كيلو متر هى طول الرحلة التى قطعناها على مدى ١٢ يوماً فى عمق الصحراء المصرية الغربية مروراً بواحاتها وصولاً إلى أقصى الجنوب الغربى حيث هضبة الجلف الكبير التى أعلنها رئيس الوزراء محمية طبيعية فى عام ٢٠٠٧.
الرحلة التى شاركت فيها «المصرى اليوم» كانت ضمن قافلة شاملة تمثل وزارات السياحة والدفاع والبيئة والثقافة و«المجلس الأعلى للآثار» بهدف تحديد مسارات القوافل السياحية ووضع العلامات الإرشادية لحماية كنوز مصر من الحفريات وأدوات الإنسان المصرى الأول، وحماية الكنوز الطبيعية والكائنات الصحراوية فى هذا القطاع البعيد، وتعتبر القافلة هى الأولى على الإطلاق لخبراء ومؤرخين مصريين فى هذا القطاع بدون علماء أجانب، وبتمويل مصرى كامل.
الطريق إلى «الجلف» يبدأ من الفرافرة أو الداخلة.. ودرب «أبوبلاص» بداية المغامرة
قبل ٥ أشهر وبالتحديد مع نهاية أزمة السائحين الأجانب المختطفين فى منطقة جنوب الجلف، حاولت «المصرى اليوم» الحصول على تصريح بزيارة المكان، لكن تم الرد علينا فى حينها بأن الوقت غير مناسب.
كانت المعلومات لدينا عن المكان محدودة وطفيفة وسطحية، ولم نكن نعلم أن «الجلف الكبير» و«العوينات» يزورها نحو ألفى سائح غربى سنوياً فى رحلات مغامرة مكلفة وممتدة لنحو ١٥ يوماً على الأقل، ولا تقل فى روعتها عن مغامرات تسلق الهمالايا أو المعيشة فوق جبال الألب، وأن رحلات الاستكشاف والدراسات العلمية العميقة من العلماء الغربيين ممتدة للمكان على مدار ٨٠ عاماً بعد أن وصل المكان المستكشف الرائد أحمد باشا حسنين عام ١٩٢٣ وبالتحديد إلى جبل العوينات ومن بعده بعامين الأمير كمال الدين حسين، والذى أطلق اسم «الجلف الكبير» على الهضبة المسطحة المترامية الأطراف والتى وجدها أمامه هو والعلماء الذين كانوا فى قافلته الشاملة.
عدد محدود من شركات السياحة المصرية «لا يتجاوز ٧ شركات» هى التى تقوم برحلات إلى هذه المنطقة. وإدارة الرحلة عملية معقدة وتحتاج لمهارات خاصة، والداخل للمكان عليه اقتحام الصحراء من طريقين، الأول من وادى أبو منقار قرب واحة الفرافرة أو من جنوب واحة الداخلة .
اختار لنا قائد القافلة محمود نور الدين الطريق الثانى يوم الاحد ٢٢ مارس، وبعد دقائق معدودة من الخروج من الطريق الاسفلتى فى اتجاه الغرب الجنوبى وجد أفراد القافلة «وعددهم ٢١ رجلاً» أنفسهم بعيدين عن البشر والحيوانات والبيوت والنباتات وتغطية الهواتف المحمولة، وفى مواجهة الصحراء بحثاً عن تراث الأجداد واستكشاف كنوز صحراء مساحتها ٦٨١ ألف كيلو متر مربع أى تقرب من ثلثى مساحة مصر.
يقول مستشار وزير السياحة للشؤون البيئية والمشرف على سياحة الصحراء محمود عبدالمنعم القيسونى، فى تقريره المبدئى عن الرحلة، إن القافلة ثمرة جهد واجتماعات وتنسيق دام عامين كاملين وأنها قائمة على فكر وتطوع رجال سياحة وعمق الصحراء وبدعوة منهم، لكن على أرض الواقع فإن عمل الوزارات والهيئات المصرية معاً وفى فريق واحد يحتاج على جهد إضافى لضمان تقديم تقارير موثقة تفيد صانع القرار، والقافلة المشتركة كانت نموذجاً فى هذا الاتجاه، حيث إنها خلقت فى نهايتها لغة مشتركة للوزارات المختلفة تجاه حماية تراث مصر الحضارى والجيولوجى والبيئى فى هذا المكان.
لاحظنا فى بداية الرحلة أن الأهداف كانت متقاطعة إلى حد كبير، رجال الآثار يركزون على الكهوف التى يصل عددها إلى ٣٠ فى الجلف والعوينات والرسومات المنقوشة عليها واستكشاف المزيد من أدوات الإنسان البدائى Artifacts وهى بالملايين فى هذه المنطقة خاصة فى وداى بخت، ورجال البيئة هدفهم من الرحلة وضع العلامات الإرشادية حول الكهوف والأودية المهمة فى المنطقة وبالتأكيد على أن «الجلف الكبير» كله وكذلك العوينات هى محمية طبيعية، أما رجال وزارة الدفاع فانصب عملهم على قراءة خطوط سير الرحلة ووسائل تأمينها.
وكان لدى البعض مقترحات وأفكار مسبقة حول المسار وتأمينه لكن رؤيتهم المباشرة للمنطقة غيرت من قناعتهم المسبقة، وكان لرجال شركات السياحة أعضاء لجنة صحارينا الجهد الأكبر فى تقريب وجهات النظر بين الجميع وتقديم معلومات غزيرة عن المكان معظمها من مراجع وأبحاث وتقارير بعثات أجنبية أو كخبرة مباشرة من المكان.
* الليلة الأولى من الرحلة قضيناها فى فندق بيئى يدعى «ديزرت لودج» تم تشييده على ربوة مرتفعة فى قرية القصر التابعة لواحة الداخلة، ويقول مالكه أحمد موسى إنه قلد فى أسلوب بنائه نمط معيشة وحياة الإنسان فى واحات مصر، خاصة فى الداخلة، والسياح يقبلون على هذه النوعية من الفنادق المنتشرة بأنماط مختلفة فى سيوة والفرافرة والبحرية. أما باقى الليالى فقضيناها فى عمق الصحراء داخل خيام رقيقه يجمعها «كامب» للمجموعة كلها، وفى أحيان كثيرة كانت الثعالب والتياتل الجبلية تشاركنا المأوى والمأكل.
المحطة الأولى فى التوقف كانت عند «أبوبلاص» أو تل الفخار الذى تبعد بنحو مائتى كيلو متر من «الداخلة» وشاهدنا فيه المئات من بقايا الجرار أو «البلاليص» التى أكدت الدراسات الأثرية أنها ترجع للعصر الفرعونى وبالتحديد للأسرة السادسة كما قال لنا خبيرا الآثار المرافقان للقافلة، وهما مصطفى رزق إبراهيم مدير آثار ما قبل التاريخ فى سيناء، وصبرى يوسف عبدالرحمن مدير آثار ما قبل التاريخ فى الداخلة. يقولان: المعروف من الدراسات العلمية فى مجال الآثار والتى تمت بصحراء مصر الغربية أن هناك درباً قديماً جداً كان يربط بين مدينة عين أصيل ببلاط «الواحات الداخلة» هضبة الجلف الكبير فى أقصى الغرب.
هذا الدرب بمسافة ٤٠٠ كم تقريباً ويسمى «درب أبو بلاص» ومدينة عين أصيل كانت مأهولة بالسكان والحياة فى عصر الدولة القديمة الفرعونية وبالتحديد فى عصر الأسرة السادسة خلال فترة حكم الملك بيى الثانى وفترة قليلة من حكم الملك بيى الأول.
وخلال هذه الفترة كانت هناك بعثات تخرج من هذه المنطقة إلى الجلف الكبير بواسطة الدواب وبالتحديد الحمير. لأن الجمل لم يعرف فى مصر إلا بعد دخول الفرس، ونظراً لطول المسافة كان لابد من وجود محطات بلغ عددها نحو ٣٠ محطة، وأماكن استراحة لتزويد القوافل بالمياه والعلف للحيوانات، وقد كشفت البعثات التى تعمل فى هذه المواقع عن العديد من المحطات على هذا الدرب، ومن أهم هذه المحطات أبوبلاص.
ومن خلال زيارة الموقع اتضح أن هذا المكان عبارة عن تلال صخرية من الحجر الرملى. على أحد هذه التلال منظر صيد يصور رجلاً فى وضع الصيد يمسك القوس ويسبقه ثلاثة من كلاب الصيد. ومنظر لسيدة غير كامل، وينتشر حول التل من أسفل بقايا كثيرة من الكسرات الفخارية لأوان كبيرة الحجم تشبه البلاص، ولذا سمى هذا الموقع باسم أبوبلاص.
لكن رواية أخرى تقول إن البرنس كمال الدين حسين اكتشف المكان فى عام ١٩٢٣ وأنه عثر على مئات البلاليص الكثير منها سليم، وموضوعة بنظام فى الرمال، مما يؤكد استخدامها كخزانات أو مستودعات مائية، وكانت تلك الجرار تحمل علامات، وهى نفس العلامات التى استخدمتها قبائل التيو الأفريقية التى كانت تصل مراعيها إلى منطقة الجلف الكبير القريبة من المكان.
وتقول الرواية إن غزاة الواحة الداخلة الذين كانوا يأتون من الغرب كانوا يجلبون معهم ما يحتاجون إليه من ماء فى جرار يحملونها لمسافات عبر طريقهم ثم يضعونها فى مكان يعودون إليه من غزواتهم، فيجدون الماء ولا يهلكون من العطش. «البلاليص الفرعونية تمت سرقتها على مراحل زمنية مختلفة- كما يقول قائد الرحلة- ولم يبق منها إلا بعض الجرار المكسورة».
* روعة «السفارى» أو المغامرة فى الصحراء تتكشف ليلاً حيث الهدوء والسكينة والنجوم بتشكيلاتها المترامية فى الأفق.. ومجرات السماء المحتضنة لملايين النجوم والتى يقتلها ضوضاء وتلوث وغبار المدن.. خاصة القاهرة.
وحكايات الصحراء صافية وصادقة ومنعشة كالهواء الجاف تماماً.. والكل لديه قصصه وذكرياته ومواويله الدافئة الأجمل فى روعتها من جميع أغانى الفضائيات، لكن المناقشات كانت تأخذ مسارات عديدة. الخيام كانت تنصب على أطراف الكامب وأبوابها فى اتجاه عكس اتجاه الريح.. وفى المنتصف تتراص ثلاث من سيارات القافلة صانعة مربعاً بضلع مفتوح.. وكان السائقون يفترشون الأرض بسجاجيد صحراوية بسيطة..
وفى الخلفية المستندة إلى السيارات توضع خيمة يصل طولها إلى المترين يسمونها «ونج» وفى داخل هذا الونج يتناول أفراد القافلة طعام العشاء، كان حمادة هاشم سنوسى هو طباخ الرحلة وسائق إحدى سيارات القافلة.. وميكانيكى الرحلة أيضا يقدم لنا طعاماً ساخناً فى وجبة العشاء لاقى استحسان غالبية أعضاء القافلة، وأهلته خبرة الصحراء والتقشف المطلوب فى استخدام المياه لصنع طبق واحد للعشاء، فى الغالب كانت مكوناته المكرونة أو «الأرز» إضافة إلى قطعة من اللحم وقليل من الخضار..
والمهم فى وجبة حمادة أنها تسبقها الشوربة الساخنة، حتى لو كان الطبق الرئيسى بدون لحم «قُرديحى». المناقشات بين المجموعة دارت فى البداية عن المشاكل الحاصلة مع سياحة السفارى وصعوبة الحصول على التصاريح من الجهات السيادية التى لابد أن توافق على دخول المكان، خاصة الجلف الكبير قبل موعد الرحلة بستة أسابيع، وكيف أنه يصعب إضافة سائح واحد إلى المجموعة بشكل استثنائى، ودارت المناقشات بصراحة حول الحلول المقترحة وإمكانية عقد لجنة وزارية مشتركة يشارك فيها قيادات الدفاع والسياحة والبيئة لتذليل هذه العقبات وإمكانية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى فى هذا المجال خاصة جنوب أفريقيا وفرنسا ونيبال.
المناقشات ركزت أيضا على حماية «المحميات الطبيعية» فى مصر، خاصة الصحراء البيضاء والجلف الكبير ووادى الريان ووادى الحيتان.
وحكى أحمد سلامة، المسؤول عن محميات المنطقة الغربية فى وزارة البيئة، كيف أن أحد الدبلوماسيين البلجيكيين قام بتدمير جزء من محمية وادى الحيتان بالفيوم، وكيف أن الوزارات المختلفة طلبت من البلجيكيين تقديم اعتذار رسمى وتعويض بقيمة ٥ ملايين جنيه عن الواقعة.
* اليوم الثانى فى الصحراء كان الأصعب على الإطلاق، هبت رياح خماسينية ساخنة حملت معها الرمال بسرعة قياسية فى وجوهنا، ومع ساعات اليوم وصل تأثير الرياح إلى السيارات فتعطل بعضها، وغاصت جميع سيارات القافلة فى الكثبان الرميلة، وكان المنظر اللافت هو مشاهدتنا الرياح وهى تحرك الرمال بسرعة من أسفل الإطارات فتعود السيارة للخلف فى دقائق، ولولا يقظة السائقين وخبراتهم لانقلبت بمن فيها، واعتقدنا أننا دخلنا بحر الرمال لكن محمود نور الدين قائد الرحلة شرح لنا على أجهزة الـ GPS كيف أننا نبتعد بنحو ٢٠٠ كيلو متر عنه، وأن هذا المناخ المتقلب طبيعى فى هذا الوقت من السنة..
انخفضت درجة الحرارة إلى ما دون الخمس درجات، وكنا على ارتفاع ٧٠٠ متر من سطح البحر، وفى هذه الأجواء المتقلبة وعلى بعد ١٥٠ كيلو متراً من الجلف الكبير كانت محطتنا مع بحيرة طبيعية جافة تكونت من بقايا مياه عذبه وتركت آثاراً رسوبية اعتقدنا مع رؤيتها وكأن المياه جفت منها قبل أشهر معدودة لكن الجيولوجيين المرافقين للبعثة قالوا إنها جفت قبل ١٠ آلاف سنة على الأقل وإن صحراء مصر الغربية كانت تضم فى هذا التاريخ أو قبله بقليل نحو ٥ بحيرات عذبة على الأقل تشكلت بأغلب الآراء من هطول الأمطار أو بفعل أودية بعض الأنهار القديمة.
وعلى حدود هذه البحيرة الجافة التى يطلق عليها اسم «الياردنج» سجلنا صوراً لأشكال رائعة تشبه حيوانات عديدة لكن الشىء المكرر فى المكان هو التشكيلات الصخرية التى تشبه كلب البحر، ويقول أحمد سلامة إن المنطقة عبارة عن ترسيبات لصخور طينية أما النحت وعوامل التعرية فيها فتمت بالرياح التى صنعت أشكالاً عديدة، وهى جيولوجيا حديثة وقد تعود إلى عشرة آلاف سنة فقط.
ورغم السهل شبه الطينى فإن الحياة النباتية والحيوانية منعدمة على الإطلاق فى هذا المكان.
وقال سلامة إنه رغم جمال المكان فإنه من الصعب جداً أن يكون جزءاً من محمية الجلف لابتعادها عن المكان بنحو ٤٠٠ كيلو متر وحتى لا تحدث مشاكل مع جهات أخرى فى الدولة.
وأشار إلى أن المحمية تضم وادى بخت ومغارة القنطرة ومنطقة الثمانى أجراس وجبل العوينات ووادى صورة ووادى عبدالملك ووادى حمرة ومنطقة السلتيا.
* فى اليوم الثالث لرحلتنا فى صحراء مصر الغربية، والرابع منذ مغادرتنا العاصمة، كانت محطتنا الأولى مع «الجلف الكبير» وصلت القافلة إلى وادى بخت والذى يبلغ عمقه داخل الهضبة نحو ١٥ كيلو متراً ويضم ظاهرة جيولوجية نادرة جداً مثلما هو موجود بمحمية الدبابية بمحافظة قنا والخاصة بالتجمع الكامل لطبقات تاريخ الكرة الأرضية.
وعن تسمية المكان بهذا الاسم، يقول عمرو شنن، وهو واحد من رواد استكشاف الصحراء المصرية، والمسؤول عن إعداد التقرير النهائى عن الرحلة، إن البرنس كمال الدين حسين ابن السطان حسين اكتشفها بالصدفة أو بـ«البخت» فأطلق عليها هذا الاسم وإن بعثات عديدة زارت المكان وأعدت تقارير وافية عنه.
ومع وصولنا الوادى، بدأ الفريق التابع لوزارة البيئة بوضع لوحة ضخمة عند مدخله تشير إلى أنه يدخل ضمن حدود المحمية الطبيعية للجلف الكبير، وساعد أفراد القافلة فى صنع عوائق حجرية فى الطريق لإجبار سيارات رحلات السفارى على التوقف على بعد كاف من مدخل الوادى، وهو أمر تكرر فيما بعد عند الكهوف والأودية المهمة فى الهضبة وحولها. وأدوات إنسان ما قبل التاريخ مترامية وموجودة فى جانبى الوادى وقدّرتها البعثة الألمانية برئاسة كوبر مطلع الثمانينيات من القرن الماضى بنحو المليون أداة.
ويقع الوادى بين جبلين يصل عرضه فى بعض المناطق إلى كيلو متر تقريباً، ويوجد فى منتصفه كثيب رملى تعلوه كمية كبيرة من الأدوات الحجرية وعند نهاية الكثيب توجد منطقة بحيرة جافة مدخلها يشبه الشلال أو مخرات المياه الجافة، وعلى حافة هذا المدخل يوجد Cross section أو مقطع طولى للترسيبات على حافة البحيرة باللون الأحمر يحتوى بقايا نباتات، عمر الترسيبات فيها يزيد على ١٢ ألف عام.. وهو ما يوضح التاريخ الجيولوجى لهذا المكان.
يقول مصطفى رزق، المتخصص فى آثار ما قبل التاريخ بالمجلس الأعلى للآثار، إن البعثة الألمانية التى عملت فى المنطقة أصدرت مجلة باسم «وادى بخت» تتضمن أهم الأدوات فى الوادى وهى آلاف القطع الحجرية التى استخدمها المصرى فى مراحل ما قبل التاريخ كسكاكين وقواطع ومكاشط ورؤوس سهام مصنوعة بغاية الدقة، وكذلك لوحات مسطحة من الحجر الجيرى استخدمت كجزء سفلى لحجم الصحن.
أما عن منطقة البحيرة الجافة أو «Playa» فتم استخدام مسطحها كرقعة زراعية للإنسان الذى سكن هذا الوادى، إضافة إلى أنشطة أخرى مثل الرعى وتربية الحيوانات، وعثر مصطفى رزق وصبرى يوسف عبدالرحمن موفدا المجلس الأعلى للآثار على كسرات عديدة من قشر بيض النعام الذى استخدمه الإنسان فى ذلك الوقت فى أغراض عديدة أهمها الشرب، حيث ندر الفخار والأدوات الأخرى التى تستخدم لهذا الغرض، لكن باحثاً آخر عثر على الفخار فى هذه المنطقة.
وتدل الأدوات المكتشفة، وفقاً لخبيرى الآثار، على تطور الفكر الإنسانى للمصرى الذى عاش فى هذا العصر، قبل ٨ آلاف سنة قبل الميلاد، وفى جولتنا فى الوادى شاركنا فى اكتشاف حجر طحن وبقايا موقد وحبوب متحجرة مما يدل على أن الإنسان زرع الحبوب وطحنها وطهاها فى هذا الوقت البعيد.
وكانت أسئلة أفراد القافلة متنوعة لقائد الرحلة محمود نورالدين حول الحفاظ على المكان، ولماذا الإبقاء على هذا الكم الكبير من الأدوات فى أماكنه الطبيعية، وهل تتعرض هذه الأدوات للسرقة من السائحين، فقال إن كل البعثات الأثرية والمتخصصين فى دراسة المكان وعشاقه أوصوا بالإبقاء على هذه الأدوات فى أماكنها الأصلية لكن السرقات تحتاج إلى وعى من رجال السياحة والآثار والمسؤولين عن المحمية من وزارة البيئة.
وأشار إلى أن السرقات وصلت ذروتها فى منطقة السليكا والتى تكاد تخلو منها بعد تعرضها للسطو من الأجانب والمصريين على مدى مائة وخمسين عاماً.
وصلنا مساء الثلاثاء إلى مغارة القنطرة التى اكتشفها ضابط إنجليزى يدعى كيندى شو عام ١٩٣٥، وهى تبعد بنحو ٤٠ كيلو متراً عن وادى بخت، وكانت المرة الأولى التى نشاهد فيها رسوم الإنسان المصرى القديم فى تصويره الرائع لحياته ومرعاه وحيواناته المستأنسة وغير المستأنسة.
ألوان رئيسية رائعة هى الأحمر الداكن والأبيض والأصفر، ونقوش بدائية تصور حياة الإنسان المصرى قبل ١٠ آلاف عام على الأقل
الرحلة التى شاركت فيها «المصرى اليوم» كانت ضمن قافلة شاملة تمثل وزارات السياحة والدفاع والبيئة والثقافة و«المجلس الأعلى للآثار» بهدف تحديد مسارات القوافل السياحية ووضع العلامات الإرشادية لحماية كنوز مصر من الحفريات وأدوات الإنسان المصرى الأول، وحماية الكنوز الطبيعية والكائنات الصحراوية فى هذا القطاع البعيد، وتعتبر القافلة هى الأولى على الإطلاق لخبراء ومؤرخين مصريين فى هذا القطاع بدون علماء أجانب، وبتمويل مصرى كامل.
الطريق إلى «الجلف» يبدأ من الفرافرة أو الداخلة.. ودرب «أبوبلاص» بداية المغامرة
قبل ٥ أشهر وبالتحديد مع نهاية أزمة السائحين الأجانب المختطفين فى منطقة جنوب الجلف، حاولت «المصرى اليوم» الحصول على تصريح بزيارة المكان، لكن تم الرد علينا فى حينها بأن الوقت غير مناسب.
كانت المعلومات لدينا عن المكان محدودة وطفيفة وسطحية، ولم نكن نعلم أن «الجلف الكبير» و«العوينات» يزورها نحو ألفى سائح غربى سنوياً فى رحلات مغامرة مكلفة وممتدة لنحو ١٥ يوماً على الأقل، ولا تقل فى روعتها عن مغامرات تسلق الهمالايا أو المعيشة فوق جبال الألب، وأن رحلات الاستكشاف والدراسات العلمية العميقة من العلماء الغربيين ممتدة للمكان على مدار ٨٠ عاماً بعد أن وصل المكان المستكشف الرائد أحمد باشا حسنين عام ١٩٢٣ وبالتحديد إلى جبل العوينات ومن بعده بعامين الأمير كمال الدين حسين، والذى أطلق اسم «الجلف الكبير» على الهضبة المسطحة المترامية الأطراف والتى وجدها أمامه هو والعلماء الذين كانوا فى قافلته الشاملة.
عدد محدود من شركات السياحة المصرية «لا يتجاوز ٧ شركات» هى التى تقوم برحلات إلى هذه المنطقة. وإدارة الرحلة عملية معقدة وتحتاج لمهارات خاصة، والداخل للمكان عليه اقتحام الصحراء من طريقين، الأول من وادى أبو منقار قرب واحة الفرافرة أو من جنوب واحة الداخلة .
اختار لنا قائد القافلة محمود نور الدين الطريق الثانى يوم الاحد ٢٢ مارس، وبعد دقائق معدودة من الخروج من الطريق الاسفلتى فى اتجاه الغرب الجنوبى وجد أفراد القافلة «وعددهم ٢١ رجلاً» أنفسهم بعيدين عن البشر والحيوانات والبيوت والنباتات وتغطية الهواتف المحمولة، وفى مواجهة الصحراء بحثاً عن تراث الأجداد واستكشاف كنوز صحراء مساحتها ٦٨١ ألف كيلو متر مربع أى تقرب من ثلثى مساحة مصر.
يقول مستشار وزير السياحة للشؤون البيئية والمشرف على سياحة الصحراء محمود عبدالمنعم القيسونى، فى تقريره المبدئى عن الرحلة، إن القافلة ثمرة جهد واجتماعات وتنسيق دام عامين كاملين وأنها قائمة على فكر وتطوع رجال سياحة وعمق الصحراء وبدعوة منهم، لكن على أرض الواقع فإن عمل الوزارات والهيئات المصرية معاً وفى فريق واحد يحتاج على جهد إضافى لضمان تقديم تقارير موثقة تفيد صانع القرار، والقافلة المشتركة كانت نموذجاً فى هذا الاتجاه، حيث إنها خلقت فى نهايتها لغة مشتركة للوزارات المختلفة تجاه حماية تراث مصر الحضارى والجيولوجى والبيئى فى هذا المكان.
لاحظنا فى بداية الرحلة أن الأهداف كانت متقاطعة إلى حد كبير، رجال الآثار يركزون على الكهوف التى يصل عددها إلى ٣٠ فى الجلف والعوينات والرسومات المنقوشة عليها واستكشاف المزيد من أدوات الإنسان البدائى Artifacts وهى بالملايين فى هذه المنطقة خاصة فى وداى بخت، ورجال البيئة هدفهم من الرحلة وضع العلامات الإرشادية حول الكهوف والأودية المهمة فى المنطقة وبالتأكيد على أن «الجلف الكبير» كله وكذلك العوينات هى محمية طبيعية، أما رجال وزارة الدفاع فانصب عملهم على قراءة خطوط سير الرحلة ووسائل تأمينها.
وكان لدى البعض مقترحات وأفكار مسبقة حول المسار وتأمينه لكن رؤيتهم المباشرة للمنطقة غيرت من قناعتهم المسبقة، وكان لرجال شركات السياحة أعضاء لجنة صحارينا الجهد الأكبر فى تقريب وجهات النظر بين الجميع وتقديم معلومات غزيرة عن المكان معظمها من مراجع وأبحاث وتقارير بعثات أجنبية أو كخبرة مباشرة من المكان.
* الليلة الأولى من الرحلة قضيناها فى فندق بيئى يدعى «ديزرت لودج» تم تشييده على ربوة مرتفعة فى قرية القصر التابعة لواحة الداخلة، ويقول مالكه أحمد موسى إنه قلد فى أسلوب بنائه نمط معيشة وحياة الإنسان فى واحات مصر، خاصة فى الداخلة، والسياح يقبلون على هذه النوعية من الفنادق المنتشرة بأنماط مختلفة فى سيوة والفرافرة والبحرية. أما باقى الليالى فقضيناها فى عمق الصحراء داخل خيام رقيقه يجمعها «كامب» للمجموعة كلها، وفى أحيان كثيرة كانت الثعالب والتياتل الجبلية تشاركنا المأوى والمأكل.
المحطة الأولى فى التوقف كانت عند «أبوبلاص» أو تل الفخار الذى تبعد بنحو مائتى كيلو متر من «الداخلة» وشاهدنا فيه المئات من بقايا الجرار أو «البلاليص» التى أكدت الدراسات الأثرية أنها ترجع للعصر الفرعونى وبالتحديد للأسرة السادسة كما قال لنا خبيرا الآثار المرافقان للقافلة، وهما مصطفى رزق إبراهيم مدير آثار ما قبل التاريخ فى سيناء، وصبرى يوسف عبدالرحمن مدير آثار ما قبل التاريخ فى الداخلة. يقولان: المعروف من الدراسات العلمية فى مجال الآثار والتى تمت بصحراء مصر الغربية أن هناك درباً قديماً جداً كان يربط بين مدينة عين أصيل ببلاط «الواحات الداخلة» هضبة الجلف الكبير فى أقصى الغرب.
هذا الدرب بمسافة ٤٠٠ كم تقريباً ويسمى «درب أبو بلاص» ومدينة عين أصيل كانت مأهولة بالسكان والحياة فى عصر الدولة القديمة الفرعونية وبالتحديد فى عصر الأسرة السادسة خلال فترة حكم الملك بيى الثانى وفترة قليلة من حكم الملك بيى الأول.
وخلال هذه الفترة كانت هناك بعثات تخرج من هذه المنطقة إلى الجلف الكبير بواسطة الدواب وبالتحديد الحمير. لأن الجمل لم يعرف فى مصر إلا بعد دخول الفرس، ونظراً لطول المسافة كان لابد من وجود محطات بلغ عددها نحو ٣٠ محطة، وأماكن استراحة لتزويد القوافل بالمياه والعلف للحيوانات، وقد كشفت البعثات التى تعمل فى هذه المواقع عن العديد من المحطات على هذا الدرب، ومن أهم هذه المحطات أبوبلاص.
ومن خلال زيارة الموقع اتضح أن هذا المكان عبارة عن تلال صخرية من الحجر الرملى. على أحد هذه التلال منظر صيد يصور رجلاً فى وضع الصيد يمسك القوس ويسبقه ثلاثة من كلاب الصيد. ومنظر لسيدة غير كامل، وينتشر حول التل من أسفل بقايا كثيرة من الكسرات الفخارية لأوان كبيرة الحجم تشبه البلاص، ولذا سمى هذا الموقع باسم أبوبلاص.
لكن رواية أخرى تقول إن البرنس كمال الدين حسين اكتشف المكان فى عام ١٩٢٣ وأنه عثر على مئات البلاليص الكثير منها سليم، وموضوعة بنظام فى الرمال، مما يؤكد استخدامها كخزانات أو مستودعات مائية، وكانت تلك الجرار تحمل علامات، وهى نفس العلامات التى استخدمتها قبائل التيو الأفريقية التى كانت تصل مراعيها إلى منطقة الجلف الكبير القريبة من المكان.
وتقول الرواية إن غزاة الواحة الداخلة الذين كانوا يأتون من الغرب كانوا يجلبون معهم ما يحتاجون إليه من ماء فى جرار يحملونها لمسافات عبر طريقهم ثم يضعونها فى مكان يعودون إليه من غزواتهم، فيجدون الماء ولا يهلكون من العطش. «البلاليص الفرعونية تمت سرقتها على مراحل زمنية مختلفة- كما يقول قائد الرحلة- ولم يبق منها إلا بعض الجرار المكسورة».
* روعة «السفارى» أو المغامرة فى الصحراء تتكشف ليلاً حيث الهدوء والسكينة والنجوم بتشكيلاتها المترامية فى الأفق.. ومجرات السماء المحتضنة لملايين النجوم والتى يقتلها ضوضاء وتلوث وغبار المدن.. خاصة القاهرة.
وحكايات الصحراء صافية وصادقة ومنعشة كالهواء الجاف تماماً.. والكل لديه قصصه وذكرياته ومواويله الدافئة الأجمل فى روعتها من جميع أغانى الفضائيات، لكن المناقشات كانت تأخذ مسارات عديدة. الخيام كانت تنصب على أطراف الكامب وأبوابها فى اتجاه عكس اتجاه الريح.. وفى المنتصف تتراص ثلاث من سيارات القافلة صانعة مربعاً بضلع مفتوح.. وكان السائقون يفترشون الأرض بسجاجيد صحراوية بسيطة..
وفى الخلفية المستندة إلى السيارات توضع خيمة يصل طولها إلى المترين يسمونها «ونج» وفى داخل هذا الونج يتناول أفراد القافلة طعام العشاء، كان حمادة هاشم سنوسى هو طباخ الرحلة وسائق إحدى سيارات القافلة.. وميكانيكى الرحلة أيضا يقدم لنا طعاماً ساخناً فى وجبة العشاء لاقى استحسان غالبية أعضاء القافلة، وأهلته خبرة الصحراء والتقشف المطلوب فى استخدام المياه لصنع طبق واحد للعشاء، فى الغالب كانت مكوناته المكرونة أو «الأرز» إضافة إلى قطعة من اللحم وقليل من الخضار..
والمهم فى وجبة حمادة أنها تسبقها الشوربة الساخنة، حتى لو كان الطبق الرئيسى بدون لحم «قُرديحى». المناقشات بين المجموعة دارت فى البداية عن المشاكل الحاصلة مع سياحة السفارى وصعوبة الحصول على التصاريح من الجهات السيادية التى لابد أن توافق على دخول المكان، خاصة الجلف الكبير قبل موعد الرحلة بستة أسابيع، وكيف أنه يصعب إضافة سائح واحد إلى المجموعة بشكل استثنائى، ودارت المناقشات بصراحة حول الحلول المقترحة وإمكانية عقد لجنة وزارية مشتركة يشارك فيها قيادات الدفاع والسياحة والبيئة لتذليل هذه العقبات وإمكانية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى فى هذا المجال خاصة جنوب أفريقيا وفرنسا ونيبال.
المناقشات ركزت أيضا على حماية «المحميات الطبيعية» فى مصر، خاصة الصحراء البيضاء والجلف الكبير ووادى الريان ووادى الحيتان.
وحكى أحمد سلامة، المسؤول عن محميات المنطقة الغربية فى وزارة البيئة، كيف أن أحد الدبلوماسيين البلجيكيين قام بتدمير جزء من محمية وادى الحيتان بالفيوم، وكيف أن الوزارات المختلفة طلبت من البلجيكيين تقديم اعتذار رسمى وتعويض بقيمة ٥ ملايين جنيه عن الواقعة.
* اليوم الثانى فى الصحراء كان الأصعب على الإطلاق، هبت رياح خماسينية ساخنة حملت معها الرمال بسرعة قياسية فى وجوهنا، ومع ساعات اليوم وصل تأثير الرياح إلى السيارات فتعطل بعضها، وغاصت جميع سيارات القافلة فى الكثبان الرميلة، وكان المنظر اللافت هو مشاهدتنا الرياح وهى تحرك الرمال بسرعة من أسفل الإطارات فتعود السيارة للخلف فى دقائق، ولولا يقظة السائقين وخبراتهم لانقلبت بمن فيها، واعتقدنا أننا دخلنا بحر الرمال لكن محمود نور الدين قائد الرحلة شرح لنا على أجهزة الـ GPS كيف أننا نبتعد بنحو ٢٠٠ كيلو متر عنه، وأن هذا المناخ المتقلب طبيعى فى هذا الوقت من السنة..
انخفضت درجة الحرارة إلى ما دون الخمس درجات، وكنا على ارتفاع ٧٠٠ متر من سطح البحر، وفى هذه الأجواء المتقلبة وعلى بعد ١٥٠ كيلو متراً من الجلف الكبير كانت محطتنا مع بحيرة طبيعية جافة تكونت من بقايا مياه عذبه وتركت آثاراً رسوبية اعتقدنا مع رؤيتها وكأن المياه جفت منها قبل أشهر معدودة لكن الجيولوجيين المرافقين للبعثة قالوا إنها جفت قبل ١٠ آلاف سنة على الأقل وإن صحراء مصر الغربية كانت تضم فى هذا التاريخ أو قبله بقليل نحو ٥ بحيرات عذبة على الأقل تشكلت بأغلب الآراء من هطول الأمطار أو بفعل أودية بعض الأنهار القديمة.
وعلى حدود هذه البحيرة الجافة التى يطلق عليها اسم «الياردنج» سجلنا صوراً لأشكال رائعة تشبه حيوانات عديدة لكن الشىء المكرر فى المكان هو التشكيلات الصخرية التى تشبه كلب البحر، ويقول أحمد سلامة إن المنطقة عبارة عن ترسيبات لصخور طينية أما النحت وعوامل التعرية فيها فتمت بالرياح التى صنعت أشكالاً عديدة، وهى جيولوجيا حديثة وقد تعود إلى عشرة آلاف سنة فقط.
ورغم السهل شبه الطينى فإن الحياة النباتية والحيوانية منعدمة على الإطلاق فى هذا المكان.
وقال سلامة إنه رغم جمال المكان فإنه من الصعب جداً أن يكون جزءاً من محمية الجلف لابتعادها عن المكان بنحو ٤٠٠ كيلو متر وحتى لا تحدث مشاكل مع جهات أخرى فى الدولة.
وأشار إلى أن المحمية تضم وادى بخت ومغارة القنطرة ومنطقة الثمانى أجراس وجبل العوينات ووادى صورة ووادى عبدالملك ووادى حمرة ومنطقة السلتيا.
* فى اليوم الثالث لرحلتنا فى صحراء مصر الغربية، والرابع منذ مغادرتنا العاصمة، كانت محطتنا الأولى مع «الجلف الكبير» وصلت القافلة إلى وادى بخت والذى يبلغ عمقه داخل الهضبة نحو ١٥ كيلو متراً ويضم ظاهرة جيولوجية نادرة جداً مثلما هو موجود بمحمية الدبابية بمحافظة قنا والخاصة بالتجمع الكامل لطبقات تاريخ الكرة الأرضية.
وعن تسمية المكان بهذا الاسم، يقول عمرو شنن، وهو واحد من رواد استكشاف الصحراء المصرية، والمسؤول عن إعداد التقرير النهائى عن الرحلة، إن البرنس كمال الدين حسين ابن السطان حسين اكتشفها بالصدفة أو بـ«البخت» فأطلق عليها هذا الاسم وإن بعثات عديدة زارت المكان وأعدت تقارير وافية عنه.
ومع وصولنا الوادى، بدأ الفريق التابع لوزارة البيئة بوضع لوحة ضخمة عند مدخله تشير إلى أنه يدخل ضمن حدود المحمية الطبيعية للجلف الكبير، وساعد أفراد القافلة فى صنع عوائق حجرية فى الطريق لإجبار سيارات رحلات السفارى على التوقف على بعد كاف من مدخل الوادى، وهو أمر تكرر فيما بعد عند الكهوف والأودية المهمة فى الهضبة وحولها. وأدوات إنسان ما قبل التاريخ مترامية وموجودة فى جانبى الوادى وقدّرتها البعثة الألمانية برئاسة كوبر مطلع الثمانينيات من القرن الماضى بنحو المليون أداة.
ويقع الوادى بين جبلين يصل عرضه فى بعض المناطق إلى كيلو متر تقريباً، ويوجد فى منتصفه كثيب رملى تعلوه كمية كبيرة من الأدوات الحجرية وعند نهاية الكثيب توجد منطقة بحيرة جافة مدخلها يشبه الشلال أو مخرات المياه الجافة، وعلى حافة هذا المدخل يوجد Cross section أو مقطع طولى للترسيبات على حافة البحيرة باللون الأحمر يحتوى بقايا نباتات، عمر الترسيبات فيها يزيد على ١٢ ألف عام.. وهو ما يوضح التاريخ الجيولوجى لهذا المكان.
يقول مصطفى رزق، المتخصص فى آثار ما قبل التاريخ بالمجلس الأعلى للآثار، إن البعثة الألمانية التى عملت فى المنطقة أصدرت مجلة باسم «وادى بخت» تتضمن أهم الأدوات فى الوادى وهى آلاف القطع الحجرية التى استخدمها المصرى فى مراحل ما قبل التاريخ كسكاكين وقواطع ومكاشط ورؤوس سهام مصنوعة بغاية الدقة، وكذلك لوحات مسطحة من الحجر الجيرى استخدمت كجزء سفلى لحجم الصحن.
أما عن منطقة البحيرة الجافة أو «Playa» فتم استخدام مسطحها كرقعة زراعية للإنسان الذى سكن هذا الوادى، إضافة إلى أنشطة أخرى مثل الرعى وتربية الحيوانات، وعثر مصطفى رزق وصبرى يوسف عبدالرحمن موفدا المجلس الأعلى للآثار على كسرات عديدة من قشر بيض النعام الذى استخدمه الإنسان فى ذلك الوقت فى أغراض عديدة أهمها الشرب، حيث ندر الفخار والأدوات الأخرى التى تستخدم لهذا الغرض، لكن باحثاً آخر عثر على الفخار فى هذه المنطقة.
وتدل الأدوات المكتشفة، وفقاً لخبيرى الآثار، على تطور الفكر الإنسانى للمصرى الذى عاش فى هذا العصر، قبل ٨ آلاف سنة قبل الميلاد، وفى جولتنا فى الوادى شاركنا فى اكتشاف حجر طحن وبقايا موقد وحبوب متحجرة مما يدل على أن الإنسان زرع الحبوب وطحنها وطهاها فى هذا الوقت البعيد.
وكانت أسئلة أفراد القافلة متنوعة لقائد الرحلة محمود نورالدين حول الحفاظ على المكان، ولماذا الإبقاء على هذا الكم الكبير من الأدوات فى أماكنه الطبيعية، وهل تتعرض هذه الأدوات للسرقة من السائحين، فقال إن كل البعثات الأثرية والمتخصصين فى دراسة المكان وعشاقه أوصوا بالإبقاء على هذه الأدوات فى أماكنها الأصلية لكن السرقات تحتاج إلى وعى من رجال السياحة والآثار والمسؤولين عن المحمية من وزارة البيئة.
وأشار إلى أن السرقات وصلت ذروتها فى منطقة السليكا والتى تكاد تخلو منها بعد تعرضها للسطو من الأجانب والمصريين على مدى مائة وخمسين عاماً.
وصلنا مساء الثلاثاء إلى مغارة القنطرة التى اكتشفها ضابط إنجليزى يدعى كيندى شو عام ١٩٣٥، وهى تبعد بنحو ٤٠ كيلو متراً عن وادى بخت، وكانت المرة الأولى التى نشاهد فيها رسوم الإنسان المصرى القديم فى تصويره الرائع لحياته ومرعاه وحيواناته المستأنسة وغير المستأنسة.
ألوان رئيسية رائعة هى الأحمر الداكن والأبيض والأصفر، ونقوش بدائية تصور حياة الإنسان المصرى قبل ١٠ آلاف عام على الأقل
قام بالرحلة محمد السيد صالح ٥/ ٤/ ٢٠٠٩
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment