Friday, March 13, 2009

ثورة «الألف شهيد» أضرب الشعب فأسقط الحكومة وأعاد سعد زغلول ورفاقه


ثورة صنعتها مطالب وأحلام شعبية ترجمها الشارع المصرى إلى شرارة كبيرة طالت مدنًا ومحافظات وأقاليم مترامية من مصر هى ثورة ١٩١٩، التى شاركت فيها الأمة بكل طوائفها وأقباطها ومسلميها.
كان حسين باشا رشدى طلب من الإنجليز، عقب توقيع الهدنة مع ألمانيا، أن يسافر إلى لندن مع عدلى باشا، وزير المعارف، لشرح حالة مصر لوزارة الخارجية، والاتفاق معها على مصالح الوطن فوعده الإنجليز بالسفر، لكنهم عادوا وماطلوا فقدم استقالته فى ديسمبر ١٩١٨ إلى أن رضخوا لطلبه، لكنه طلب أن يصرح للوفد الذى تم تأليفه وعلى رأسه سعد زغلول بالسفر إلى لوندرة وباريس، للمطالبة بالاستقلال فرفض الإنجليز بحزم.
وفى أول مارس ١٩١٩ استدعى وطسون، قائد الحامية، سعد زغلول وزملاءه إسماعيل صدقى ومحمد محمود وحمد الباسل، وأظهر لهم استياء الحكومة من تدخلهم فى سياسة البلد وهددهم بمحاكمتهم عسكريًا، ثم قبض عليهم مساء نفس اليوم ٦ مارس ١٩١٩، وقرر أن يعتقلهم فى جزيرة مالطة وأرسلهم إليها فعلاً، فسرى نبأ نفيهم فى مصر، سريان النار فى الهشيم واندلعت المظاهرات فى كل ربوع المحروسة، وتم إطلاق النار على المتظاهرين فقتل وجرح كثيرون مما أثار حمية المتظاهرين وأزكى لهيب المظاهرات.
كان الجنرال أو «اللورد» اللنبى آنذاك فى باريس فصدر له الأمر بالعودة بأسرع ما يمكن وتم تعيينه مندوبًا ساميًا فى مصر بدلاً من «ونجت»، ورغم أن اللنبى أمر بقمع المظاهرات وتأديب المتظاهرين وإقامة المحاكم العسكرية فإنه أمر بإعادة سعد زغلول فاندلعت المظاهرات ابتهاجًا بعودة سعد ورفاقه وانتهت بتدخل الإنجليز ومقتل مجموعة كبيرة من المتظاهرين.
أما أعضاء الوفد فلم يتراجعوا أمام إنذار المندوب البريطانى، كما أن سعد زغلول أرسل برقية إلى «لويد جورج»، رئيس الوزارة البريطانية، يفيده بالمطلب الشعبى بالاستقلال التام، وأن الحماية غير مشروعة فقامت سلطات الاحتلال باعتقال سعد زغلول فى ٨ مارس ١٩١٩، وواصل «الوفد» ثورته بعد اعتقال سعد وبدأت الثورة بالمظاهرات السلمية لطلبة المدارس فى اليوم التالى، وكان طلبة الحقوق على رأس الطلبة المضربين،
وفى ١٠ مارس سقط أول القتلى فى المظاهرة وفى ١١ مارس استمر الإضراب وأضرب سائقو الترام والتاكسى والأتوبيسات، وذكر الرافعى أن أول شهيد فى مظاهرات ثورة ١٩١٩ كان مصطفى ماهر أمين وفى رواية أخرى كان محمد عزت البيومى.
وفى ١١ مارس أضرب المحامون وبلغ عددهم ٣١٩ محاميًا ثم أضرب المحامون الشرعيون فى ١٥ مارس، وهو اليوم الذى أضرب فيه عمال العنابر، وفى ١٦ مارس اندلعت المظاهرات النسائية، نحو ٣٠٠ سيدة من كرام العائلات، وحينما بلغن شارع سعد زغلول قاصدات «بيت الأمة» حاصرهن الجنود وسددوا الأسلحة إلى صدورهن وظللن محاصرات طيلة الساعتين إلى أن تقدمت إحداهن إلى أحد الجنود، الذى يشهر سلاحه فى وجهها،
وقالت له بالإنجليزية: «نحن لا نهاب الموت، أطلق بندقيتك إلى صدرى، لتجعلوا مصر مس كافل ثانية» ومس كافل هذه كانت ممرضة إنجليزية شهيدة فى الحرب العالمية الأولى، واتهموها بالجاسوسية وأعدموها رميًا بالرصاص وقدمت النساء احتجاجات للمعتمد البريطانى،
كما أضرب العاملون فى البريد وفى ١٧ مارس كانت المظاهرات الأكبر فى سلسلة هذه المظاهرات وتم إبلاغ الحكمدارية بها ورأت السلطة العسكرية عدم التعرض لها حقنًا للدماء، وتولى «راسل باشا»، حكمدار العاصمة، ضبط النظام فى هذا اليوم وركب سيارة تقدمت المظاهرة التى بدأت من الأزهر فالحكمدارية الجديدة فعابدين فشارع سليمان فشارع شريف ثم ميدان الأوبرا وقطعت المسيرة فى ساعات وقيل إن عدد المتظاهرين كان أكثر من ٥٠ ألفًا، واستمرت الثورة إلى يوم ٩ أبريل الذى شهد تشييع جنازة ٤ شهداء.
وفى ١١ أبريل تم تشييع جنازة ١٤ شهيدًا إلا أن شعلة الثورة طالت سائر الأقاليم، بورسعيد والبحيرة والغربية والمنوفية ودسوق وزفتى وكفر الشيخ والمحلة الكبرى ودمياط والمنصورة والدقهلية والقليوبية والشرقية والفيوم والمنيا وأسيوط وقنا وأسوان وبلغ عدد الشهداء ١٠٠٠ شهيد، وعم الإضراب سائر ربوع مصر ومدنها إلى أن تم تعيين المندوب السامى «اللورد اللنبى»، الذى أعاد سعد زغلول ورفاقه،
فى استجابة جبرية للمطلب الشعبى، كمحاولة لتهدئة الموقف، غير أن الموظفين الحكوميين ظلوا على إضرابهم وكذلك طلبة مدرسة الحقوق، بل المدارس الثانوية والمحامون وعمال الترام، حتى بعد عودة سعد، وشكلوا لجنة اسمها لجنة مندوبى وموظفى وزارات الحكومة ومصالحها، وأقرت اللجنة استمرار الإضراب من ١٢ أبريل حتى إلغاء الأحكام العرفية وسحب الجنود البريطانيين من الشوارع، ومن جانبه أصدر رشدى باشا فى ١٢ أبريل عام ١٩١٩ بيانًا يهيب فيه بموظفى الحكومة العودة إلى وظائفهم
كتب ماهر حسن ١٣/ ٣/ ٢٠٠٩
المصرى اليوم

No comments: