذاء ايضا.
يقول مدير تحرير "العالم اليوم" الاقتصادية اليومية سعد هجرس: "الدول الخليجية مثلا لديها قدرة مالية لشراء الغذاء لكنها تخشى من توفره بعدما وجدنا دولا كاوكرانيا والهند تحظر صادرات القمح. اذن معهم اموال لدفع الفاتورة لكنهم قد لا يجدون ما يشترونه".
ومع ان صفقات الاستحواذ على الاراضي من قبل مستثمرين اجانب موجودة منذ عقود، الا ان حجمها ووتيرتها تسارعت في الاونة الاخيرة.
وبعدما كانت صفقة الاراضي الكبيرة في حدود 100 الف هكتار (240 الف فدان)، يصل حجم الصفقات الان الى اضعاف ذلك. ففي السودان وحده، اشترت كوريا الجنوبية 690 الف هكتار والامارات 400 الف هكتار، حسب الدراسة.
ويقدر المعهد الدولي لابحاث سياسات الغذاء ان هناك ما بين 15 الى 20 مليون هكتار من اراضي الدول الفقيرة اشترتها دول غنية او تفاوضت لشرائها في 2006، ويشكل ذلك خمس حجم الاراضي الزراعية في كل الاتحاد الاوروبي.
ويقدر المعهد قيمة تلك الصفقات بما بين 20 و30 مليار دولار.
بعض صفقات الاراضي الكبرى مخصص لانتاج المحاصيل الحقلية التي تؤمن الغذاء، لكن اخرى تجارية بحتة لانتاج الازهار مثلا.
فالصين مثلا تقيم اكبر مزرعة لزيت النخيل في الكونغو بعدما حصلت على 2.8 مليون هكتار لاستخدام المحصول في انتاج الوقود الحيوي، وتتفاوض على 2 مليون هكتار في زامبيا ايضا لذات الغرض.
ويعارض زعيم المعارضة الصفقة، وهددت الصين بسحب كافة استثماراتها من زامبيا اذا جاء الى الحكم.
كما تشير بعض التقديرات الى انه بنهاية هذا العام سيكون هناك مليون مزارع صيني يعملون في افريقيا.
ويعني ذلك ازاحة عدد اكبر من صغار المزارعين الافارقة من اعمالهم، وليس ارضهم فحسب
وفي مارس الماضي ادى مشروع صفقة لدايو لوجستيكس الكورية لشراء 1.3 مليون هكتار في مدغشقر (نصف الاراضي القابلة للزراعة في البلاد تقريبا) الى اضطرابات عنيفة قادت في النهاية الى الاطاحة بالرئيس وسيطرة المعارضة على السلطة، والغيت الصفقة بالطبع
ورغم اعتراف الباحثين بفوائد الاستثمار الزراعي وحاجة الدول الفقيرة التي بها اراضي زراعية الى تمويل الدول الغنية، الا انها عددت المخاوف وتوصيات لتفاديها.
وكما قال جاك ضيوف، مدير فاو: "من الناحية الفعلية، لقد اسفرت المفاوضات عن علاقات دولية غير متكافئة وزراعة قصيرة الأجل ذات روح تجارية. فالهدف يجب أن يكون في تكوين مجتمعات مختلطة يُساهم كل طرف فيها وفق ما تمليه عليه المصالح. فالطرف الأول يتولى التمويل والمهارات الإدارية وضمان الأسواق للمنتجات، أما الطرف الثاني فانه يسهم في ضوء ما يتيسر لديه من أراض ومياه وقوى عاملة".
ويصف ضيوف قمة التخوف بالقول: "فالمخاطر تكمن في خلق حلف إستعماري جديد لتأمين مواد أولية بدون أية قيمة إضافية في البلدان المنتجة ، ناهيك عن خلق ظروف عمل غير مقبولة للعاملين في الزراعة".
ولا يقتصر الامر على الاراضي، بل يخشى ايضا على ثروات طبيعية اخرى لدى الدول الفقيرة.
يقول بيتر باربك ليتماته، رئيس شركة نسله للمنتجات الغذائية، ان صفقات الشراء تلك "ليست حرصا على الارض، بل على المياه. لانه مع الحصول على الارض تحصل على حق المياه المرتبطة بها لريها، وفي معظم البلدان يتوفر حق المياه مجانيا وهذا ما قد يصبح اكثر بنود الصفقة عرضة للخطر
ان الاعلام غالبا ما يركز على الجوانب السلبية، كما يقول الخبير في فاو بول ماتيو، الذي يشير الى ان تلك ربما كانت مهمة الاعلام.
لكنه يضيف: "من المبكر تقييم التجربة واثارها لان الصفقات حديثة او ما زالت تتم، وان بدأ بعضها. كما ان من المهم النظر الى التجربة بتوازن، وان نرى ان هناك فوائد حقيقية للتنمية للجميع لو اديرت الامور بشكل جيد وان كانت هناك بعض المخاطر".
من تلك المخاطر برأي ماتيو: "معظم الاراضي في افريقيا مملوكة للدولة قانونا، ونحو 80 في المئة من الناس ليس لديهم عقود ملكية لللاراضي التي يزرعونها. لذا ربما يكون هناك اتجاه لتجاهلهم او عدم مشاورتهم في تعويضهم اذا طلب منهم ترك الارض، لذا هناك حاجة لان تشملهم المشروعات قدر الامكان".
لكن سعد هجرس يرى ان نماذج الاتفاقات حتى الان لا تبشر بالايجابية
ويقول: "لا يجب التحدث عن تلك الصفقات بشروط البزنس فقط، انما تناقش كل صفقة على حدة شروطها وظروفها وكيف يمكن تقاسم التكاليف والمنافع ومن الذي يقرر ذلك، وهذا يتطلب ليس فقط مفاوضات ماهرة بل اشراك الناس اصحاب البلد لان تلك اصول البلد، ولا ينبغي ان تترك لتصرف حفنة من النخبة تتصرف فيها تحت جنح الظلام والا اصبح ذلك من اشكال الاستعمار للتحكم في غذاء الناس".
ومن امثلة ذلك اثيوبيا، حيث يستثمر عدد من رجال الاعمال السعوديين نحو 100 مليون دولار في اراضي اثيوبية لانتاج القمح والشعير والارز.
في الوقت نفسه ينفق برنامج الغذاء العالمي 116 مليون دولار على شراء 230 الف طن من المعونات الغذائية فيما بين 2007 و2011 لحوالى 4.6 مليون اثيوبي يعانون سوء التغذية والموت جوعا.
والسودان، الذي يعد اكبر الحاصلين على المعونات الغذائية الدولية، يعطي الاجنبي حق تصدير 70 في المئة من انتاج الارض التي يشتريها في البلاد الى الخارج.
مع ذلك يرى بول ماتيو ان هناك نماذج يمكن ان تحقق افضل نتيجة من الاستثمارات الاجنبية في القطاع الزراعي للدول الفقيرة.
ويضيف: "اذا كانت الصفقات جيدة والاستثمارات وزيادة الانتاج تتم بطريقة تشمل القسم الاكبر من صغار المزارعين فيمكن ان تفيد جدا. ويمكن زيادة الانتاجية، لكن ذلك يتطلب الا تصدر كل الزيادة في الانتاج وان يبقى جزء منها في البلاد. كما يتطلب دعم بعض المزارع الصغيرة القديمة وان يعوض الاخرون على ترك اراضيهم او يستفيدوا بشكل غير مباشر لان الاستثمار يؤدي الى تطوير للصناعات الغذائية ويوفر عددا اكبر من فرص العمل في القطاع غير الزراعي وان كانت في المناطق الريفية اساسا
والى جانب صفقات تبرمها الصناديق السيادية والمستثمرون المدعومون حكوميا، هناك صفقات بين الحكومات مباشرة مثل الاتفاقات بين الكويت والسودان وقطر والسودان، التي يوقعها وزراء الزراعة او الاقتصاد.
وتقدم الدول الفقيرة محفزات استثمار تتضمن حق المستثمر الاجنبي في تصدير انتاجه، ربما كاملا.
وعرضت باكستان على دول الخليج نصف مليون هكتار من الارض لاستزراعها على ان تتكفل بتوفير 100 الف عنصر امن لحمايتها لهم.
عن تلك الحوافز يقول سعد هجرس: "هذه الحجة قديمة جدا وجديدة في نفس الوقت، قديمة لانها كانت احدى الحجج التي سهلت الاستعمار القديم. وجديدة لان كثيرا من المغامرين وضعوا هذه الفكرة من اجل فتح الابواب دون أي ضوابط لدخول رؤوس الاموال الاجنبية والسيطرة على مقدرات البلاد الاقتصادية. وثبت من الازمة العالمية وغيرها ان تشجيع الاستثمار الاجنبي يحتاج الى شفافية وليس العكس".
لذا تلقى بعض تلك الصفقات معارضة داخلية قوية كما حدث في مدعشقر.
وجعلت المعارضة الداخلية مجموعة بن لادن السعودية تعلق مشروعا لانتاج الارز في اراضي اندونيسية مساحتها نصف مليون هكتار بكلفة 4.3 مليار دولار، كما اجلت الصين صفقة لشراء 1.2 مليون هكتار في الفلبين
احمد مصطفى
BBC - London

No comments: